العدد 3330 - الأربعاء 19 أكتوبر 2011م الموافق 21 ذي القعدة 1432هـ

علاقة الأصول بالفروع في مجلس التعاون

علي محمد فخرو comments [at] alwasatnews.com

مفكر بحريني

دعيت لحضور المؤتمر الأول لوزراء النقل والسكك الحديد في دول مجلس التعاون الخليجي. موضوع المؤتمر هو النظر في ربط دول المجلس بشبكة مواصلات حديثة، بما فيها إنشاء شبكة سكك حديد لأول مرة.

انصبت مداخلتي على التذكير بأن المشاريع الاقتصادية الاجتماعية الفرعية من مثل مشاريع المواصلات لا تنجح بالمستوى المطلوب ولا تستمر في الزمن، بل وقد تتعثر وتتساقط، إن لم ترتبط بنظرات من قبل القادة والحكومات في الأصول وفي الجذور. وفي اعتقادي أن أهم تلك الأصول الاقتصادية المتعلقة بمجلس التعاون هي الآتية:

1) استيعاب جانب الزمن بالنسبة لحقبة الثروة النفطية. فهذه حقبة لن تمتد لأكثر من بضع عشرات من العقود. ولأنها كذلك نحتاج إلى التعامل مع عائداتها المالية كفرصة تاريخية إن ضاعت فإنها لن تعود.

2) إن استعمالات تلك العوائد حالياً تتجه لبناء اقتصاد استهلاكي عبثي نهم، يستهلك ما ينتجه الغير ويتجنب بناء القدرات الذاتية لممارسة اقتصاد إنتاجي، وفي أغلب الأحوال يبني اقتصاد خدمات ترفيهية هامشية للبهرجة والتفاخر، ويمارس أخطر وأفجع المضاربات في ثروتي العقار والأسهم اللتين بدورهما لا ترتبطان بمنطق الإنتاج أو الأرباح غير الوهمية.

3) وتزداد الصورة الاقتصادية قتامةً عندما نتردد أو نخطو ببطء شديد في ولوج اقتصاد المعرفة الذي تتسابق دول العالم للإبداع فيه.

وحتى لو ادعت بعض الخطط التنموية لبعض دول المجلس من أنها تسعى لبناء اقتصاد المعرفة، فإن إحجامها عن إجراء تغييرات جذرية في حقلي التربية والتعليم والبحوث ينبئ بفشل تلك الخطط. فالانتقال إلى اقتصاد المعرفة، الذي يتميز بإنتاجٍ علمي وفكري وتكنولوجي ذاتي تراكمي تنافسي على مستوى العالم، لا يمكن أن يتم بكفاءة عالية إلا إذا صاحبه تعليم إبداعي تحليلي نقدي، من مرحلة الروضة إلى الجامعة؛ وإلا إذا صاحبه بشكلٍ متوازٍ وجود مراكز بحثية، في الجامعات وخارجها، تتميز بالحرية الأكاديمية وبالاستقلالية الإدارية والمالية؛ وإلا إذا وجد ارتباط محكم بين نتائج التعليم والتدريب والبحوث من جهة وبين حاجات وممارسات مؤسسات المجتمع العامة والخاصة من جهة أخرى.

4) لقد قاد توفر الموارد المالية الضخمة، في دول قليلة السكان ومتخلفةٍ في كثير من الأمور، إلى استيراد عمالة متنامية العدد من الخارج. مثلاً، لقد زاد عدد الوافدين العاملين في القطاعين العام والخاص من مليون عامل سنة 1975 إلى أكثر من أحد عشر مليوناً سنة 2008. وكان ذلك مقبولاً لو صاحبته حركة تهيئة علمية ومسلكية كبيرة لإحلال المواطنين محل الوافدين، ولو كانت أغلبية الوافدين من العرب الذين ينتمون لغة وثقافةً وديناً لمجتمعات الخليج.

إن العكس قد حدث، إذ إن نسبة العرب من العمالة الوافدة الإجمالية كانت 72 في المئة في العام 1975، بينما انخفضت إلى 32 في المئة بحلول العام 2008. لكن المشكلة السكانية تضاعفت عندما بدأ المتنفذون وأصحاب المال يبنون مجمعات سكنية هائلة الحجم من أجل بيعها للأجانب، مع إعطائهم الحق في الإقامة لعشرات السنين. ويستطيع الإنسان تصور حجم تلك الكارثة عندما يتكاثر ساكنو المجمعات بعائلات وأولاد وأقارب سيجعلهم يكونون أغلبية سكان دول مجلس التعاون، أغلبية لا تتكلم العربية ولا تنتمي ثقافة وهوية وديناً إلى مجتمعات مجلس التعاون.

5) ومما يزيد الأمر سوءاً أن فوائض البترول والغاز تستثمر في خارج الأرض العربية لتنمية اقتصاد الآخرين. ففي العشر سنوات الماضية بلغت الاستثمارات في الوطن العربي نحو ثمانين ملايين من الدولارات بمقابل استثمارات وأرصدة عربية وصلت إلى ألفي مليار دولار، ذهب معظمها إلى أوروبا والولايات المتحدة.

هذه القضايا، وغيرها كثير، ستؤثر على كل نشاط اقتصادي فرعي بصور مختلفة، بعضها بالغ السلبية والمساهمة في التعثر. ومع ذلك، وعلى رغم تلك التحفظات، هناك جانبان ينبغي أن يأخذهما أصحاب الشأن بالنسبة لشبكة السكك الحديد: الجانب الأول يتعلق بضرورة احتساب إنجاز ذلك المشروع في دول مجلس التعاون كمرحلة أولى تتبعها خطوة امتداد المشروع عبر الوطن العربي كله، من الدوحة في قطر إلى تطوان في المغرب. هذه الخطوة يمكن أن تكون مساهمة دول المجلس للتنمية الاقتصادية – الاجتماعية في الوطن العربي، وخصوصاً أن زوال الأنظمة الدكتاتورية التي كانت ترزح تحت نزوات فرد واحد يغلق بها الحدود ويوقف انسياب العربات قد ولت أو في طريقها إلى الزوال. عند ذاك سيتعامل المشروع مع أنظمة تحكمها الاتفاقيات والقوانين.

أما الجانب الثاني فهو أن يكون هذا المشروع، لا مناسبة لإغناء شركات التصنيع الأجنبية فقط وإنما أيضاً لجعله فرصة لقيام مشروع صناعة وخدمات نقل عربية مشتركة توطّن تكنولوجيا هذه الصناعة التي فيها جوانب بالغة الحداثة.

إن مجلس التعاون يحتاج لبناء فكر اقتصادي ذاتي منفتح على قلب فرصة ثروة البترول التاريخية لجعلها في خدمة مستقبله ومستقبل وطنه العربي الكبير

إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"

العدد 3330 - الأربعاء 19 أكتوبر 2011م الموافق 21 ذي القعدة 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 6:30 ص

      اكيد عارف

      تعرف لماذا الدول العربية تستثمر اموالها في الخارج لوجود النسبة العالية في الفائدة وان معك هذا ليس مبرر لاكن تعرف المبرر الاخر وهو الامان الذي نفنقدة عندنا والذي انت واحد من من يشعلون نارها

    • زائر 5 | 5:57 ص

      تعددت الأسباب والنهاية واحدة!

      لا يخفى على أحد بأن التجارة ورأس المال با يشكلان كل الاقتصاد. فأين الاقتصاد؟ الاقتصاد المؤسس على الإنتاج وليس بالاستهلاك ينمو ، فأين البنية التحتية لهذا الاقتصاد ؟؟

      ولا ننسى ان نمو رأس المال لا يعني النمو الاقتصادي بل مؤشر على أن هناك خلل في التوازن الطبيعى الذي نتج عنه رأس المال. والمشكلة اليوم التي ظهرت في مطلع هذا القرن تشير إلى أزمة نقد .. ومتى ما ظهرت أزمة أشار ذلك إلى تحول جذري لا مفر منه..

    • زائر 4 | 1:39 ص

      ثروات بلادنا للشركات الاجنبية

      نلاحظ ان الشركات الكبرى في الدول العظمى تتسابق على شفط اموال النفط فكلما احست تلك الشركات بوجود فائض في احد الدول بادرت بطرح مشاريع لسحب هذه الاموال بمشاريع تابعة وغير مستقلة بحيث لا تتمكن دولنا من الاستقلال في اي مشروع نبقى تابعين لهم على الدوام

    • زائر 3 | 1:14 ص

      بني اقتصاد خدمات ترفيهية هامشية للبهرجة والتفاخر

      صح إلسانك دكتور بالمواطن الخليجي دفع الثمن غاليا جدا ومن ما دفع:
      1 - تدمير البيئتين البحرية والزراعية.
      2 - ارتفاع سعر العقار في الخليج فوق امكانيات المواطن.
      3- تملك الاجنبي ومنافسته للمواطن الفقير.
      4- أمتلاك معظم الاراضي لافراد محددين وحرمان معظم الشعب الخليجي منها.
      وفعلا لو بني اقتصاد المعرفة حسبما وصفت يا دكتور لاستفادة كل المواطنين من جميع النواحي ومنها: زيادة العلم وكثرة فرص العمل وضمان مستقبل آمن للاجيال.

    • زائر 2 | 12:42 ص

      دكتور انت تستاهل اكثر من سفير او وزير

      دكتور فكرك النير في اكثر من مجال يأهلك لان تكون جوكر تسد النقص اينما كان اما عن الثروه التى لم تستغل بشكل مدروس فهذا كارثه ان صح التعبير ترى العالم اتجه للنفط ليس لان الفحم نضب ما زال موجود ولاكن اكتشف النفط واخذ مكانه ماذا لو اكتشف ما هو اسهل و احسن من النفط وهذا وارد شنسوي بنفطنا حدنا نحتاجه كاز لتنور الخباز ولفناره وانا دكتور اشتغل على تلغيم جمل فور ويل من الحين حق طلعت البر لحقبة ما بعد النفط

    • زائر 1 | 12:38 ص

      من المستفيد ؟

      هذه المشاريع لا يستفيد منها إلا :-

      1- المستثمرين و هم معروفون .
      2- الأيدى العامله الوافده .
      3- الخبراء الأجانب .
      و بجانب أخر المواطن تعتبر فى هذه المشاريع المستهلك لا غير .

اقرأ ايضاً