العدد 3327 - الأحد 16 أكتوبر 2011م الموافق 18 ذي القعدة 1432هـ

الديمقراطية ليست مومياء محنطة

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

قبل أيام أعلنت حكومة ميانمار (بورما) عن شيء مثير فعلاً. فقد ذكر إعلان رسمي، بأن الرئيس ثين سين وقع عفوًا إنسانيًا عن 6359 سجينا من «المسنين أو المرضى أو المعوقين أو ممن قضوا فترة عقوبتهم مع حسن السير والسلوك»! هذا الإعلان المستفز للمشاعر يُضاف إلى العفو السابق الذي أصدرته ميانمار في مايو/ أيار الماضي والذي أطلِقَ بموجبه 14 ألف سجين بورمي، لم يكن بينهم سوى 47 سجينا سياسيًا فقط، في حين أن هناك أكثر من 2100 سجين سياسي يقبعون في سجون ذلك البلد، لم يُطلق سراحهم.

هذا الإعلان المستخف بمشاعر البورميين، والمخادع للمجتمع الدولي من حكومة يانغون يفتح الباب للنقاش، أمام إجراءات بملامح ديمقراطية وبجوهر دكتاتوري، تلجأ إليها عادة الأنظمة القمعية لتلميع صورتها في الداخل والخارج. فحين يُطلق سراح مُسِن بلغ من العمر عِتياً، والتصَق جلده بعظمه، فأين هو العفو في الموضوع. وحين يُطلق سراح مريض مُشرف على الهلاك، أو مُعوق، ليس في حبسه مُسوّغ فأين الرأفة وأين رعاية حقوق الإنسان في هذه اللفتة؟ وحين يطلق سراح «مَن قضَوا فترة عقوبتهم» مع مشروطية تلازمها مع حُسن السيرة والسلوك في المعتقل لكي يُطلق سراحهم، فأين هو التطور الحقوقي في القضية؟ إنه أمرٌ ليس فيه من الحقوق المرعية، ولا النية السياسية السليمة لكي يُشار إليها بذلك النعت، فضلاً أن يُقال إنه عفو.

فحتى لو كان الـ 2100 سجين سياسي من بين السجناء الـ 6359 الذين سيُفرَج عنهم، فهذا يعني أن الـ 2100 سجين سياسي، هم إما مُسِّنون أو مرضى أو معوقون أو أنهم قضوا فترة عقوبتهم في السجن كاملة! وهذا في حقيقته ليس سوى تدليس.

ما يجري اليوم في أحوال بعض الدول هو هكذا بالضبط. فالعفو لديها ليس هو العفو الذي عرفته الأمم وقواميس اللغة. والديمقراطية لديها ليست هي الديمقراطية التي نراها في العالم المتحضر، لأنها وباختصار لا تريد أن تحكم حتى بحد الكفاف من ديمقراطية الحكم الحر والشفاف، فضلاً عن حد الكفاية فيها، لذا فهي تعمد إلى أسلوب آخر هو «الديمقراطية المومياء» التي لها ملامح الديمقراطية، لكنها ميَّتة، ومُحنطة ليس بها روح ولا حِراك.

كثير من الدول تمتلك مؤسسات عنوانها دستوري، من برلمان وسلطة تنفيذية وديوان رقابة مالية وإدارية وقانون للصحافة، وقانون للأحزاب وآخر للانتخاب، لكن كل تلك المؤسسات فاقدة للصلاحيات وللهياكل التنظيمية، التي تجعلها ديمقراطية وشبيهة مع مثيلاتها في الدول المتقدمة، وبالتالي فهي لا تستطيع أن تفعل شيئاً، غير ما أوكل إليها من إيجاد شرعية خلود الرؤساء في السلطة.

الأغرب من ذلك، هو أن هذه الدول وعندما تؤسس لذلك النهج، عبر تقديم مؤسساتها الشكلية للعالم على أنها مؤسسات كاملة الصلاحية، في حين أنها بالعكس تمامًا، فإنها تحاول أن تقنع نفسها (والعالم) بأنها فعلاً مؤسسات كاملة الصلاحيات، فتقوم بتطبيق كل ما ينطبق على المؤسسات الدستورية الحقيقية على مؤسساتها الصورية تلك، خلال مسيرتها التنفيذية والتشريعية والقضائية، لتتعامل معها على أنها فعلاً مؤسسات كاملة الصلاحيات، ثم تزيد على ذلك، فتقوم بمعاملة أي معترض عليها بالسجن أو النفي أو حتى القتل، متذرعة بأن ذلك الاعتراض هو اعتراض على مؤسسات الشرعية، وهذا ما لا يجوز (بنظرها)، وتبرر ذلك على أنه وفي الدول الغربية المتقدمة والمتحضرة لا يمكن الاعتراض على أداء مثل هذه الأجهزة مطلقاً!

هنا، يصحُّ أن نتساءل وبشكل مشروع: إذا كانت تلك المؤسسات الدستورية هي كاملة الصلاحيات مثلها مثل الذي نجده في الدول المتقدمة، فما بال هذه المؤسسات لم تستطع أن تمنع رئيسًا من أن يقبع في السلطة فترات طويلة من دون مساءلة، في حين تقوم ذات المؤسسات في الغرب بتحديد مُدَد وتحاسب وتنتخب وتعزل؟!

لماذا ينتصر القانون في الدول الدكتاتورية وفي جميع الأوقات للمسئولين، بل ولا ينظر حتى في دعاوى ضدهم، في حين لا يفعل في الغرب ذلك؟! هذه أسئلة يجب أن يُجَاب عليها ما دمنا نحكم العقل ونلتزم به.

إنها مزحة، لكنها مزحة ثقيلة. وهي تذكرنا بعفو رئيس ميانمار ثين سين الأخير الذي استهلينا به الحديث، والذي خص به المعوقين والمسنين والمرضى وممن أنهوا فترة محكومتيهم من السجناء، مع مشروطية حسن سيرة سلوكهم في المعتقل. لاحظوا صور المفرَج عنهم من السجن في يانغون، ستجدون رجلاً طاعناً في السِّن، يُمسك به شرطيان، أحدهما من ذراعه الأيسر، والثاني من كفّ يده اليُمنى، وعليه إزار مهترئ، وظهره مُحدَودَب، حتى يكاد رأسه يلامس ركبتيه، وواضع يده على خاصرته، ويسحب رجليْه بتثاقل. هذا شكله عفو لكنه ليس عفوا، وتلك المؤسسات شكلها مؤسسات دستورية لكنها ليست كذلك، لأنها مازالت في مرحلة المومياء المحنطة، التي ليس بها روح، فلا يبقى رجاء منها، حينها سنتذكر ما كان يقوله الفيلسوف الإنجليزي فرانسيس بيكون بأن الأمل إفطار جيد، لكنه عشاء سيئ

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3327 - الأحد 16 أكتوبر 2011م الموافق 18 ذي القعدة 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 9:43 ص

      لا تذهب بعيدآ

      ابحث عن من يسند هذه الانظمة القبيحة
      ستراها تلك الانظمة المتقدمة ديمقراطيآ

    • زائر 4 | 8:05 ص

      لا تذهب بعيد

      تتطابق اجراءات دول الخليج مع هذا جيدا بل اكثر من ذلك هنا حتى الطفل والرضيع مشتركين في العقاب مع العلم ان هؤلاء يقولون انهم يستمدون شرائعهم من السماء .

    • زائر 1 | 12:28 ص

      مثل

      الحال عند بعضه مثل ما يقول المصريين

اقرأ ايضاً