العدد -3 - السبت 24 أغسطس 2002م الموافق 15 جمادى الآخرة 1423هـ

لماذا الوسط؟

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

البيئة تنتج ثقافتها. هذه مقولة متعارف عليها. إلى جانبها تقف مقولة أخرى وهي: الثقافة تتجاوز بيئتها في حال توافرت مناخات الانفتاح وفضاءات التسامح.

ويأتي قطاع الصحافة في طليعة ذاك النوع من الثقافة. صحيح أن الصحافة تعتمد النقل والسرعة في الاتصال، وثقافتها سهلة وغير معقدة الا انها تحتاج دائماً إلى دماء جديدة تعطيها قوة الدفع لتجاوز ما هو مألوف وتأصيل ثقافة يومية يبقى منها المفيد ويزول ما علق بها من شوائب.

في عصرنا، الصحافة هي مقياس الانفتاح، تنقل إلى القارئ صورة الواقع واشارات سريعة عن اخبار المجتمع وفق تراتب هيئاته. فالصحافة بهذا المعنى هي علم الخبر اولاً، وفي المرتبة الثانية يأتي الرأي.

والخبر من دون رأي لا طعم له ولا رائحة وهو كالرأي من دون خبرلا فائدة منه سوى المزاج النكد...

الصحافة دائماً تطمح إلى ان تتجاوز بيئتها من دون كسر المألوف الثقافي الذي هو نتاج تراكم سنوات من الموروث الضاربة جذوره في مجتمع اختبره الزمن وأنتج الكثير من معارفه عن طريق التجربة.

واذا نظرنا إلى البحرين نجد الكثير من الشواهد الاعلامية تؤكد قدرة الصحافة على تجاوز بيئتها الصغيرة لأنها وضعت في مناخ الانفتاح.

كذلك نجد الكثير من الأمثلة المعاكسة تغلبت فيها البيئة على الصحافة مانعة نموها وتطورها فالتحقت بها بسبب التضييق والتطويق.

«الوسط» تطمح الى التوليف بين البيئة والثقافة، فهي من جهة نتاج مجتمع وصل في تطوره الزمني الى درجة معينة من التقدم.

ومن جهة اخرى هي ايضاً نتاج تطور عالمي في قطاع الصحافة أسهمت في تقدمه تقنيات عالية في النقل والاتصالات. وهنا بالضبط تبدأ مهمة «الوسط» الصحافية وهي تجسيد الصلة بين حاجات البيئة وطموحات الثقافة.

كيف يمكن ان نصل الى هذا الطور المتقدم على بيئته؟ هذا هو التحدي.

تعاني معظم الصحف العربية، وتحديداً الخليجية من خلل بنيوي. فهي مثل معظم الإذاعات السمعية والبصرية تعتمد على المصادر نفسها وتستند في بث او نشر اخبارها على وكالات الانباء العالمية والعربية والمحلية. فتظهر نشرات الاخبار في الصحف متشابهة ومكررة لا جديد فيها سوى اختلاف اسلوب الكتابة. فالقارئ أو المشاهد يجد نفسه امام عملية استنساخ ممل، الامر الذي يضعف ثقته بالمصادر الاولى وخصوصا اذا قرأ او شاهد الخبر نفسه في اكثر من محطة وصحيفة.

كذلك الصحافة البحرينية لا تزال متأخرة عن العصر. فهي تظن ان وظيفتها هي نقل الخبر لا صناعته وهو امر قلل من اهميتها وحاجة القارئ لها. وهناك صعوبات تقنية وميدانية تتسع يوما بعد يوم. فالصحيفة المكتوبة تتأخر في الوصول الى القارئ، فهي تحتاج الى 24 ساعة بين وقوع الحادث ونشره وتوزيع الصحيفة على الاسواق. والصحيفة مهما بذلت من جهود واعتمدت على اجهزة متطورة لا تستطيع ان تنافس الاذاعة او محطات التلفزيون ووكالات الانباء التي تنقل الخبر في لحظة حصوله، وتتابعه اذا اقتضى الامر دقيقة دقيقة.

فالصحف المحلية لا تزال بليدة في قراءة الخبر وتحليله، ومحافظة ومترددة في كشف خلفيات الاحداث وترابطها محليا واقليميا ودوليا. فهي من جهة تكتفي بالاعتماد على الوكالات والمنظمات والهيئات في نقل الاخبار والوقائع وتستند من جهة اخرى الى مصادر محددة تعرف «ماذا حصل؟» ولكنها لا تعرف «لماذا حصل؟».

هذا النوع من الصحافة التقليدية لا يزال يسيطر حتى الان على معظم الاعلام العربي (الرسمي والخاص) ما ساهم في تراجع تأثير الوسائل المكتوبة على الرأي العام، واتجاه النخبة واصحاب القرار الى تحبيذ الاعلام الدولي المرئي والمسموع.

السؤال: هل انتهي عصر القلم؟

على رغم ما قيل عن تراجع اهمية الصحافة المكتوبة إلا أنها لا تزال تحتفظ حتى الان بدورها المميز في صناعة القرار والتأثير على الرأي العام، لكونها تتوجه الى اصحاب الكفاءات والنخب السياسية والجامعية والاكاديمية. فالمشاهد والمستمع الذي يعتمد على التلفزيون والاذاعة متفاوت الاهتمامات وفي درجات تحصيله العلمي.

ولا شك في ان الفئة التي تعتمد على البصر والأذن في تحصيل الاخبار ومتابعة الاحداث هي الاكثرية، الا انها قليلة التأثير على الرأي العام وصناعة القرار. بينما الفئة التي تعتمد على العقل والتحليل وتتابع الاخبار والحوادث وتهتم بمعرفة مصادر المعلومات هي قليلة نسبيا لكنها الاكثر تأثيرا وتأثراً. وهي في غالبيتها تميل الى الاعلام المكتوب.

تشكل هذه النخبة في مجموعها العام نسبة تتراوح بين 15 و 20 في المئة من القوى البشرية العربية، وهي في نمو متزايد. وهذا يعني ان دورها سيتعاظم في المستقبل.

الا ان هذه النخبة مهملة نسبيا في معظم الصحف العربية والمحلية لذلك اتجهت الى اعتماد المصادر الاجنبية لتلبية حاجاتها اما بسبب ضعف ثقتها بالمعلومات المتداولة في الاذاعات والتلفزيونات واما بسبب رغبتها في تطوير معرفتها بخلفيات الحوادث.

تتميز هذه النخبة بالطموح وتلجأ الى التنافس لتحسين مواقعها. وهي على قلتها النسبية اكثر تجانسا وتملك القدرة الشرائية، وهي تميل الى اشباع معلوماتها بالاحصاءات والاستقصاءات والارقام لاعادة توظيفها في عملها اليومي المباشر، وتوقع ماذا سيحصل في المستقبل حتى تعرف كيف تستخدم طاقاتها واموالها وما هي افضل طرق النجاح؟.

لم يغرب عصر القلم، الا ان السؤال الآخر: كيف نكسب هذه النخبة ونستعيد ثقتها؟

يمكن تقسيم الحلول الى نوعين: واحد يعتمد على جهاز تحرير الصحيفة وآخر على الهيئة المشرفة على توجيهها. فالصحافة كما يقال «تاريخ العالم في يوم» لذلك يجب التعاطي معها كعلم وصناعة. فهي علم المعلومات من جهة وصناعة المعلومات (تحليلها، وتركيب مصادرها الاخبارية) من جهة أخرى. وهذا يقتضي الموضوعية والحياد في تناول التطورات، والصدقية في عرض الحوادث. ولنجاح هذا الامر لا بد من تنويع مصادر المعلومات وعدم الاكتفاء بأخبار الوكالات بل تعزيزها بأخبار خاصة تلقي الضوء على جوانب جديدة وربما خفية، الامر الذي يلفت نظر القارئ ويجعله يلاحظ وجود اضافات مختلفة عن تلك التي سمعها بالاذاعة او شاهدها في التلفزيون.

وهنا تأتي اهمية الاعتماد على التقارير الخاصة التي يبعثها المراسلون. وهذا يقتضي التواصل بين مركز الصحيفة الرئيسي ومراسلها والحرص على تزويده بالافكار وتوجيهه لملاحقة عناصر محددة في الخبر والحدث حتى تتميز الصحيفة عن غيرها.

إلى ذلك هناك الاعتماد على المقابلات والتحقيقات الميدانية لانها تنقل للقارئ ما لا يجده في صحيفة منافسة او مصدر إخباري (سمعي او بصري) آخر. فالتركيز على التحليل الاخباري الدائم الذي يربط الاخبار ويعيد تركيب الحوادث لتنظيم المعلومات في ذهن القارئ يساعد على تطوير معرفته وعدم الاكتفاء بتلقي المعلومة من دون تحليل لخلفياتها.

بعد التحليل يأتي دور الصورة مع الخبر. فالصورة هي الشاهد على الواقعة، كذلك لابد من اعتماد الخرائط والرسوم التي ترشد القارئ الى جغرافية الخبر ومكان وقوع الحادث.

بعد الخبر المركب والصورة يبدأ دور الاحصاءات الرقمية والاستقصاءات كدليل نسبي (متحرك ومتغير) لمعرفة اتجاهات الرأي العام وملاحقة تصوراته حتى يمكن تلبيتها من خلال التحرير (المقابلات، التحليلات، التحقيقات).

ونجاح الصحيفة يحتاج الى شروط منها ضوابط اللغة ووحدة الاسلوب وتنسيق الابواب في وحدة اخراجية فنية متكاملة.واهم الشروط الحرص على تنويع الآراء وعدم سيطرة وجهة نظر واحدة. فالتعدد الفكري ضروري لكسب ثقة القارئ، والثقة تكتسب من خلال التحليل الهادئ المعزز بالمعلومات والارقام إضافة الى الدقة في تحديد الاسماء والتواريخ. والاخطاء في هذا المجال لا ترحم الصحيفة وكتّابها. كذلك لابد من التزام الضوابط الخلقية مثل عدم الانجرار نحو التشهير او النيل من سمعة او كرامة اي فئة او هيئة او جهة.

الرأي يجب ان يقدم معرفة جديدة وأساليب مبتكرة في قراءة الحوادث حتى لا يسقط القارئ في الملل والتكرار وترويج معلومات غير مفيدة، أواهانة المخالفين في السياسة. فحتـى لا تسقط الصحيفة في الابتذال عليها الاعتماد على الوثائق والتقارير والبيانات وقراءة ارقامها وتفسيرها وكشف دلالاتها ضمن رؤية تعتمد منهج المقارنة بين ما صدر سابقاً، ومنهج القياس النسبي بين دولة واخرى.

لكل الاسباب المذكورة كانت «الوسط»... والله الموفق.

مدير التحرير

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد -3 - السبت 24 أغسطس 2002م الموافق 15 جمادى الآخرة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً