سنوياً، ومنذ العام 2005، تنظم المؤسسة العامة للشباب والرياضة في مملكة البحرين وبالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) مؤتمر «نموذج جلسة الأمم المتحدة»، وهو عبارة عن نموذج مصغر للجلسات الفعلية للأمم المتحدة، عبر المحاكاة وإعادة تمثيل الواقع لما يحدث، بهدف إشراك فئة الشباب في القضايا المجتمعية والتنموية والعالمية وتبادل وجهات النظر فيها، وتطوير مهارات التفكير العليا وإدارة الحوار والتفاوض والدبلوماسية وحل الصراعات والمناقشة ونشر ثقافة التسامح والعيش المشترك، إذ يتعلم الشباب سياسات الأمم المتحدة وإجراءاتها الرسمية، من خلال المناظرات الحيَّة والمباشرة في تقمُّص أدوار سفراء الدول الأعضاء ومناقشة القضايا الراهنة على جدول الأعمال.

تؤكد المادة 26 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أن التعليم «يجب أن يؤيد الأنشطة التي تضطلع بها الأمم المتحدة لحفظ السلام»، كما ركزت شبكة المدارس المنتسبة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) على أربعة محاور رئيسية، من ضمنها محور حقوق الإنسان والسلام العالمي.

على الصعيد المحلي، أشارت المادة الثالثة من قانون (27) لسنة 2005 بشأن التعليم في مملكة البحرين، البندان (4، 5) إلى أهمية تنمية الوعي بمبادئ حقوق الإنسان وتضمينها في المناهج التعليمية، وتنمية مفاهيم التربية من أجل السلام والمستقبل الإنساني الأفضل، والتعاون والتضامن الدوليين على أساس من العدل والمساواة، والتفاعل والاحترام المتبادل بين جميع الدول والشعوب.

كم هو جميل أن يُستثمر الاحتفال بالأيام العالمية في مؤسساتنا التعليمية، ومشروع «نموذج الأمم المتحدة» هو واحد من الأدوات التعليمية الرائعة في الفضاء المدرسي، والتي تساعد الطلبة وتمكنهم من فهم ما للأمم المتحدة من أدوار وحدود وآفاق مستقبلية، عبر محاكاة الطلبة لعمل هذه المنظمة، ولعب أدوار «سفراء» الدول الأعضاء.

تطرح وثيقة الاستعلامات العامة بالأمم المتحدة جملة من الفعاليات المدرسية التي يمكن القيام بها في هذا اليوم، مثل: رفع علم الأمم المتحدة في حشد من الطلبة، وعقد لقاء على نطاق المدرسة أو الفصل، لمناقشة الكيفية التي يتسنى بها للشباب مساعدة الأمم المتحدة، وإذا كان ثمة طلبة من بلدان مختلفة في مدارسنا، فبإمكاننا أن نطلب منهم ارتداء أزيائهم وإنشاد أغانيهم الوطنية، أو على أقل تقدير مشاطرة زملائهم في المدرسة قصصاً من مواطنهم الأصلية، وتنظيم المسابقات في تحرير أفضل مقال عن دور الأمم المتحدة، ودعوة الدبلوماسيين ممن لهم خبرة في مجال الأمم المتحدة للحديث بوصفهم ضيوفاً، وتوظيف الفضاء المدرسي لنشر رسالة الأمم المتحدة من خلال العرض على الحائط، ومشاهدة شريط فيديو عن عمل الأمم المتحدة، ومراسلة الصحف ووسائل الإعلام والقنوات التشريعية لحثها على تقديم دعم أكبر للأمم المتحدة.

يقوم «نموذج الأمم المتحدة» على خطوات ثلاث، هي الإعداد: حيث يتناول الطلبة بالبحث ثلاثة مواضيع أساسية (الأمم المتحدة وأعمالها، وحكومة إحدى الدول الأعضاء في الأمم المتحدة وسياساتها ومصالحها، والقضايا العالمية المدرجة على جدول الأعمال).

الخطوة الثانية، تتمحور حول المشاركة، بحيث تخرج البحوث إلى النور، عندما يصبح الطلبة «سفراء» للدول الأعضاء، ليمارسوا مهارات التكلم على الملأ والاستماع وإدارة الوقت والتفاوض والتشاور.

أما الخطوة الثالثة والأخيرة فتتعلق بالتقويم، إذ تعد جلسة استخلاص المعلومات لقياس مدى النجاح الذي تحقق في كل جانب من جوانب المحاكاة.

والأهم من ذلك دور المعلم، حيث يقوم بلعب دور الخبير والمرشد الذي يعاون الطلبة في بحوثهم وتحليلاتهم، بعيداً عن الأساليب التقليدية كالتلقين أو المحاضرة.

وكمثالٍ على نموذج محاكاة الأمم المتحدة، يقوم المعلم باختيار عدد من القضايا الراهنة التي لها أهمية عالمية لتكون محل تركيز الطلبة أفراداً أو جماعات، وذلك بتناول مجموعة من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بالبحث وعرض المعلومات عنها، ومن ثم تبيان الهدف من بحثهم، وهو فهم البلد المعني وكيفية تناوله للقضايا الرئيسية.

وبعد أن يمضي الطلبة الوقت الكافي لإنجاز بحوثهم، يُطلب من كل «سفير» أن يصوغ قراراً لتقديمه إلى «الجمعية العامة» بشأن إحدى القضايا الرئيسية التي تهم بلده أو منطقته، على أن يتضمن القرار وصفاً تفصيلياً للمشكلة وخطة لتحسين الأمور مع إظهار الدور الذي ينبغي أن تؤديه الأمم المتحدة، ويتحتم على الطلبة إقناع أقرانهم بأن حلَّهم يفيد الجميع ويستحق التفكير، كما يقوم المعلم بتشجيع الطلبة على أن يقارنوا بين قراراتهم، بادئين في البحث عن مؤيدين أو مشاركين في تقديم القرارات، وأن عليهم أن يكونوا مستعدين لتعديل قراراتهم وإيجاد توافق في الآراء لتمريرها.

غرفة الصف الدراسي لابد أن تصمم أو تُهيأ لتكون نموذجاً مصغراً لمحفل من محافل الأمم المتحدة، وذلك بجعل الطلبة يجلسون في شكل دائرة مع وضع لافتة باسم بلد كل منهم والعلم أمامه، وليكن المعلم أو أحد الطلبة القادرين على ذلك هو «الأمين العام»، ووضع بعض القواعد لتنظيم المحفل، كأن يوجّه الحديث إلى كل دارس بوصفه «سفيراً»، ولا يجوز لأحد حينئذ أن يتحدث ما لم يشر «الأمين العام» إليه بذلك، ليطلب «الأمين العام» عرض القرارات ومناقشتها وتناولها بالأسئلة والتصويت عليها، وبعد مناقشة قرار يمكن إصداره، يصبح بمقدور أي طالب المطالبة بالتصويت عليه، والحصول على مساندة أي «سفير» آخر، وتحتاج الموافقة إلى أغلبية ثلثي الأعضاء.

تختتم المحاكاة بتقييم كتابي أو شفهي يحتوي تقييماً ذاتياً وتقويماً لما تعلمه الطلبة عن الأمم المتحدة ودورها في القضايا العالمية (راجع: حقوق الإنسان/ عقد الأمم المتحدة للتثقيف في مجال حقوق الإنسان (1995/ 2004) رقم 4 ـ مبادئ تدريس حقوق الإنسان... أنشطة عملية للمدارس الابتدائية والثانوية/ جنيف، مايو/ أيار 2003).

إن احتفالنا بنموذج الأمم المتحدة في المدارس يعني باختصار تبني استراتيجية «التعلم بالنمذجة»، الذي يعوِّد الطلبة على اكتساب المعرفة من خلال التعلّم بالعمل (Learning by doing)، في أسلوب محفز لإيجاد «الدافعية» لدى المتعلمين، وتمكين المعلمين من الوقوف على الفروق الفردية بين الطلبة.

مؤتمر هذا العام سيعقد في 24 و25 نوفمبر/ تشرين الثاني 2011، وأملنا كبير في تطوير هذا المشروع من خلال شراكة حقيقية وفعلية مع مؤسسات المجتمع المدني، سعياً لتحقيق أهداف الأمم المتحدة