العدد 3328 - الإثنين 17 أكتوبر 2011م الموافق 19 ذي القعدة 1432هـ

احتجاج تونسي واسع على قناة تلفزيونية خاصة

سليم مصطفى بودبوس slim.boudabous [at] alwasatnews.com

-

هبَّت رياح الثورة على المشهد الإعلامي التونسي وطال التغيير برامج القنوات التلفزيونية وغلب عليها الطابع السياسي بحكم حساسية المرحلة وخاصة الاستعداد لانتخابات المجلس الوطني التأسيسي 23 أكتوبر/ تشرين الأول 2011.

لكن لا تخلو البرمجة من الأعمال الدرامية ومن هذه الأعمال ما يكون غير عادي بل ربما استفزازي، ذلك ما رآه المشاهد التونسي والمغاربي والعربي على قناة تلفزيونية تونسية خاصة مساء الجمعة الموافق 7 أكتوبر 2011، نعم لم يكن فيلما دينيا بمناسبة يوم الجمعة المبارك وإنما كان شريطًا كرتونيًا بعنوان «PERSEPOLIS» أو «بلاد فارس»، وهو فيلم فرنسي إيراني لمرجان ساترابي وفانسان بارونو، أخرجته الإيرانية مرجان ساترابي، وكتبت قصته ورسمت صوره المتحركة، وكان قد حصل على جائزة لجنة التحكيم في مهرجان «كان»الدولي 2007 وقد تمّ عرضه مدبلجا باللهجة العامية التونسية وناقشته القناة في إطار حصة دامت ساعة ونصف الساعة.

الفيلم يحكي قصة مرجان ذات الثماني سنوات، تعيش في طهران العام 1978، مدللة مع والديها وتتابع باهتمام الأحداث التي أدت إلى اندلاع الثورة الإيرانية، التي أدت بدورها إلى انهيار نظام الشاه. ومع نجاح الثورة الإيرانية بدأت تتابع أزياء وسلوك حراس الثورة.

وهذه ليست الأولى في تونس بعد الثورة حيث سبقها العمل الفني لنادية الفاني بعنوان «لا الله لا سيدي» ثم الإساءة المباشرة للسيدة عائشة زوجة الرسول «ص» من قبل أحد أعلام الجامعة التونسية في إحدى المحطات الإذاعية. أمّا في هذا الفيلم الكرتوني فقد تجسدت الذات الإلهية أمام البطلة مرجان فخاطبتها بوقاحة ونهرتها «اغرب عن وجهي لا أريد أن أراك». هذا الفيلم الكرتوني أثار حفيظة الشعب التونسي المسلم، الذي رأي فيه تحديا وتجاوزا للحدود المسموح بها، فالمعتقدات يعتبرها المسلمون «خطا أحمر».

إن ما يميز هذا الشريط دون غيره هو التطاول المباشر على الذات الإلهية من جهتين: جهة التجسيد الفني للإله وهو خط نهج عليه الإنتاج الدرامي الإيراني من ذلك تجسيد النبي يوسف عليه السلام والملائكة النورانيين عليهم السلام في المسلسل التاريخي «يوسف الصديق» وبثته أيضا هذه القناة الخاصة. أما التطاول الثاني فما جاء على لسان مرجان في مخاطبة الذات الإلهية (اغرب عن وجهي) فضلا عن التطاول على الأخلاق العامة من خلال الحوار في الممارسة الجنسية بشكل سمج بين البطلة وصديقتها وغيرها من المشاهد...

هذا الاختيار حمّل فيه مدير القناة نبيل القروي المسئولية للموظف المسئول عن خليّة المشاهدة حيث قال: «لم ينوّه في تقريره عن الفيلم انه يتضمن مشهدًا فيه تجسيد للذات الإلهية، الشيء الذي لا أسمح به تمامًا باعتباري مسلمًا يحترم مقدساته الدينية، ولا أسمح لنفسي بمشاهدة لقطة مماثلة مع عائلتي».

لكن بماذا يمكن تفسير بث هذا الفيلم في هذا الوقت بالذات؟ وهل هذا الاختيار بريء يدخل ضمن حرية التعبير متى وأين شئنا، أم هو كما بدا لمعظم التونسيين فيه نيّة مبيّتة من القناة لإثارة مشاعر المسلمين بهذه الأفكار العنيفة؟ وكما لا يخفى على أحد الفكرة العنيفة لا تولد سوى ردود فعل عنيفة إذ ماذا ينتظر أصحاب هذه القناة ومن شاكلهم في الفكرة من مجتمع متجذر في هويته العربية الإسلامية؟ ولماذا لا يريد أن يفهم اللائكيون في تونس أنهم زمرة وأقلية لا تمثل إلا نفسها ولا يمكن أن تكون وصية على حرية التعبير للتونسيين؟

لقد رأى سالم الأبيض، أستاذ في علم الاجتماع، أن ما قامت به هذه القناة التلفزيونية الخاصة ببثها للفيلم الإيراني «لا يخلو من خلفية أيديولوجية تهدف إلى التأثير على مسار الانتخابات هذا في أقل الأحوال إن لم يكن إلغاؤها»، واعتبر أن الفيلم احتوى «تعديا على مقدسات عامة للمسلمين إذ لا يقبلون بتشخيص الذات الإلهية»، ويرى أن القائمين على هذه القناة لم يعرضوا الفيلم من موقع الجهل بتداعياته فبعد الاستبيان الذي قامت به القناة وتقدم خلاله حزب النهضة الإسلامي المعتدل بنسبة أغلبية في الحضور، بثت الفيلم كطريقة لترهيب الناخبين من نموذج المجتمع الإسلامي أو لبث الفتنة كون القائمين على القناة يدركون أيضا أن الفئة السلفية غير منتظمة سياسيا وهي لا تلتزم بما هو متعارف عليه كنوع من العقد الاجتماعي الذي يلزم الأحزاب السياسية الأخرى.

ويضيف الأبيض أن ردة الفعل كان يمكن أن تكون أخف لو بث الفيلم في قاعة سينما ولكن ببثه على فضائية فإن نسبة المشاهدة أكبر تجعل ردة الفعل مسألة مرتقبة.

في حين حلل بعضهم المشهد من وجهة علم النفس فرأى أن الطفل عموما في مرحلة معينة من تطوره الذهني يحتاج إلى شخصنة الأشياء المجردة فمثلا الشجاعة يجسمها في شخصية زورو والحب في شخصية زهرة، والفيلم الإيراني قدم عملية شخصنة بين الطفلة والشكل الذي ترتئيه للإله... وان فصل المشهد عن سياقه يفقد معناه ويصير شبيها بالرسوم الدنماركية»..

لكن وإن اختلفت التحاليل فالتونسي مهما كان طيفه الديني أو السياسي مؤمن ملتزم بحرية التعبير والرأي التي استرجعها بعد الثورة المجيدة في يناير/ كانون الثاني 2011 لكنه يعرف لهذه الحرية حدودا ويرسم لها ضوابط فليست تونس ولن تكون دنمارك العرب يساء فيها للدين وللمقدسات باسم حرية التعبير.

تونس التي عُرِفت بقراءاتها المتفتحة العميقة لتاريخنا ولمرحلة النبوة عبر أعمال يُعتدّ بها في أكبر الجامعات مثل قراءات هشام جعيط وغيره, تونس التي عرفت بانفتاحها على الفكر الإنساني تأبى أن تتحول مرتعا للفتنة السياسية عبر استفزاز المشاعر الدينية.

ولئن رفضت كل الأحزاب السياسية كل أشكال العنف مهما كانت جهته، ومهما كانت طبيعته فإنها دعت إلى التعقل ونبذ العنف وضبط النفس لتفويت الفرصة على المتربصين بالثورة، إذ المسألة الأهمّ والتي يجب الإشارة إليها حتى لا ندخل في قضايا هامشية مثلما دخلنا يومًا في قضايا مثل اللائكية وغيرها، تتمثل في محطة 23 أكتوبر 2011، التي يجب أن نقرّ اليوم بأن هناك من لا يريد بلوغها وخاصة أن عمليتي المحاسبة والمساءلة لم تتم إلى الآن.

تونس الثورة إذاً عصيّة على هؤلاء لأن اختيارهم لزمان بث الفيلم مدروس فهذا الفيلم حصل على الجائزة منذ 2007 فلماذا كل هذا الانتظار، أم ان تشجيعهم للأعمال الناجحة في المهرجانات لا يكون إلا عشية انتخاب المجلس التأسيسي أو هو - كما ذهب العديد من المحللين - بث لفكرة عنيفة لاستدراج البعض للرد بالاحتجاج السلمي ثم زرع المارقين على القوانين بينهم للقيام بأعمال عنف تحسب بعد ذلك على التيارات الإسلامية لمزيد من إحراجها عشية الانتخابات للمجلس التأسيسي؟

هذا سيناريو ممكن جدا. لذلك نقول لهم إن تونس واستحقاقاتها الانتخابية القادمة فوق الجميع وما هذه التصرفات إلا محاولات فاشلة للتشويش على الهدوء والأمن الاجتماعي الذي بدأ يستتب في تونس بعد فترة من الفوضى في الصائفة الماضية

إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"

العدد 3328 - الإثنين 17 أكتوبر 2011م الموافق 19 ذي القعدة 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 8:43 ص

      صراحة التجسيد غير مقبول

      فعلا أنا معك أن تجسيد الأنبياء والملائكة غير معقول فما بالك بتجسيد الله
      أستغفر الله

      شكرا على إثارة الموضوع

    • زائر 3 | 7:39 ص

      قناة خاصة لكن ؟؟

      حتى ولو كانت خاصة أين مراقبة الدولة ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

      والله أخاف تصير تونس نفس النرويج أو الدنمارك

    • زائر 2 | 7:00 ص

      حرية الرأي

      حرية الراي مكفولة لكن في حدود المعقول

    • زائر 1 | 1:21 ص

      حقا هذا هو الواقع:

      هذا سيناريو ممكن جدا. لذلك نقول لهم إن تونس واستحقاقاتها الانتخابية القادمة فوق الجميع وما هذه التصرفات إلا محاولات فاشلة للتشويش على الهدوء والأمن الاجتماعي الذي بدأ يستتب في تونس بعد فترة من الفوضى في الصائفة الماضية


      شكرا على الموضوع

اقرأ ايضاً