العدد 3325 - الجمعة 14 أكتوبر 2011م الموافق 16 ذي القعدة 1432هـ

الإعلام الحر في تونس: من الوهم إلى الواقع

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

شهد التونسيون مباشرة بعد ثورة الرابع عشر من يناير/ كانون الثاني الماضي وَهْم مجتمع حرّ ومزدهر. وتمتع الصحافيون التونسيون بالحريات الجديدة في الإعلام المطبوع والمرئي والمسموع، والذي كان يخضع لسيطرة شديدة تحت حكم الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي. وعلى رغم أننا حققنا الكثير مما يمكننا أن نفخر به، إلا أن الوهم بشأن ما تعنيه هذه الحرية الجديدة للإعلام لم يبقَ إلا لمدة أيام قليلة.

قام الإعلام بترجمة الحرية حرفياً، وهو أن تقول ما تريده وفي الوقت الذي تريده. أصبح انتقاد المسئولين الحكوميين، بل وإهانتهم أمراً اعتيادياً في البرامج الحوارية التلفزيونية والإذاعية، وأصبحت الصحف مليئة بالمضمون المثير والمحرّض الذي يفتقر إلى الاحترام. لم يفهم أحد أن الحرية تتطلب شعوراً بالمسئولية.

الواقع أننا نسمع اليوم أناساً يقولون إن الإعلام لا يخبرهم الحقيقة بشأن الواقع السياسي المحيط بقضايا رئيسية مثل أمن الدولة وأرقام البطالة أو الأحزاب السياسية.

تم الترخيص لنحو مئة منشور (صحف ومجلات يومية وأسبوعية) ودزينة من محطات الإف إم الإذاعية المحلية لتنشر وتبث مادتها وبرامجها منذ يناير الماضي. كما تم إصدار أكثر من ثلاثين ترخيصاً لمحطات تلفزة جديدة. وتم إنشاء هيئتين محليتين لمراجعة القوانين الصحافية التي تحكمت تحت حكم بن علي بشكل التغطية الإعلامية وفرضت غرامات وأحكاماً بالسجن ضد المخالفين بموجب التشريعات الإعلامية القديمة.

هذه هي بعض الخطوات الإيجابية التقدّمية من حيث الحرية الإعلامية، إلا أن الكثير من استطلاعات الرأي العام تظهر أن الناس ليسوا راضين عن التوجهات التي بدأت تظهر، لأنهم يعتقدون أن التغييرات لم تكن نحو الأفضل. فقد كشف استطلاع أجرته مؤسسة «سيغما كونسيل»، وهي مؤسسة دراسات سوقية في تونس، كشف في أواخر يوليو/ تموز أن 85 في المئة من التونسيين «ليسوا راضين»عن الإعلام في تونس.

وحتى بعد سقوط النظام فإن غالبية الصحافيين في الإعلام التونسي مازالوا غير قادرين على التعامل مع القضايا الحقيقية مثل الفساد والاقتصاد، للتمييز بين الحرية والفوضى ولتقييم تلك الأعمال والمستثمرين الفاسدين، والذين استطاعوا من خلال الدعاية والإعلان وشراء أعداد كبيرة من الاشتراكات، مساعدة شركاتهم على البقاء وبالتالي الحفاظ على الصحافيين والمحررين في وظائفهم. والواقع أن 80 في المئة من أقطاب الإعلام مازالوا هناك، وعلى رغم أن الكثير من المؤسسات الإعلامية التي كان يملكها بن علي تم إغلاقها، إلا أنه من المستحيل وضع الجميع في السجون.

ويعتقد رضا كافي، الصحافي الكبير وعضو هيئة إصلاح الإعلام التي تم تشكيلها للتحقيق في الفساد الإداري والمالي في قطاع الإعلام، إنه من «الصعب جداً» للصحافيين التونسيين «التخلص من عادات وممارسات مثل الفساد والكذب، التي اعتادوا عليها لأكثر من ثلاثة عقود».

ويعتقد كافي، الذي مُنِعت مجلته L’Expression من الإعلان قبل أن تضطر إلى الإغلاق العام 2009 تحت حكم بن علي، يعتقد كذلك أن «خلفية الصحافيين الضعيفة وترددهم في تعزيز قدراتهم وضغوط العمل اليومي وظروف العمل السيئة تضطر الإعلام التونسي للتعامل مع هذه الاتجاهات وتجنّب أي صدام مع أصحاب العمل ما قد يكلّفهم وظيفتهم».

وتُظهِر تجارب مماثلة في الكثير من الدول الأخرى مثل جورجيا وبلغاريا والصين، أن الانتقال الضعيف نحو الديمقراطية أعاق تطور الصحافة الحرة. بعد 50 سنة من القمع، من الصعب التغلب على صوت واحد وحزب سياسي واحد بين ليلة وضحاها. لا تملك النخبة السياسة والمجتمع المدني في تونس تجربة كافية للتعامل مع متطلبات التحول، ويعاني الإعلام كثيراً من المناشدات الداخلية التي تتعامل مع أسئلة حقيقية بشأن الرقابة والفساد، التي تصبح تافهة سخيفة.

تظهِر النقاشات الداخلية والعامة اليوم أن المزيد من الصحافيين يدركون أن الوقت قد حان للبدء من جديد مع نقد ذاتي أكبر وتقييم ذاتي أعمق. ويشكّل رفض الاستسلام لأي ضغط يفرض عليهم العمل في عالم فاسد، الخطوة الأولى نحو الإصلاح. ويشكّل رفض أي شكل من أشكال التدخل الحكومي في عملهم بداية حربهم ضد الرقابة. ويشكل اتخاذ زمام المبادرة والتعامل مع المشاكل الحقيقية لتونس اليوم أساساً للإبقاء على الإعلام حراً من القضايا البالية والأساليب التي عفا عليها الزمن.

لا تستطيع الديمقراطية ضمان إعلام حرّ، ولكن الإعلام الحر يستطيع المساعدة على إيجاد ديمقراطية أكثر نجاحاً. ويأمل المرء أن تتمكن السوق في نهاية المطاف من استئصال الصحافيين غير الكفؤين، وبالتالي إيجاد إعلام تونسي ليس حراً فحسب وإنما مثقّف كذلك.

إن ثورة يناير 2011 الشعبية في تونس هي فرصة لاستخدام الضغط من الأسفل إلى الأعلى لتمكين التشريع وإطار مناسب لإعلامٍ مسئول لا قيود عليه في وقت هناك حاجة ماسة فيه للانفصال عن الماضي

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 3325 - الجمعة 14 أكتوبر 2011م الموافق 16 ذي القعدة 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً