ثمة جدل واسع يدور هذه الايام في الساحة البحرينية حول المجلس النيابي، التعديلات الدستورية، اصدار القوانين المختلفة وممارسة العمل السياسي من خلال الجمعيات الاهلية. غير ان الحوارات المختلفة اشبه بحوار الطرشان الذين لا يفهمون بعضهم بعضاً. فمن جانب تركز قوى المجتمع المدني، وبضمنها جماعات المعارضة، على الطرح الفكري والمبدئي والايديولوجي، بينما على الجانب الآخر تركز الجهات الرسمية على ما تراه ضرورة ملء الفراغ القانوني بتشريعات تصدر كمراسيم ملكية بعد اقرارها من السلطة التنفيذية.
وعليه فإن الحوار يعتمد لغتين مختلفتين، واحدة تتحدث بلغة الايديولوجيا والمبادئ، واخرى تتحدث بلغة حكم القانون وضرورة ملء الفراغ التشريعي الذي تحتاجه البحرين قبل بدء الحياة النيابية. وبينما تركز قوى المجتمع المختلفة حواراتها على المفاهيم الدستورية ومقارنتها مع ما هو معمول به في دول العالم الاخرى، تمضي الجهات الرسمية في عملها الدؤوب لاصدار القوانين معتمدة في ذلك على تفسيرات قانونية. وفي الوقت الذي تطالب قوى المجتمع باجراء حوار بينها وبين الجهات الرسمية، ترد الاخيرة بأن تلك القوى ليست مخولة للدخول في مفاوضات لان التمثيل السياسي ليس له اي اطار قانوني بحريني، وان هذا الاطار بحاجة لتشريع يصدر من البرلمان. وفي الوقت الذي ترى الجهات الرسمية انها غير ملزمة قانونيا بإجراء مفاوضات فإن قوى المجتمع المختلفة تطرح الالتزام المعنوي المستمد من حوارات «غير رسمية» ومن تصريحات رسمية قبل التصويت على ميثاق العمل الوطني في فبراير 2001، وتطرح هذه القوى أن الاجماع الكبير الذي حصل عليه عظمة الملك انما جاء بفضل تكاتف الجميع، بمن فيهم المعارضة، لمساندة ميثاق العمل الوطني، وبالتالي فإن التوافق السياسي كان متعدد الاطراف وهذا التوافق يجب المحافظة عليه في مرحلة ما بعد الميثاق وحتى قيام المؤسسات الدستورية المنتخبة.
الرد غير المباشر على هذا الطرح ممكن قراءته مما كتبه الدكتور محمد جابر الانصاري عندما اشار الى «ان التوافق السياسي الآني قد يشيع لحظة ديمقراطية في مجتمع من المجتمعات ولكن لا يكفي وحده لترسيخ النظام الديمقراطي في المدى الطويل....»، متسائلا اذا كان بالامكان غرس الديمقراطية في مجتمعات لم تشهد تقدما ولا تملك تراثا متأصلا فيها؟
اننا نعتقد بأن التوافق السياسي الذي شهدته البحرين في مرحلة ما بعد الميثاق الوطني يحمل في طياته عوامل بعيدة المدى، وان هذا التوافق يمكن انعاشه، بدلا من احباطه، عبر انهاء «حوار الطرشان» والدخول في حوارات قانونية واخرى فكرية، على ان تغلب حال التسامح وحسن النية. ونرى بأن القوى الاجتماعية المختلفة، بمن فيها المعارضة، بحاجة لطرح قانوني لاننا بصدد تأسيس وتعزيز «حكم القانون» وحتى لو اختلفت الطروحات الرسمية بهذا الشأن مع التوجهات الاهلية فإنه ليس من الصالح تعطيل المسيرة في هذه الفترة الحرجة بالذات
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد -2 - الإثنين 19 أغسطس 2002م الموافق 10 جمادى الآخرة 1423هـ