المسجد، القلعة، البلاد، ثلاثية عجيبة لعبت أدواراً مهمة وصعبة في تاريخ البحرين لابد أن يستفيد الدارس والباحث وبالذات المواطن منها. تلك الثلاثية هي: قلعة البحرين، مسجد الخميس، والبلاد القديم عندما كانت عاصمة البحرين لسنوات طويلة وصلت حتى نهاية القرن الثامن عشر حتى حدوث التغييرات السياسية. وعبر ذاك الخيط الذي ربط هذه الثلاثية التاريخية دارت رحى معظم مفاصل تاريخ الجزر.
حكاية طويلة بعمق تاريخ هذه الأرض التي حباها المولى عز وجل بخيرات وبركات كثيرة، كما أودع فيها أسراراً قدسية لن يتم الكشف عنها للتو ولم يُعرف مغزاها بعد. هي من قبل الميلاد أرض طهور لم يقتل فيها طير أو حيوان، وليس اليوم، فكيف بها بعد أن دخلت الإسلام طواعية بشكل مبكر.
حتى أرض الحجاز، وهي موطن الرسول (ص)، لم تدخل كلها طواعية في الإسلام لولا الغزوات، إلا البحرين. أضف إلى ذلك، أنها أول من قامت بمشروع بحري لنشر الإسلام في الشاطئ الشرقي المقابل لها في الخليج فيما كان يعرف قديماً ببلاد فارس. تم ذلك كما هو معروف على يد أبي العلاء الحضرمي. هي الوحيدة من بين جزر الخليج وشواطئه التي يكثر بها الماء العذب في قاع بحرها الطيب (نحو 200 نبع نقي تسمي الجواجب)، وعلى سطح جزرها (كانت أكثر من 30 عين ماء طبيعية).
وبسبب هذا الماء العذب المحيط ببحرها كان لؤلؤها خير أنواعه الخليجية وأكثره استدارة ونقاءً كقلوب أهلها وطين أرضهم، وأجله تفضيلاً وشراء عند طواويش وتجار اللؤلؤ ليس في الخليج فقط، كما ذكر تاجرا اللؤلؤ منصور العريض من البحرين وهلال المطيري من الكويت ذات مرة؛ بل عند كبار تجار وسماسرة اللؤلؤ في العالم بين الهند والصين كما ذكر المؤرخ البرتغالي (ديوجو دي كوتو - Diogo de Couto) في القرن السادس عشر للميلاد. وفيما بعد عند تجار اللؤلؤ والمجوهرات، كعائلة (كارتير - Cartier)، في فرنسا في القرنين التاسع عشر والعشرين.
كما أنها أول جزر خليجية عربية يكتشف بها النفط حديثاً على يد من يسمى أبوالنفط في الخليج (فرانك هولمز). وليس هنا مجال سرد ومناقشة قضية ثلاثية الحضارة في البحرين أو تلك المنح والأسرار الإلهية التي أودعها المولى عز وجل في باطن أرض وبحر هذه الجزر، والتي ستكون لنا وقفة ذات يوم مع تفاصيلها.
ولكن القضية المحددة هي في أسرار جزء فقط من تلك الثلاثية أي القلعة، التي يُختصر فيها وحولها تاريخ الجزر في موقعها وعناصر حضارتها وقد انطبعت على جدرانها وحبات رمالها كل سجلات المستوطنين أو الغزاة الذين وصلوا لشواطئ الجزر طمعاً في خيراتها طوال التاريخ. قلعة وقفت صامدة مع شقيقها المناخ في حماية بلادنا والدفاع عنها ضد كل الغزاة من خارج بحرها النقي الذي يرفض تدنيس شواطئه من قبل أي غازٍ معتد أثيم.
نعم، هي قلعة البحرين، قلعة الصمود والتحدي طوال التاريخ وصولاً اليوم لتحدي كل معاول الهدم والتنكيل بالحجر بعد البشر، وكل محاولات المفسدين في الأرض لتحويل بيئتها المحيطة بها لكتل من الأسمنت والحجارة تسمى مباني حديثة وأسواقا تجني المال فقط للبعض أصحاب الكروش المنتفخة وليس للحضارة والتراث الإنساني العظيم.
وها هي تدخل ضمن سلسلة التراث العالمي في سجلات اليونسكو لتصبح عصية على معاول الغدر الليلية وجشع الدافنين المتربصين بسواحلها لتحويلها إلى مرتع لجني المال الأصم بلا روح جذور التاريخ والتراث الأصيل، فالمال زائل والأصل باقٍ.
كما وصف هذه القلعة عالم الآثار الدنماركي (بيتر. ف.غلوب - Peter Vilhelm Glob) الذي عمل بها طويلا بحثاً عن أصول حضارة دلمون بقوله، هي: «كتاج على ساحل البحرين الشمالي العامر بأشجار النخيل؛ تقف أنقاض قلعة. ومن أعلى أبراج هذه القلعة ينفتح أمام الناظر منظر بهيج للبحر وللساحل، حيث تحيط بساتين النخل الغناء القلعة من جهات ثلاث. وفي الجهة الرابعة ينفتح البحر كمرآة كبيرة متحركة».
وهناك روايات غير موثقة تحكي أن القلعة كانت عبارة عن حصن متواضع زمن الجاهلية، وكان ذاك الحصن خير حام ومدافع عن الجزر ومن يبغي بها شراً بعد أن دخلت البحرين في الإسلام. والسبب أن الحصن قريب من خور ممتد من البحر إلى داخل الأرض قرب ما يعرف اليوم ببساتين القلعة. ولكن منذ منتصف القرن السادس ق.م. أصبح الاستيطان في محيط القلعة متقطعاً من آن إلى آخر. وللأسف هناك نقص كبير في المعلومات التاريخية والآثارية بشأن القلعة والاستيطان بها منذ تلك الفترة حتى القرن الثاني عشر للميلاد، حيث تم تشييد قصر صغير بقربها جُلبت حجارته من جزيرة جدة.
كما كشفت حفريات البعثات الآثارية الأوروبية من دنماركية وانجليزية وفرنسية التي توالت على البحرين، أن الأبنية التي قامت حول موقع القلعة امتدادها في التاريخ يعود لنحو 5000 آلاف سنة. وعند مجيء البرتغاليين قاموا بترميم للقلعة الأم التي تدهور بناؤها لسنين كثيرة، وقد أتموا ذلك العمل بعد أن أزالوا المستوطنات القديمة حول القلعة ودمروا آثارها وخصوصاً للفترة الإسلامية التي سبقت البرتغاليين بعدة قرون. اقتلعوا من حول القلعة مئات من قطع الصخر التي اكتشفوا - كما يقول غلوب - أنها تحتوي على طابوق صالح للبناء وجاهز للقطع، وحتى الصخور المحيطة بالقلعة في أعماق شاطئ الخليج لم تسلم منهم. وهذا سبب وجود نقوش من حضارة دلمون على بعض قطع بناء القلعة في زمن البرتغاليين. ثم قاموا بترميم وإضافة مباني وأبراج جديدة إليها طوال القرن السادس عشر للميلاد، لتبدو كما هي اليوم. واستخدم البرتغاليون في ذلك نظام السخرة لآلاف من العمال البحرينيين من القرى المحيطة بالقلعة على امتداد الشارع المعروف بالبديع اليوم. إلا أن القلعة والقرى المحيطة بها من كرانة إلى كرباباد، كما تثبت التنقيبات الآثارية، كانت عامرة بأهلها الأوائل حين وصول البرتغاليين إليها. فكيف واجه سكان البحرين في ذلك الزمان هذا الغزو الجديد؟... يتبع..
إقرأ أيضا لـ "محمد حميد السلمان"العدد 3328 - الإثنين 17 أكتوبر 2011م الموافق 19 ذي القعدة 1432هـ
رجعتنه ورى .احب سوالف البحرين قديما
خوش مقال .و حنه نقول ليش البرتغاليين قاعدين من السواحل وقلعه البحرين ووين السكان.ننتظر البقية
كتاباتك شيقة فشكرا لك
بانتظار المزيد لنروي الروح الضمآنة لشربة من تاريخ جزيرتنا الفاضلة الغالية بانتظارك غدا فشكرا لك والتحية