العدد 3328 - الإثنين 17 أكتوبر 2011م الموافق 19 ذي القعدة 1432هـ

الغرور والمكابرة لا يقودان إلى بر الأمان

شوقي العلوي comments [at] alwasatnews.com

.

كتبت في مقالي السابق عن حاجة الوطن إلى مبادرة وطنية شجاعة وجريئة، ربما تساعد هذه المبادرة في إخراجنا جميعاً من المحنة القاسية التي نعيشها في كل لحظة.

بالتأكيد عندما وصفت المبادرة بالجريئة والشجاعة، ذلك يعني أن يتحلى الجميع بالجرأة والشجاعة للقبول بالتنازلات المتبادلة وممارسة النقد الذاتي، بحيث يعلن الكل عن أخطائه من دون مكابرة.

سألني البعض عن العناصر التي تشكل المبادرة الوطنية الشجاعة والجريئة. إن عناصر مبادرة وطنية شجاعة بحجم ما ألم بالوطن من تمزق ومعاناة لا يمكن أن يصوغها فرد أو حتى مجموعة منعزلة عن مجموع مكونات المجتمع، لابد لمثل هذه المبادرة أن تكون ناتجة عن تلاقح الرؤى والأفكار لأوسع مكونات المجتمع، تأخذ بعين الاعتبار مصالح الجميع وتحفظات البعض بعين الاعتبار، إلى حين زوال هذه التحفظات عبر زرع الثقة المتبادلة بين الجميع، التي أصبحت في أدنى مستوياتها، إن لم تكن معدومة.

لابد لنا من أن نكون على قناعة تامة أنه لن يكون هناك منتصر ومهزوم، فإما أن يكون الوطن بمجمله منتصراً وإلا سيكون بمجمله مهزوماً. إن تصور البعض أنه حقق انتصاراً على شركائه في الوطن، ذلك يعني الوهم والجنون. إن التصعيد المجنون من أي طرف كان لن يؤدي بنا إلا إلى الهلاك والدمار وحرق الوطن.

إذا لم نُحكم عقولنا وضمائرنا ووطنيتنا، إذا لم نبتعد عن خطابات التحريض والنفخ والردح والتخوين، إن لم نضع مصلحة الوطن فوق مصلحة طوائفنا وقبائلنا وعوائلنا وأنفسنا، فلن نكون جديرين بوطن آمن مزدهر يجمعنا نبنيه بحبنا له وبحبنا لبعضنا بعضاً، مستعدين للتضحية من أجله، بل علينا أن نكون مستعيدين للتضحية من أجل بعضنا بعضاً.

إن الغرور والمكابرة ورفض التشخيص الحقيقي لأزماتنا الحقيقية من أي طرف كان سواء في السلطة وما حولها أو في المعارضة وما حولها، لن يؤدي بالأطراف إلى التلاقي والخروج بالوطن إلى بر الأمان، وهنا مكمن الخطورة المستمرة والمتفاعلة، والتي تنذر بأخطار بدأت وهي تستكمل خطورتها.

يبدو إننا حتى الآن سائرون إلى نفق مظلم، ولم نتبين نقطة نهاية له بعد، ولا ندري متى سنصل إلى هذه النقطة، التي يمكن لنا أن نرى بعدها النور، ونبدأ معها الخروج من المأزق الوطني الذي لم نرَ له مثيلاً من قبل.

أحد الأسباب الرئيسية وراء استمرار الأزمة وتداعياتها على هذا المنوال هو عدم توحد القوى المعنية في إرادة جادة واضحة المعالم؛ حيث نلمس استمرار سلوك التشدد غير المبرر وتغذية عناصر التحريض بمختلف الأشكال، الذي أنتج وسطاً شعبياً معادياً بحدة لمكونات سياسية واجتماعية في الوطن.

ولا يختلف الحال كثيراً لدى ما يُطلق عليها بقوى المعارضة والمحيطين بها؛ وهنا نجد كذلك هذه القوى وما يحيط بها لا يمتلكون حتى الآن رؤية موحدة واضحة المعالم، يكون لها حظ من نيل التوافق الوطني، ولها من عناصر القوة والإقناع لدى أوسع القطاعات والمكونات في المجتمع، وتتمتع بالقبول للحوار في عناصرها مع السلطة ومع المكونات الأخرى.

إضافة إلى ذلك نجد أن هناك البعض من المحيطين بالمعارضة أو من البعض الذين يعدون أنفسهم من المعارضة، وهذا البعض لا يمكن الاستهانة به في تأثيراته واتساع قاعدته، هذه الفئة تمتلك خطاباً متشنجاً غير عقلاني، يسيء إلى المطالب المشروعة، التي لا يمكن لعاقل أن يجادل فيها. هذه الخطابات وجدت فيها بعض قوى السلطة وبعض المحيطين بها فرصتها لأن تنسبها لجميع قوى المعارضة، عبر وضع الجميع في سلة واحدة. إن ما عاب قوى المعارضة ولايزال يعيبها حتى الآن أنها لم تقم وبوضوح تام لا لبس فيه بالتبرؤ من أي فرد أو جماعة أو خطاب متطرف خارج عن البرامج الوطنية المعلنة؛ فالتطرف من أي كان سيخلق تطرفاً مقابلاً له.

نحن بحاجة إلى شجاعة متبادلة من جميع الأطراف، عبر الخروج من الغرور والمكابرة، فالحق والحقيقة يعرفها الجميع

إقرأ أيضا لـ "شوقي العلوي"

العدد 3328 - الإثنين 17 أكتوبر 2011م الموافق 19 ذي القعدة 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً