العدد 3325 - الجمعة 14 أكتوبر 2011م الموافق 16 ذي القعدة 1432هـ

عُمان «تنتخب» اليوم و«تستمع» في كل يوم

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

اليوم، يذهب العُمانيون للاقتراع. كتلتهم الناخبة زادَت بنسبة الثلث عن الانتخابات السابقة قبل أربعة أعوام، والتي كانت حينها قد وصلت إلى 388 ألفاً يحق لهم التصويت، بمعنى أن هناك اليوم 522 ألفًا و93 ناخبا/ ناخبة سيدلون برأيهم لانتخاب 84 مترشحًا من أصل 1133، مثلما صرَّحت بذلك وزارة الداخلية العُمانية. في كلّ الأحوال هم ذاهبون اليوم لينتخبوا مجلسًا تشريعيًا في دورته السابعة يُطلق عليه دستوريًا «مجلس الشورى» والذي يُسمّى تاليًا بـ «مجلس عُمان»، بعد ضمّ مجلس الدولة المعيّن إليه. وقد أفرَد القانون الأساسي للدولة، والصادر في العام 1996 الباب الخامس منه؛ ليكون إشارة تنظيمية له ولعمله.

ليست هناك مشكلة في أن يعرف المراقبون تعداد الناخبين العمانيين إلاَّ من جَنبة أن 40 في المئة من العُمانيين اليوم هم تحت سن الواحد والعشرين عامًا، وهو ما يعني أنها فتوَّة شبابية نابهة داخل الشعب العُماني، لكن ما هو أهمّ من كلّ ذلك هو توقيت تلك الانتخابات، والنظر إلى ما قبلياتها. فزمانها يفصله عن مرحلة صدور المراسيم السلطانية الـ 25 والتي دشَّنت لمرحلة جديدة من العمل الديمقراطي، وتعزيز ثقافة الحكم الرشيد في عُمان سبعة أشهر فقط، بعد مُطالبات سياسية ومعيشية، عالجها جلالة السلطان قابوس بن سعيد، سلطان عُمان وهي في مهدها، بحكمة قائد سياسي واع، يُدرك ثقافة الحكم، والسياسة أكثر من أيّ أحد.

أضِف إلى ذلك، أن الدورة التشريعية السابقة (2007) قد شهِدَت تعيينات لعدد من النواب المنتخبين انتخابًا مباشرًا في مجلس الشورى، ليتبأوا مقاعدهم في الحكومة العُمانية، وهو ما يعني أن جزءًا مهمًا من وزراء الحكومة العُمانية قد جاء إلى منصبه بطريقة جديدة، حتى ولو كان بغير آلية الغالبية البرلمانية المتعارف عليها. هذان الأمران، هما اللذان يجعلان من الانتخابات التشريعية اليوم في سلطنة عُمان بتلك الأهمية والاستثنائية، التي نقول بها. فالأزمنة وساعاتها، عادة ما تمنح الأحداث بُعدًا ووزنًا إضافيًا.

هذا الموضوع يدفعني لأن أطرق بابًا آخر في تجربة الحكم في عُمان، والتي تناولتُ شئونها من زوايا مختلفة في مقالات سابقة. فليس الأمر متعلقا بفاعلية انتخابية مُجرَّدة من محتواها، وإنما الأمر موصول بعموم التجربة العُمانية، التي انعقدت نطفتها ووُلِدَت ونمت وازدهرت على ما هي عليه منذ يوليو/ تموز من العام 1970 عندما تسلم السلطان قابوس بن سعيد الحكم، فهذه التجربة ليست فيكتورية امبراطورية، لكنها أيضًا ليست أقل من شأن دول كانت على الجادَّة، حتى مَضَت إلى ما هي عليه اليوم من تطور سياسي/ اجتماعي مشهود له.

أكثر الأمور أهمية في التجربة العُمانية هي قدرة القيادة المتمثلة في السلطان قابوس بن سعيد على الاستماع. وهي كلمة لا تتجاوز حروفها الثمانية، لكن أشكال الحكم ورشده تسير على أوتارها. فالاستماع عنوان محوري في تجارب الحكم يسمُوا على كلّ شيء؛ حينما يكون في مقام الاستماع مع احتفاظه بمنزلته، فما استنبِطَ الصواب بمثل المشاورة، حتى قال الفضل: إني لأستشير حتى في الحبشيّة الأعجميّة، وقال أردشير بن بابك: أربعة تحتاج إلى أربعة: الحسَبُ إلى الأدب، والسرور إلى الأمن، والقرابة إلى المودة، والعقل إلى التجربة.

في السلطنة ظهَر ذلك جليًا في ممارسات الحكم. فهذا البلد، الذي يمتلئ بأعراق قبلية لها نظامها الاجتماعي المتوارَث، وتتوزع على أرضه من الجنوب حتى الشمال، لم يكن ليغيب عن ذهنيّته ما لذلك من حضور، على مستوى التشكيل الاجتماعي، فبادَر إلى اتباع سياسة «الضَّم» للجميع، وإدماجهم في مسيرة البلد التحديثية، عبر منحهم فرص «الاستماع» لهم.

ولم يجد السلطان قابوس بن سعيد غضاضة في أن يكون بمخيمه السلطاني الصحراوي المتنقل زائرًا دائمًا لعموم المواطنين العُمانيين (بشتى أعمارهم، ومراتبهم العلمية)، وإعطائهم مزيدًا من الاعتبار والثقة من أن الحكم يستمع لهم، وهم يستمعون لوجهات نظر القيادة. وقد تحدثتُ عن شيء قريب من ذلك عندما علقت على تصريح للوزير المسئول عن الشئون الخارجية العُماني يوسف بن علوي بن عبدالله لصحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية في 17 مايو/ أيار المنصرف، والذي أشار فيه إلى لقاءات يومية، يقوم بها السلطان قابوس بن سعيد مع عشرات من الشباب العُماني.

قبل ثلاثة أعوام، وعندما سأل أحد الصحافيين السلطان قابوس عن ذلك الأمر (الالتقاء بالناس مباشرة)، قال «في هذه الرحلات ألتقي بالناس مواجهة، وأسمع إلى مطالبهم، وهم يسمعون وجهات نظري» وأضاف «هناك مواطنون قد لا تسمح لهم ظروفهم بأن يطرقوا أبوابًا معينة، فآتي أنا إليهم بشكل مباشر. إني مرتاح وأجد متعة نفسية بهذه الرحلات الداخلية، أجتمع فيها بأهلي وأختلط بأنفس كثيرة، أسمع منها وتسمع مني، ونعطي جميعنا الثمار المطلوبة، هذا التفاعل الذي يخلق بدوره الولاء المتبادل بين الطرفين» هذه مفردة غاية في الأهمية، لا يُمكن التقليل منها حتى في ظلّ تطوّر وسائل الاتصال الحديثة. والجميع يعلم معنى الزيارات الشخصية المباشرة، حتى في أعراف الدول، والعلاقات الدبلوماسية وشواغل البروتوكول.

عندما نقرأ التاريخ تظهر لنا تجارب كثيرة، لدول مختلفة ضاعت ثم ماتت فتحجَّرت بسبب غياب وعي الحكم، وبسبب عدم قدرة أصحابها على الاستماع لناسهم وشعوبهم. بينما كانت هناك أمم أخرى، أضحت دولها في مرتبة متقدمة، بسبب حصافة رأي زعامتها، حين تمثلوا بأذنٍ تسمع النصح في كلّ شيء، وحول كلّ شيء؛ رغبة منها في أن تتقوّم الآراء وتلتقي التجارب، أو كما جاء في الأثر، اضْرِبْ بعْضَ الرّأْيِ بِبَعْضٍ يَتَوَلَّدْ مِنْهُ الصَّوَابُ. وقد قيل عن عضد الدولة في ذلك بأن له وجها فيه ألف عَيْن، وفما فيه ألف لسان، وصدرا فيه ألف قلب.

عندما زرتُ السلطنة قبل شهور، وجدتُ مما أقوله الكثير. أشخاص عاديون، ليسوا أصحاب جاه ولا مال ولا مركز، يتحدثون عن قيادتهم وشخص السلطان قابوس بكلّ إيجابية كبيرة. هم لا يُحابون أحدًا فيما يقولونه، فلا هم أمام مايكروفون إذاعي ولا تلفزيوني، إلاَّ أنهم كانوا يتحدثون بصراحة متناهية، عن سِعة صدر الحكم وقيادته، وعن زيارات السلطان لهم ولمناطقهم، ولم يكن ليدفعهم القول بذلك سوى الصدق فيما رأوه وعايشوه. هذه شهادة أقولها وأنا مطلع عليها شخصيًا.

اليوم، تأتي الانتخابات العُمانية لتكرس من جديد هذا المفهوم وهو الاستماع، الذي يجب أن يسود لدى أنظمة حكم أخرى، باعتباره وازنًا أصيلاً في إدارة البلد. لأن ذلك المفهوم السليم يكسر الصورة النمطية عن الحكام لدى الناس والإعلام على أنهم يترفعون على لقاء من هو دونهم، ليقلب الصورة بالكامل، ليفرض صورة جديدة أكثر موضوعية وجلاءً

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3325 - الجمعة 14 أكتوبر 2011م الموافق 16 ذي القعدة 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً