حتى لا يذهب بنا الحديث بعيداً ونحن نعرض لجزء بسيط من تاريخ هذه القلعة الصامدة، لابد من التعريف بها بشكل مبسط. قلعة البحرين تقع على شاطئ البحر في الجهة الشمالية من جزيرة البحرين الأم، وهي محصور بين قريتي كرباباد وكرانة من الشرق كما كانت تمتد إلى قرب قرية حلة العبدالصالح من الجنوب والغرب في فترات كثيرة. هذا الموقع الذي يمتد على مساحة 17:5 هكتارا، يشكل المركز الرئيس لحضارة «دلمون» حول هضبة القلعة. ويحيط بتلك الهضبة سور المدينة الضخم ويضم: قلعة البحرين، القصر الإسلامي، المدن الدلمونية، وميناء دلمون الرئيس. وتؤكد الحفريات الأثرية أن هذه المنطقة كانت آهلة بالسكان دون انقطاع خلال الفترة الواقعة بين 2300 حتى القرن 18 ق.م.

وتؤكد الشواهد الأثرية أيضاً، أن هناك أكثر من قلعة، على مر تاريخ البحرين، بُنيت في موقع قلعة البحرين الحالية أو ليس بعيداً عنها سواء في عهد تايلوس أو عهود أخرى. وربما كان الحصن القديم الذي ذكرنا أنه أقيم في الموقع نفسه عند ساحل «كرانة» ولم يوثق تاريخ بنائه؛ هو أيضاً من بقايا أساسات تلك القلاع في زمن الحضارات البحرينية السابقة. وقد استخدم «الساسانيون» ذلك الحصن الصغير المطل على البحر أثناء سيطرتهم على منطقة الخليج في الفترة ما بين 226 و640 م.

وعموماً، فقد أهُمل ذلك الحصن لمدة طويلة بسبب فترات الفوضى السياسية والعسكرية التي عمت العالم الإسلامي في عهود الدولتين الأموية والعباسية، حتى جاء زمن سيطرة مملكة هُرمز الخليجية على الجزء الجنوبي الغربي من الخليج في المنطقة العربية بين جزر البحرين وساحل عُمان الجنوبي. حينها قررت هُرمز إعادة بناء ذلك الحصن ليصبح قلعة شامخة بسبب موقعه الاستراتيجي في شمال البحرين. وكان ذلك في نهاية القرن 14 للميلاد تقريباً، كما حدث مع بقية القلاع الهُرمزية في بقية السواحل العربية المقابلة لها والتابعة للمملكة الغنية آنذاك. وخلال العصرين الهرمزي والبرتغالي، بين القرنين 15 - 17 للميلاد، استغل البرتغاليون الأساسات القديمة للقلاع والحصون والمعابد والأبنية للحضارات السابقة لإعادة بناء أو ترميم القلعة الجديدة والتوسع في أبنيتها وتوسعة الخندق المحيط بها ليصل إلى عمق تسعة أمتار. ولهذا كانت قلعة البحرين أهم عامل ساعد في توطيد السيطرة البرتغالية على الجزر منذ العام 1521 حتى العام 1602 حين سقطت الجزر نهائياً في يد الشاه عباس الأول.

وقد سطرت قلعة البحرين خلال تلك المراحل حكايات كثيرة في سجل مواجهة أعداء الجزر التي تأبى الاستكانة والاستسلام لأي غزو خارجي يقصد السيطرة عليها أو إذلال شعبها عنوة. وما حدث مع حملة وزير هُرمز القوي آنذاك المدعو (خواجة عطاء أو عطار) العام 1511 لغزو البحرين وهي تحت سيطرة الجبور، خير مثال على قوة وصلابة القلعة وأهلها في التصدي لأي عدو مهما كان ومن أين جاء. ومع النجاح المؤقت لتلك الحملة، إلا أن صمود القلعة والأهالي خيب آمال الهرامزة ودمر أحلامهم في استعادة السيطرة على جزر البحرين.

وكان الجنرال «مُناخ» المحيط بالجزر وقلعتها، والذي نشتكي منه دائماً، يساهم بشكل فعال هو الآخر مع شعب الجزر في درء الخطر عنها. وهذا ما حدث لحملة «بيدرو دي البوكيرك» البرتغالية الاستطلاعية على الجزر العام 1514 بأمر من عمه القائد الشرس «أفونسو دي البوكيرك»، الذي طالما كتب لسيده «إمانويل الأول»، القابع في العاصمة (لشبونة) بأوروبا، عن البحرين وشهرة لؤلؤها. الذي أسال لعاب البرتغاليين بمجرد أن سمعوا عنه عندما سألوا ملك هرمز عن مسبحة في يده من أين جاء بلؤلئها البراق؟ فقال: من بحر جزر البحرين. وكذلك حملات البرتغاليين على البحرين لأسباب متعددة في 1520، 1521، 1529، 1602، 1603، 1605، 1609، أو حملات العثمانيين عليها أعوام 1552، 1553، 1559 بين النجاح المؤقت والفشل الدائم. كان الهدف الأول والأخير لكل الطغاة والغزاة تجاه الجزر البحرينية وشعبها، هو السلب والنهب لا غير. لما تشكله البحرين من مصدر خير لأولئك القادمين من وراء البحر وعيونهم تقدح شرراً ولسانهم يلهث عطشاً ولعابهم يسيل على أفواههم ليُفصح عما يجيش في صدورهم ضد هذه الأرض وناسها.

وقد تسبب توسع الجبور من الأحساء نحو سواحل الخليج ومصائد اللؤلؤ، في بدء صراع مرير بين حكام هُرمز والجبور، وذلك بسبب التماس الشديد في الحدود بين القوتين الجبرية والهرمزية، وخصوصاً أن الملك الهُرمزي سيف الدين مهيار وصف، العام 1435م، بأنه صاحب هرمز والبحرين بل وأنه كان يبعث بالحكام إلى كل من القطيف والبحرين لحكمهما بشكل مباشر.

وهناك حكاية طويلة لا مجال هنا لسردها عن مساعدة السلطان أجود بن زامل الجبري لسلغور ملك هُرمز في وصوله لعرش المملكة الهرمزية خلال صراعه ضد إخوته، وأن أجود أصبح بعد مساعدته لسلغور «سلطان البحرين والقطيف والأحساء ورئيس أهل نجد»، ما أثار حفيظة سلغور الذي يبدو أنه قد ندم على تفريطه بالبحرين والقطيف مقابل عودته للسلطة في هرمز بمساعدة الجبور.

وهذا ما تؤكده الحملات الهرمزية التي قام بها سلغور ضد البحرين تحت سيطرة الجبور بقيادة وزيره نورالدين الفالي وابنه توران شاه الثالث أو بقيادته هو نفسه لتشديد الضغط على الجبور. لكن كل تلك الحملات فشلت في إعادة سيطرة الهرامزة على البحرين بسبب صمود قلعة البحرين وشعبها.

ولذا فقد تم العام 1485 عقد اتفاق بين أجود بن زامل وسلغور شاه على البحرين قضى بأن تبقى البحرين والقطيف تحت سيطرة الجبور السياسية، على أن يتم دفع مبلغ سنوي كضرائب من البحرين للخزينة الهرمزية. فكان المبلغ، وهو 5000 اشرفي ذهبي، يشكل نوعاً من التبعية الاقتصادية من البحرين لهُرمز ضمن منظومة مملكة هرمز الكبرى في الخليج.

وما ان حل الغزاة البرتغاليون على سطح مياه الخليج الزرقاء منذ العام 1507، حتى بدأت مطامعهم تتشكل تجاه البحرين مستمدة أصولها وتداعياتها من المطامع الهُرمزية السابقة نفسها. وكانت حملة جوميز دي سوتو مايور Gomes de Sautomaior في صيف العام 1520، ضد جزر البحرين، تنفيذاً لتلك المطامع على أرض الواقع. ورغم أن الحملة ضمت 120 جنديا برتغاليا و1200 مقاتلا هُرمزيا وبعض المدافع البرتغالية؛ فإن صمود قلعة البحرين والجنرال مُناخ المساعد الرئيس لها؛ أفشل تلك الحملة ولم يستطع القائد البرتغالي سوى التقدم بضع خطوات قرب قرية البلاد القديم ومسجدها، كما تذكر الوثائق البرتغالية بشيء من المبالغة لتبرير الفشل.

أما الصمود العظيم والتاريخي للقلعة والذي من المفترض أن تقام له مناسبة سنوية لتخليده في الذاكرة؛ فهو ذلك الذي تم ما بين شهري يوليو/ تموز وأغسطس / آب من العام 1521... فما هي قصة صمود قلعتنا ضد الغزاة من وراء البحر؟ وأين الشعب البحريني من ذلك الصمود؟... يتبع..