لا يخفي تاريخ البحرين بفتراته المختلفة المطالب السياسية التي دوما نادى من اجلها البحرينيون رجالا ونساء معا، وكيف ترعرعت معها بوادر النضال في الساحة المحلية ضد المستعمر الاجنبي وحتى لحظة معايشة المواطن البحريني واقع الانفتاح الذي اقدم عليه بخطوات ثابتة صاحب العظمة الشيخ حمد بن عيسى منذ العام الماضي. ولولا الاصلاحات التي اطلقها الملك، لما برزت الملامح الايجابية التي بدأ الشارع البحريني يتلمسها عن قرب بأشكالها الحالية وخصوصا فيما يتعلق بمسار العمل السياسي.
وعندما اصبحت بعض المكتسبات موجودة في متناول يد المواطن نرى انها لم تستغل بالشكل المطلوب، ومثال على ذلك ما عكسته لنا نتائج انتخابات المجالس البلدية في جولتها الاولى. وعلى رغم ان دخول هذا المعترك الانتخابي تجربة وليدة غابت عن الساحة المحلية حوالي خمسين عاما، إلا أنها برهنت على وقائع اخرى، لم تكن في الحسبان، عن طبيعة مجتمع لايزال يعاني من بعض الموروثات الاجتماعية إزاء نظرته الى المرأة. وليس هذا فقط بل عكس ان الاصلاح السياسي لم يصاحبه الاصلاح الاجتماعي ... وكيف لا؟! وهما عنصران يكملان بعضهما . فمجتمع كالبحرين الذي كان يضرب به المثل خليجيا وعربيا بإنصافه للمرأة وبأهليتها في التحصيلين العلمي والمهني على مستوى المنطقة الخليجية ثبت عكس ذلك. والدليل نتائج الانتخابات التي وصفها المراقبون والغربيون بالمخيبة للآمال نظرا الى الدور الذي لعبته ولا تزال تلعبه المرأة البحرينية داخل مجتمعها، وهو ما يدعو الى القول: ان الاصلاح السياسي الحالي يواجه خللا اجتماعيا لا يزال يؤمن بالنظرة التبعية للامور والمرأة في مقدمتها، كونها قضية محورية مثيرة للجدل، كما هو الحال في غالبية المجتمعات الشرقية المحافظة.
ومن جانب اخر يمكن وصف واقع المرأة البحرينية التي تمثل 20 من القوة العاملة في البلاد، وهي نسبة تفوق مثيلاتها في دول المنطقة بالواقع المرير. فقد لوحظ قلة اهتمامها ووعيها بطبيعة مهمات ودور المجلس البلدي واختلافه عن المجلس النيابي، وهو ما جعل البعض - ان لم تكن الغالبية - يخلط بين المجلسين.
وقد تندرج الملاحظات ذاتها على الرجل نفسه وان تفاوتت النسب. كما ان البعض قام بالترويج لفكرة ان المرأة لا تفضل ان تنتخب امرأة اخرى بسبب الغيرة النسوية ولقناعة ان المرأة كائن غير مؤهل وناقص. فهذا البعض يدخل في متاهات غير منطقية وغير مقبولة في قضايا الايمان والتكفير للمرشحين والمرشحات لتبرير نهجه. وهو ايضا ما يدعونا الى القول: إن النضج والوعي للعملية الانتخابية مازالا ينقصان مجتمعنا البحريني، فكلا المرأة والرجل يكملان بعضهما بعضا!
فالبعض الآخر قام بالترويج، انطلاقا من اعتبارات دينية او بسبب العادات والتقاليد او تعزيزا لهيمنة (حزبية) القوى السياسية المختلفة الموجودة رسميا على الساحة البحرينية على هيئة جمعيات، لعدم اهلية المرأة وتناسى ان المرأة البحرينية طرقت كل ابواب العمل في غالبيته المختلط، وكيف لا؟! وهي التي تبوأت مناصب قيادية لتبرز صورة البحرين في المحافل الدولية المختلفة. والدليل على ذلك النموذج المشرف لوفد البحرين النسائي الاخير الى الامم المتحدة وعلى رأسه سيدة البحرين الأولى سمو الشيخة سبيكة بنت ابراهيم . هذه الصورة التي اعطت رصيدا اكبر تقديرا لدور المرأة البحرينية. ومن جهة اخرى اذا كانت الجمعيات النسائية غافلة عن دورها الاساسي الا وهو ان تصل الى كل الفئات والمستويات النسائية ويكون صوتها مسموعا حتى في اصغر تجمع نسائي قروي، وبذلك لا تتهم بأنها جمعيات نخبوية، عليها ان تكثف من جهودها وافعالها في الوقت الحالي قبل انتخابات المجلس النيابي وتكف عن الثرثرة الزائدة، وتبدأ بصورة عملية من خلال وضع خطة جديدة واستراتيجية جادة لتثقيف المرأة بحقوقها السياسية وكيفية تفعيلها وايضا توعيتها وابراز همومها على الساحة.
وان كان هناك من يقول : إن برامج وضعت في الماضي قبل، فترة الانتخابات البلدية، فالاجابة عن ذلك انها استحوذت على فئة معينة لا غير. كما ان عدم التنسيق بين القوى السياسية اليسارية التقدمية والديمقراطية والجمعيات النسائية المختلفة فيما بينها ادى الى هيمنة التيار الديني على نتائج انتخابات المجالس البلدية في البحرين .
وهكذا نرى ان الانتخابات هي تجربة كان ينقصها النضج الكافي فيما يخص العمل الانتخابي من ناحية الممارسة، وهو لا يقتصر على المرأة فقط بل على الرجل ايضا، الذي كشف عن قلة نضوجه في تعامله مع الحملات الانتخابية. كما ان على المرأة ان تنتبه الى ان الكرة الان اصبحت في ملعبها، وعليها ان تستفيد من هذه الحقوق وتسخرها من اجل مستقبلها ودورها في المجتمع، وعليها ان تختار من دون تأثير من احد، فقد حصلت على هذه الحقوق من دون معاناة حقيقية ونضال نسوي طويل في دول أخرى..! وها نحن بانتظار ما ستحمله انتخابات المجلس النيابي من مفاجآت في تشربن الاول اكتوبر المقبل!
كاتبة بحرينية من اسرة الوسط
إقرأ أيضا لـ "ريم خليفة"العدد -1 - الخميس 27 يونيو 2002م الموافق 16 ربيع الثاني 1423هـ