عاد حزب النهضة الإسلامي ليتبوأ مكانة قوية داخل الحقل السياسي التونسي، وذلك بعد سنوات من القمع والإقصاء من قبل نظام الدكتاتور المخلوع زين العابدين بن علي.
فمنذ الإطاحة بالدكتاتور في انتفاضة يناير/ كانون الثاني الماضي، تحركت العشرات من الأحزاب السياسية التونسية في محاولة لحشد الدعم لبرامجها السياسية. إلا أن التأييد الحماسي الذي حظي به حزب النهضة الإسلامي من قبل الطبقة العاملة وسكان المناطق الغربية في تونس جعلته يهيمن على استطلاعات الرأي السابقة لانتخابات 23 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري.
ويشيد مؤيدو حزب النهضة بسمعة أعضاء الحزب التي تستند إلى النزاهة، وعلاقاتهم بالمنظمات الخيرية، ومعارضتهم الثابتة للدكتاتور السابق.
يضاف لذلك، أن البرنامج السياسي لحزب النهضة يتسم بقدر كبير من الاعتدال، ويقول مؤيدوه إن الحزب لديه من القواسم المشتركة مع أي حزب مسيحي ديمقراطي في أوروبا أكثر من الدكتاتوريات الدينية التي تحكم الكثير من الدول المسلمة.
هذا، وتفتقر الأحزاب المتنافسة في انتخابات 23 أكتوبر / تشرين الأول 2011 لأي خبرة عملية في الحكم، كنتيجة حتمية لطبيعة النظام القديم الاستبدادية. ولا يعرف أحد ما يمكن توقعه من حزب النهضة أو منافسيه. فسيطرت مشاعر الخوف والغضب بين النخبة العلمانية في تونس تحسباً لنجاح حزب النهضة المتوقع.
فالمعروف أن نظام زين العابدين بن علي كان يرى في جميع أشكال الإسلام السياسي تهديداً لسلطته. ومن ثم، فقد ألقت شرطته السرية القبض على الآلاف من النشطاء ومنعت النساء العاملات من ارتداء الحجاب، والرجال من إطلاق اللحى.
وعلى رغم مساندة أفراد النخبة في المناطق الساحلية والطبقات المهنية عامة ثورة يناير، فإنهم يشاركون النظام السابق في مواقفه العلمانية، ويبدو أنهم فوجئوا فعلاً بأن الكثير من التونسيين يدعمون حزباً إسلامياً.
علاوة على ذلك، فإن شعبية حزب النهضة والتزامه بإنهاء عقود من التفاوت الإقليمي قد يهدد الامتيازات التي تمتعت بها هذه الفئة في ظل النظام السابق.
هذا، وتكفي زيارة لمقر الحزب لإلقاء بعض الضوء على أسباب شعبية حزب النهضة. فيفيض الطابق الأول بشعور ودي مصدره الشباب والمتطوعون العاملون في الحملة.
وبالتجول في المقر ترى النساء يرتدين أشكالاً مختلفة من الحجاب، في حين يرتدي الرجال الملابس غير الرسمية، وهم يخالطون الزوار بحرية ويتداولون النكات والأحاديث الودية باللهجة التونسية. هذه الضيافة ليست مستغربة فهي تضرب بجذورها عميقاً في المجتمع التونسي.
أما المناخ السائد في مقر المنافس الرئيسي لحزب النهضة، وهو الحزب الديمقراطي التقدمي، فيختلف بشكل ملحوظ. فأعضاء الحزب الديمقراطي التقدمي مهذبون ويحسنون مخاطبة الزائر، ولكن الجو العام تقليدي أكثر منه عائلي، ويتسم بالتوجه الغربي وجو شركات الأعمال.
وتعيد ملصقات حملته الانتخابية التي تحمل وجوه قادته إلى الأذهان أسلوب الحملات السياسية الغربية، أو الرسمية، أو ربما الطابع الغربي للنظام السابق.
يذكر ان الحزب الديمقراطي التقدمي لم يحظر في عهد بن علي، لكن أعضاءه تعرضوا للمضايقة والقمع.
على رغم ذلك، استمر الحزب الديمقراطي التقدمي في النضال على أساس كونهم الخليفة غير الرسمي للحزب الحاكم السابق «التجمع الدستوري الديمقراطي». ومن المتوقع أن تتواجد قاعدتهم الانتخابية في المدن الساحلية التي حققت أكبر استفادة من الحكومة القديمة.
وفي حين يسعى مناهضو الحزب الديمقراطي التقدمي لوسمه بأنه قريب جداً من فساد ونخبوية النظام السابق، فإن أعداء حزب النهضة يتهمون اعتداله المعلن بأنه مجرد واجهة، وبأنه إذا انتخب سيحاول تحويل تونس إلى دولة دينية مشابهة لإيران أو السعودية.
في هذا الصدد، تفصح الطالبة نجمة كوسري التي تبلع من العمر 20 عاماً وتدرس القانون وتعيش في تونس، عن بعض المخاوف الشائعة بشأن حزب النهضة.
فتنوي نجمة، الناشطة في الحركة النسوية التقدمية، للتصويت لحزب يساري صغير، وتقر بأن حزب النهضة له أتباع كثيرون منذ فترة طويلة في تونس.
وتقول نجمة لوكالة إنتر بريس سيرفس: «لا يمكن اعتبار أن حزب النهضة يمثل تهديداً مباشراً لعملية التحول الديمقراطي في تونس... فالخطر الحقيقي هو بقايا النظام الدكتاتوري القديم». وتضيف أن «الحزب له وجهان، ويمكن أن يشكل تهديداً في المدى الطويل».
ويعتبر حزب النهضة مثل هذه الاتهامات غير عادلة. فيقول عضو المكتب السياسي لحزب النهضة فيجاني سيد، لوكالة إنتر بريس سيرفس: «يتوجب علينا حماية الغالبية وحماية الأقلية، سواء كانوا مؤمنين أو غير مؤمنين».
ويضيف: «بينما يرجع التونسيون الفضل، في كثير من الأحيان، لحزب النهضة لإنهائه الحظر المفروض على الحجاب، إلا أن الحزب لا ينوي جعل الحجاب إلزامياً... اعتدال الحزب هو سبب نجاحه. وعنصر التدين يمكن أن يكون عنصرا للشعبية».
في الواقع، على رغم الضجة التي أثارها صعود حزب النهضة، مقارنة بالحزب الديمقراطي التقدمي العلماني، فإن برنامجهما المقترح يتضمن أوجه تشابه أكثر من أوجه الاختلافات.
ومن الناحية الاقتصادية، يتبني كلاهما ما يسميه فيجاني سيد «اقتصاد السوق الاجتماعي»، ويعتزم تطوير البنية التحتية في غرب البلاد المضطرب من أجل تشجيع الاستثمار وخلق فرص العمل. كما يؤكد كلا الحزبين أهمية إنشاء مؤسسات ديمقراطية مستدامة تتسم بالشفافية.
ويقر فيجاني سيد بأن الانتخابات ليست سباقاً للبرامج الانتخابية بقدر ما تتعلق بالسمعة والتوقعات. وقد تكون بعض الاختلافات واضحة، وقد تتعلق بعض الأمور بالوفاء بالتوقعات والوعود... وإلى أي مدى تستطيع الأحزاب أن تفي بوعودها للشعب، وإلى أي مدى يستحقون ثقته.
كثير من التونسيين يحترمون دور حزب النهضة في معارضة الدكتاتور السابق على مدى عقود طويلة. «كنا القوة الرئيسية التي وقفت ضد بن علي... لقد دفعنا الثمن الأكبر»، كما يقول فيجاني.
وأخيراً، ففي حين لا تفصل سياسات حزب النهضة بينهما بالضرورة، إلا أن ذكره العلني للقرآن والتمسك بالقيم التقليدية يجذب تيار المحافظين الذي يمر عبر المجتمع التونسي.
أما بالنسبة للتونسيين الأكثر علمانية الذين ينفرون من خطاب حزب النهضة ويخافون من تزايد اتجاهه الراديكالي بمجرد الوصول إلى السلطة، فيقول فيجاني سيد «لابد لهم من الانتظار... يجب حمايتهم، وينبغي احترامهم»
إقرأ أيضا لـ "انتير برس سيرفس"العدد 3331 - الخميس 20 أكتوبر 2011م الموافق 22 ذي القعدة 1432هـ
تعليق
هذا الفوز الكبير للإسلاميين بتونس يدل دلالة قاطعة على أنهم شكلوا العمود الفقري للثورة التي أطاحت بالجنرال بنعلي في 14 يناير من السنة الجارية الى ذلك دعا زعيم حزب النهضة الاسلامية راشد الغنوشي في مؤتمر صحفي لتشكيل حكومة وحدة وطنية.