أكثر ما يدمي القلب أن ينقلب الوطن من رقعة بيضاء ناصعة إلى صفحة ملطخة بأسوأ ألوان السباب والشتائم، ممرغة في وحْل الاتهامات الجزافية الطارئة من دون حساب لمال أو عرض أو كرامة، لهثاً وراء مصالح دنيوية بائسة عسيرة على الفهم والاستنتاج.
الأعراف قطعت أوصالها وشُحنت في معلبات وتركت في دلو مع مكعبات ثلج حتى تتجمد، والأخلاق كـُبلت بالأغلال وقيدت إلى زنزانة النسيان، وأطلقت بدلاً عنها عضلة اللسان، تقوى وتتمدد ويتضاعف حجمها كلما تغذت على أمصال العمالة والتخوين والتشكيك والطعن في النوايا، بعيداً عن ثوابت الشراكة في الدين، والانتماء للوطن، والهوية والمصير الواحد.
للأسف أننا أمة لا تتعلم من مواعظ الأزمات، بل تنقاد وراء العواطف، وتفور دفاعاً عن الانتماء بكل أوجهه المتعددة، فتنبري استبسالاً للذود عن الخطأ على أنه صواب لأنه صادر من الجماعة أو الفئة، بصرف النظر عن حجم الفاتورة التي سيدفعها كل أبناء المجتمع على اختلاف أجناسهم وألوانهم وأعدادهم جراء هذا التعاطي الفئوي.
من يطلق تصريحاً مؤيداً للسلطة ومباركاً لخطواتها وإجراءاتها وكل ما تتخذه من قرارات، نقول إنه «حكومي» أو «موالٍ»، بينما يعبر عن وجهة نظر يؤمن بها عن قناعة وتفكر وعقلانية، ولم يُنصب متحدثاً رسمياً للدفاع عن وزارة أو جهة أو مؤسسة حكومية، حتى وإن كان يريد التقرب من أصحاب القرار على حساب تشويه سمعة الآخرين، فهذا شأنه يحاكمه فيه ضميره، ومن فوقه حسيب عتيد ولكنه في النهاية مواطن لا خائن.
ومن ينتمي إلى تيار سياسي أو فكر أو ثقافة أو توجه أيديولوجي محدد، نتهمه بالخروج عن الثوابت، وبالتحرك خدمة لمصالح خارجية يباع من خلالها الوطن برخص التراب، حتى وإن حملت أطروحاته أفكاراً بناءة وطموحات ذات سقف عالٍ توسع من هامش الحرية والشفافية، وترفع من قدر الإصلاح والعمل المنتج المثمر، نتهمه بالخيانة والعمالة وهو في آخر المطاف مواطن يتمتع بكامل الحقوق السياسية التي تضمن له حرية التعبير وفقاً للدستور البحريني والمواثيق الدولية.
ومن لا يؤيد هذا الطرف ولا ذاك، نتهمه بالتخاذل والجبن والانحراف عن مسار الإجماع، فيما هو متمسك ببعض الرؤى التي يتفق جزئياً فيها مع هذه الجهة، ويؤمن ببعض الأفكار التي قدمتها الجهة الأخرى، ولكن لا يتفق بالمطلق مع أي طرف بشكل تام، وهو كذلك مواطن يسلك خطاً يعتقد بأنه الأسلم ما بين نارين.
فرز البشر بأسلوب لا يشم منه إلا نفـَس طائفي إقصائي يجب أن يتوقف فوراً، لأنه حقاً يمثل جرحاً غائراً يتسع كل يوم، فلا المشانق على أرصفة الشوارع، ولا المحاكمات الاستباقية على وريقات الصحف، ولا التحشيد التعبوي من على منابر الجمعة، سيوقف اتساع الرتق الذي طال جسد اللحمة الوطنية في مقتل.
نعيش اليوم ونتوقع غداً مؤسفاً، مظلماً، شاحباً، مخيفاً، لأننا فقدنا الثقة ببعضنا البعض، وقطعنا كل جسور التلاقي، ورمينا القارب بمن عليه في وسط الموج العاتي حتى غطته المياه عن بكرة أبيه، وجرفته إلى قعر البحر.
هناك من ينادي ويطالب بكونفيدرالية خليجية توحد دول مجلس التعاون أمام أي عدوان أو أطماع خارجية - وهو مطلب مشروع وإن كان تطبيقه صعباً - ولكن تناسى صاحبه أن يبادر لمعالجة الوحدة الداخلية للشعوب أولاً، فراح يلملم تصدعات القشر الخارجي للمشكلة ولم يعالج اللب، فترك الجوف يغلي يثور، والمنطق يقول إن صحة الجسد من سلامة جوفه، فإن فسد الجوف اعتل البناء وانهار ولم يعد صالحاً للعيش.
أيها السادة، إنها قواعد اللعبة الديمقراطية، أنتم تريدون وطناً متعدد ومتشعب المذاهب والأفكار والمعتقدات، قائماً على أساس ديمقراطي أسوة بالدول المتقدمة التي قطعت هذه المرحلة العسيرة التي نمر فيها بأشواط طويلة، فعليكم أن تتقبلوا الاختلاف، فلا تحاولوا أن تجعلوا كل الخلق على شاكلتكم يتطبعون بصفاتكم ويحملون توجهاتكم ويدافعون عنها.
لا يمكنكم أن تجعلوا مَن على الأرض متطابقين في كل شيء، فها هي الأصابع تتفاوت في الطول، وحتى التوائم الذين خرجوا من بطن واحد من الأب والأم ذاتهما، يحملان اختلافاً في مزاجهم وتصرفاتهم ونمط تعاطيهم وتعاملهم مع الأشياء المحيطة بينهم، فلا تقطعوا أوصال الأمة بتصريحاتكم الفجة التي قضت على آخر ما تبقى لنا من مواقف جميلة مازالت الذاكرة تحتفظ بها حتى الساعة.
أن تسير على نهج الاختلاف فأنت في الطريق الصحيح، لأنك مع تعدد الرؤى والتلاقح المعرفي والفكري تستطيع أن تنهض، والدخول في نقاش متنوع يثري الحياة بإسهامات جديدة تدفع وتحفز على الرقي والتقدم والإبداع، أما أن تسير على العكس فأنت تجافي الفطرة السوية.
في جميع برلمانات العالم يجري التصويت على أي تشريع أو اقتراح برغبة أو بقانون، وإذا حاز على قبول الغالبية يطبق ويرحل للتنفيذ، وإذا لم يحصل إلا على أصوات بسيطة يرفض أو تعاد دراسته.
وفي الدول المتقدمة ينظر إلى هذه الأصوات البسيطة على أنها ذات أثر، فيتم التمعن في الفرضيات والأسباب التي دفعت أصحابها لأخذ هذا التوجه فربما يكونون على صواب، ولا تهمل أبداً بل تؤخذ بالحسبان حتى وإن لم يكن لها دور في قلب المعادلة.
أما في بلداننا فنهمش ونعادي كل الأصوات الغالبة والمغلوب عليها حتى وإن مست الصواب، وخصوصاًَ إذا ما تعارضت مع أهداف ومبادئ الذات ومصلحة الأنا، ولا نسمح لها بالبروز أو حتى الوصول إلى أعتاب الباب، لأننا نمارس الديمقراطية بأسلوبنا الخاص وعلى مقاسنا نحن
إقرأ أيضا لـ "أحمد الصفار"العدد 3326 - السبت 15 أكتوبر 2011م الموافق 17 ذي القعدة 1432هـ
العدل والحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية
هناك من الناس من تضرهم مباديء العدل والمساواة والحرية والعدالة الاجتماعية ، لأنهم يعتاشون على الاستبداد الذي يغذيهم بالتنعم بالخيرات على حساب أفراد المجتمع ومن ينادي بالإصلاح الجوهري يتهم بالعمالة للخارج ، وهذه اسطوانة مشروخة بانت للعيان.
ما يوم في عمره ظلم
هذا ما يقال له دنيا القوي فيهه حكم باع المباديء والقيم لو يدري ان الله وراه ما يوم في عمره ظلم
اعد قراءة المقال
المجتمع يا استاذ مقسم من زمان ولم نكن يوماً شعباً واحداً بل كنا نعيش حالة من السلام والقبول بالآخر وخيرات البلد مقسمة ولا حاجة لذكر الامثال فالحالة البحرينية واضحة وجلية وادعوك ان تعيد قراءة افكارك من جديد بعيداً عن النرجسية.
التفرد بصفة الحل للمشكله هو السبب
أيها السادة، إنها قواعد اللعبة الديمقراطية، أنتم تريدون وطناً متعدد ومتشعب المذاهب والأفكار والمعتقدات، قائماً على أساس ديمقراطي أسوة بالدول المتقدمة التي قطعت هذه المرحلة العسيرة التي نمر فيها بأشواط طويلة، فعليكم أن تتقبلوا الاختلاف، فلا تحاولوا أن تجعلوا كل الخلق على شاكلتكم وتنفردن بصفة المعارضة وتصرون على التفرد بايجاد الحل لكل المشكلات وتهمشون الاخر بل وتطالبون برحيله.
كلمات تزيدك احترامً وثقه بالنفس
سلمت يداك على هذه الكلمات الجميلة النابعة من القلب في هذه الفتره لا تحتاج لان تتكلم او تقول انت معارض او غيرها لانك من طائفه اخرى اي كلمه كذب او افتراء مصدقه ولكن ماذا عسانا ان نقول الحمد لله على كل حال ورب ضارة نافعه........ امينه شملوه