قد لا يكون في السياسة السورية الخارجية الحالية ما هو أكثر وضوحاً من معارضة الحرب الأميركية على العراق، وهو موقف جرى التأكيد عليه باستمرار على كل المستويات، وغالباً ما كانت التأكيدات تتوالى مع تزايد الأحاديث عن احتمال الحرب على العراق، ووضوح الموقف السوري والتأكيدات المتتالية عليه، تعود إلى جملة أسباب، تتداخل فيها السياسة والاقتصاد، ويختلط فيها ما هو راهن مع المستقبلي.
ولا شك في أن الأهم في الأسباب السياسية، معارضة دمشق لاعتماد سياسة القوة في التعامل مع بلد عربي، وهو مبدأ كثيراً ما اعلنته دمشق، التي تعارض أيضاً هدف الحرب الأميركية، المتمثل في تغيير السلطة في بغداد، وإقامة سلطة جديدة أقرب إلى السلطة التي نصبتها واشنطن في أفغانستان بزعامة حميد قرضاي.
ويضفي موقع العراق بالنسبة إلى سورية أبعاداً أخرى إلى السببين الرئيسيين، حيث أن العراق مجاور لسورية، ويشكل عمقاً استراتيجياً لها وهو يصلها مباشرة إلى عمق تحالفها القوي مع إيران، إضافة إلى أن العلاقات السورية - العراقية من الناحيتين السياسية والاقتصادية هي في أفضل حالاتها على مدار أكثر من خمسة عقود متتالية.
وتمثل العلاقات الاقتصادية القائمة بين سورية والعراق أسباباً أخرى في أسباب معارضة سورية للحرب الأميركية ضد العراق، إذ أن العلاقات التجارية تحسنت بين البلدين منذ العام 1997، وهو تاريخ عودة العلاقات بين البلدين بعد قطيعة طويلة. تطورت العلاقات التجارية في السنوات الأخيرة، وتم فيها توقيع الكثير من الاتفاقات بينها اتفاق «التجارة الحرة». تجاوز حجم المبادلات بين البلدين مبلغ ملياري دولار في العام 2001، حسب ما أكده وزير التجارة العراقي محمد مهدي صالح، وهو مبلغ مهم لسورية التي يقترب حجم موازنتها السنوية إلى نحو سبعة مليارات دولار. في ملف العلاقات الاقتصادية السورية - العراقية سبب آخر لمعارضة دمشق، وهو موضوع النفط، إذ يقدم العراق نفطاً تتراوح كميته ما بين 150 - 200 ألف برميل بأسعار مخفضة، إضافة إلى كميات أخرى مجانية، تلعب في مجموعها دوراً مهماً في دعم الاقتصاد السوري الذي يعاني منذ سنوات من مشكلات وصعوبات.
وتجعل هذه الاسباب من المعارضة السورية للحرب على العراق، قضية تتداخل فيها الاعتبارات السياسية مع الاعتبارات المصلحية، التي تتهدد جميعاً سورية مع احتمال تغيير النظام في بغداد ومجيء نظام يعادي التوجهات السورية، أو لا يتعاطف معها في الحد الأدنى.
عملت دمشق على مدار عقد من السنوات باتجاه التخفيف من نتائج حرب الخليج الثانية 1991، ولا سيما حصار العراق، بل دعت من أجل عودة العراق إلى محيطه العربي، وتصفية آثار حرب الخليج الثانية في البعدين العربي والدولي وتكللت مساعي دمشق في هذا الاتجاه بتحقيق نجاحات، لا سيما في التحسن الملموس لعلاقات العراق مع الدول العربية ومنها المملكة العربية السعودية.
غير أن نتائج جهود دمشق في إعادة العراق إلى محيطه، ظلت محدودة في مواجهة الاصرار الأميركي في الحرب على العراق، وهي ستكون كذلك في ممانعة شن تلك الحرب. إذ لا تملك دمشق ما يكفي من القوة السياسية لمنع الحرب، وهي ليست بوارد منع الحرب من حيث القوة العسكرية. ولكن دمشق بمعارضتها الحرب على العراق، تقوي المعارضة الإقليمية المعلنة، وهي سوف تؤثر خلال علاقتها مع أطراف في المعارضة العراقية، كما هو الحال مع المعارضة الكردية في شمال العراق ومع المجلس الأعلى للثورة الاسلامية، في عدم توحد المعارضة خلف القرار الأميركي لخوض الحرب، وكلها أمور تجعل من معارضة الحرب الأميركية على العراق ذات تأثيرات متعددة وإن تكن غير كبيرة، إذا قررت الولايات المتحدة المضي نحو حربها ضد العراق
العدد -2 - الإثنين 19 أغسطس 2002م الموافق 10 جمادى الآخرة 1423هـ