تحدَّثنا في الفصل السابق عن الغول، وفي التراث العربي هناك اسم آخر ملازم لاسم الغول وهو السعلاة التي وصفت أحياناً أنها أنثى الغول. في الواقع تحوَّل اسم السعلاة إلى اسم ظاهري يمكن استبدال وصفه بعدَّة صفات وأحياناً يتم اقتباس صفات حيوان أسطوري من ثقافة معينة وإعطاؤها اسم السعلاة. وعلى مدى العصور حدثت تغيرات على صورة الاسم الظاهري وكذلك الصفات المميزة لهذا الكائن الأسطوري؛ إلا أن هناك ميزات بقيت لم تتغير منها، أن السعلاة أنثى فتغير اسمها إلى سعلوة وسلعوة والبعض اخترع لها ذكر واسماه «السعلو».
السعلوي والسعلوة
الاسم المشهور للسعلاة عند العامة في الخليج العربي هو السعلوة وهي أنثى والبعض اخترع اسم مذكر هو السعلو إلى جانب السعلوة، أما في البحرين فلا توجد سعلاة أنثى؛ بل أشتهر ذكر السعلاة فقط ويسمى «السعلوي» ويلفظ «لسعلوي» ويلفظ أحياناً «أسْعلوي». جاء في معجم ألفاظ الإمارات لفالح حنظل: «السعْلُو: ويقولون في باب الشتيمة «خَس الله وجهك، يا وجه السِعْلو». ويذكر القناعي في «تاريخ الكويت»: «إنه بصفة عبد نوبي طويل، وله أنياب طويلة، يختطف الاولاد الصغار ويأكلهم، وقد جرى سنة 1327هـ عند السواد الأعظم فزع شديد من هذا السعلو، وسببه أنه غرق ولد في البحر ولم يره أحد، فشاع أن السعلو أكله. في أساطير أهل بغداد، أن السعلوة كانت تظهر في أزقة بغداد بعد العشاء، وقد ارتدت ملابس النساء، وغطت نفسها بالعباءة، فإذا شاهدت رجلاً أشارت له أن يلحقها، فإذا لحقها، أخذته إلى مكان منزوِ وافترسته. وقيل إن رجلاً اسمه حسين النمنم، وكان صياد سمك في نهر دجلة، اختطفته السعلوة وأخفته في غار يقع على النهر شمالي مدينة بغداد، وعاشرته معاشرة الأزواج فرزقت منه بولدين، وبعد ثلاث سنين تمكن حسين النمنم من الهرب من الغار والعودة لأهله، فشاهدوا جسمه وقد أصبح كتلة لحمية مترجرجة لشدة الضعف الذي أصابه. فوصف لهم السعلوة بأنها تشبه حيوان الغوريلا».
وفي الإمارات العربية وصف السعلو أو السعلوة على أنها مخلوق أشبه ما يكون بالمرأة، من حيث التفاصيل الجسمانية لذا فإن من يشاهدها من دبرها فإنه يصدق بأنها امرأة حقيقية وهي تتثنى وتتمايل كالأنثى البشرية. وهناك من يربط شخصية أم الدويس بالسعلوة ويبدو هذا الزعم منطقياً فقد تكون أم الدويس كنية للسعلوة وهناك من الصفات المزعومة للسعلوة التي ربما تأهلها لهذه الكنية. وأم الدويس هي شخصية أسطورية في دولة الإمارات العربية وزعم البعض أنها هي السعلوة وهي تتحول إلى امرأة جميلة رائحتها زكية طيبة، وعليه فالسعلوة تقوم بقتل ضحيتها بطريقتين بحسب الهيئة التي هي عليها، فإذا كانت بهيئة أم الدويس فإنها تقتل ضحيتها بالمنجل الذي بحوزتها، وإذا كانت بصورة السعلوة فإنها تقتله بطريقة أخرى فيها كثير من الفتك والتشويه.
صفات السعلوة الأسطورية
هناك عديد من الصفات التي أعطيت للسعلوة وقد قام جمال السامرائي (السامرائي 2005) بجمع أشهر تلك الصفات في بحثه عن السعلوة: «ويمكن حصراً أن نحدد ماهية (السعلوة) الخارجية وتكوينها النفسي من خلال دراسة الحكايات المتناقلة ونجد بذلك أنها حيوان، لها القابلية على مسخ نفسها فقط أثناء حصارها من قبل الذئب، ترعد وتسخر الرياح لها، لها قرون من خشب (في الحكايات الموصلية فقط)، عارية الجسم، كثيفة الشعر، تشبه العنزة في شكلها الخارجي وأكبر منها بثلاث مرات، سوداء اللون، قوية جداً وتأكل اللحم البشري، تمشط شعرها نهاراً، تشحذ أسنانها ليلاً، تسكن المغاور، وأن بيتها متكون من عدة طوابق تخفي في كل طابق جزءًا من حاجتها وتسكن هي في الطابق الأسفل مع أولادها، عيناها مدورتان حمراوتان، أرجلها مصنوعة من الرقع، تحوم حول السواحل لتخطف الرجال للزواج بها، لها أنف أحمر وفم واسع وأسنان طويلة وشفاه عريضة، تكون مستأنسة في بعض الأحيان وتساعد الناس تحب الإطراء بـ (جمالها) و(نظافتها) تموت كأي كائن حي».
أصل السعلوة
أما أصل السعلوي أو السعلو أو السعلوة فهي السعلاة التي وردت في الكتب والمعاجم العربية وجاء عنها في معجم «تاج العروس»: «السِّعْلاَةُ، والسِّعْلاءُ، بِكَسْرِهِما: الغُولُ، أو سَاحِرَةُ الْجِنّ، وقيلَ: السِّعْلاَةُ أَخْبَثُ الْغِيلاَنِ، ج: السَّعَالَى. وفي الحَدِيثِ: لا صَفَرَ، ولاَ هَامَةَ، ولا غُولَ، ولكن السَّعَالَى، قيلَ: هُمْ سَحَرَةُ الجِنِّ، يَعْنِي أَنَّ الغُولَ لا تَقْدِرُ أن تَغُولَ أَحداً أو تُضِلَّهُ، ولكن في الْجِنِّ سَحَرَةٌ كسَحَرَةِ الإِنسِ، لَهُمْ تَلْبِيسٌ وتَخْيِيلٌ، وقد ذَكَرَها العَرَبُ في شِعْرِها، قالَ الأَعْشَى:
ونِساءٍ كأَنَّهُنَّ السّعالِي
قال أبو حاتِمٍ: يُرِيدُ في سُوءِ حَالِهِنَّ حِينَ أُسِرْنَ، وقالَ أُمَيَّةُ الهُذَلِيُّ:
وَيأْوِي إِلى نِسْوَةٍ عُطِّلٍ وشُعْثٍ مَرَاضِيعَ مِثْلِ السَّعَالِي
وقالَ بعضُ العَرَبِ: لَمْ تَصِفِ العَرَبُ بالٍسِّعْلاَةِ إِلاَّ الْعَجائِزَ والخَيْلَ، ويُقالُ: أَعُوذُ باللهِ مِنْ هذه السَّعَالِي، أي النِّساءُ الصَّخَابَاتُ، وهوَ مَجازٌ. ومِنَ المَجازِ: اسْتَسْعَلَتِ الْمَرْأَةُ: أي صَارَتْ كَهِيَ في الخُبْثِ، والسَّلاَطَةِ، وفي العُبابِ: أي صَخّاَبَةً بَذِيَّةً، وقالَ أبو عَدْنَانَ إِذا كانت المَرْأَةُ قَبِيحَةَ الْوَجْهِ، سَيِّئَةَ الخُلُقِ، شُبِّهَتْ بِالسِّعْلاَةِ».
وقد حقق أمين معلوف في كتابه «معجم الحيوان» اسم السعلاة وخصه بنوع من القرود شبيه بالإنسان مسكنه الغياض في جزر الزابج أي سومطرة وبورينيو واسمه الانجليزي Orang-utan واسمه العلمي Pongo pygmaeus.
السعلاة وليليث
قد تكون العرب أطلقت اسم السعلاة على نوع من القرود، إلا أن اسم السعلاة تحول إلى اسم أسطوري واستبدل محتواه بمحتوى أسطوري مقتبس من حضارات قديمه، ويرجِّح جمال السامرائي (السامرائي 2005) في بحثه أن السعلاة الأسطورية مساوية لأسطورة ليليث البابلية وهو يقارن ما بين صفات ليليث والسعلاة أو السعلوة يبدأ بصفات ليليث:
«إن (ليليث) كلمة بابلية ـ آشورية بمعنى أنثى العفريت، إنها تسكن الأماكن المهجورة، تحول هذا اللفظ بعد ذلك من ليليث إلى ليل وهي ما أصبحت تظهر ليلاً وعرفت بالجنية ليل، تسكن الأماكن الخربة وموارد المياه وتظهر كخارقة ليلية يغطي الشعر كل جسدها العاري)، لم يعرف شكل وطبيعة (ليليث) سوى أنها كانت سبباً لجلب الشؤم»
بعد ذلك يذكر صفات السعلاة المشابهة لليليث: «تطابق الجنس فـ (ليليث) أنثى و(السعلاة) أنثى، تطابق فكرة الشر في داخل كل منهما، تطابق أسلوب الحياة ... في الأماكن المهجورة، تطابق كيفية اقتناص (الضحية) عن طريق القتل ومص الدماء بعدئذٍ، وهو ما سُميَ بـ (الدامية) في التراث الموصلي في العهود المتأخرة».
بعدها يصوغ السامرائي فرضية تحول ليليث إلى السعلاة: «انتقلت فكرة ليليث بعدئذ إلى التراث العبري والإغريقي وبالمضمون نفسه ولكن بأسماء مختلفة. ومما جاء نستنتج أن حضارة وادي الرافدين كانت الأساس في تكوين هذه الشخصيات الواردة ضمن تراثها الغزير، هذا التراث الذي أكدَ دوماً العلم والمنطق إلى جانب المفاهيم الخارقة وصولاً إلى الشيء المحرك للكون وإيجاد الآلهات المتخصصات، وعليه فإن الأساطير المتناقلة تؤكد أن ليليث كانت (تغوي الرجال النائمين وتضاجعهم وبعد ذلك تقتلهم بمص دمائهم ونهش أجسادهم)، ولعل هذا أول تصور عن (السعلوة)، فهذا التصور الخرافي والذي تجسد في قصص وحكايات وأساطير الشعوب كان بالأصل ضمن الموروث الميثولوجي في العراق القديم وبالتالي انتقلت هذه الفكرة إلى حضارات العالم ومن ثم ابتعدت عن محتواها وجوهرها الأصلي وسميت بعدئذ بالسعلاة»
العدد 3330 - الأربعاء 19 أكتوبر 2011م الموافق 21 ذي القعدة 1432هـ
خوف
اسم الله علي وعلى دمي ودسمي