العدد 3323 - الأربعاء 12 أكتوبر 2011م الموافق 14 ذي القعدة 1432هـ

«رَبِّ لا تَذَرْنِي فرْدًا وأنتَ خَيرُ الوَارثين»

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

اليوم، أبتعد عن شئون السياسة قليلاً، راحة لي ولِمَن يقرأ كلماتي، لأتحدث عن شأن اجتماعي/ نفسي له صلة وثيقة بواقعنا يتعلق بآداب الحديث. فكثيرون من الناس يعيشون بنصف حياة! أو بصورة أدق: بنصف زينة الحياة المفترضة. السبب في ذلك هو أنهم وبعد زواجهم، لم يُرزَقوا بأبناء، فـ «الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا» (الكهف، آية رقم 46). لستُ هنا لمناقشة موضوع العُقْم «علميًّا»، لكن ما أعرفه أن نسبته عالميًّا تصل إلى 15 في المئة. بمعنى أنه إذا ما كان لدينا مليارا متزوج من البشر فإن 300 مليون حالة عقم تحصل بينهم!

الإحصائيات تقول، إن 8 في المئة منهم يُمكن أن يُنجبوا بعد خضوعهم إلى علاج طبي حديث، أي أن 24 مليون منهم قد يستجيبون له، بينما يبقى الآخرون بلا نصيب. لكن الأهم معرفته أيضًا هو أن 7 في المئة من حالات العقم نفسية، وهي تستفحل في الشهور الأولى من الزواج؛ بسبب الخوف من الفشل، أو المساءلة العائلية والاجتماعية للزوجَين عن حصول الحمل من عدمه. وقد أثبتت الدراسات أن فرصة الحمل في الشهور الثلاثة الأولى من الزواج (ونتيجة لتلك الضغوط النفسية المتوالية) لا تتجاوز الـ 25 في المئة.

في كلّ الأحوال، فإن مسألة العقم تتجاوز الموضوع العلمي إلى الموضوع الاجتماعي. ففي الحالة الأولى (المسألة العلمية)، وعندما يكون هناك زيجة لم تنجح، أو بالأحرى لم ترزَق بأبناء، فإن موضوعها عادة ما يكون حبيسًا في غرفة الطبيب المختص، مع عدد محدود من المقرّبين، أما في الحالة الثانية، وهي المتعلقة بالمسألة الاجتماعية، فإنها تتقافز بين أحضان الناس، كُلٌّ يلوكها على شاكلته وكيفما ابتغى، وكأنه فيلم سينمائي يتفرَّج على أحداثه مشاهدون.

كثيرون لا يعرفون معنى الأذى النفسي الذي يُخلفه الحديث عن الوَلَد في حضرة شخص محروم منه، ومن رائحته. كنتُ أوصي نفسي وغيري ألا نتحدث عن أيّ موضوع بين جَمْعٍ من الناس دون أن نجرِي مَسحًا على شخوص المجلس الذي نحن فيه. فإن كان الحديث عن اليُتم، فلا ينبغي الإشارة إليه، وبيننا طفل محرومٌ من أحد والديه. وإن كان الحديث عن عَيْب خلقي، فلا ينبغي التحدث به أمام رجل وقد أقبَلَت حَدَقته على أنفه، من شدَّة الحَوَل الذي بإحدى عينيه.

قبل فترة، حضرتُ مجلِسًا فيه خطيب يُحدِّث الناس. بدأ صاحبنا يرمي بكلام هنا وهناك، حتى وضَعه لسانه على حديث مُسْهَب عن الأطفال وزينتهم، وعن كثرة الإنجاب عند بعض الأسر والشعوب، ثم أخذ يُفاكهه الحضور بمجموعة من الطرائف التي تحاكي ما يقوله. كان أمامي رجلٌ أعرف أنه قد مضى على زواجه أزيد من عشرين سنة، دون أن يُرزق بوَلد. كان حاله وهو جالس قرفصاء المجلس لا يسر، وقد سامَ خياله في شيء لا يعلمه إلاّ الله، وسَط جمعٍ من الناس وهم يُقهقهون على مُصابه دون أن يُدركوا ما هم صانعين بقلبه. هذا أمرٌ لا يجوز بحق مَكْلوم.

كنتُ أقول دائمًا، بأن الناس لهم وجوه مُختلفة، لكنهم أيضًا بمشاعر ونفسيات مختلفة هي بمقدار اختلاف وجوههم وتقاطيعها. أكثر من ذلك، فكلّ واحد من أولئك البشر له طاقة للتحمّل مختلفة عن غيره، قد تزيد وقد تقصر. وبالتالي فإن الكثيرين ممن هم مُبتلَون، لا يتحمّلون أكثر مما هم فيه من امتحان وبلاء. بعضهم حدَّثني أن إحدى قريباته، ممن حُرِمْنَ من رائحة الولد، لا تستطيع أن تسمع خبرًا عن إحدى الحابلات من النساء، وقد وضَعت طفلاً، وأخرى لا تستطيع أن تزور مثيلة لها في الأنوثة، وهي على فراش النفاس تناغي طفلها الصغير.

في حين، يُخبرني أحدهم، أن إحدى النساء ممن حُرِمْن الذرّية، رغم مُضي عشرين عامًا على زواجها، تعمل بقسم الحوامل والولادة، وهي وفي كلّ يوم تشرف على عشرات النساء وقد أوْلَدْن. تراقب خروج الجنين التي هي محرومة منه، وتمسكه بيدها برفق، ثم ترقب انقباض رحم من وَضَعته، وخروج المشيمة ووقف النزف، يتكرّر عليها هذا المشهد كلّ يوم، وكأنه اختبار متوالٍ لا ينقطع، لكنها بحق، امرأة رشيقة الروح، وبمعنويات مرتفعة جدًا، ولها جَلَدٌ عظيم.

هذه هي حقائق البشر، فليسوا كلهم على مستوى كتف واحد، وبالتالي فهم لا يقوون على ذات الحمل، ويجب على الجميع أن يُدركوا ذلك جيدًا. ليس من الصواب، ولا من العدل أن نتحدث فقط لأننا نريد نتحدث، بل إن الحديث والقول له شروطه وقبلياته، فهو سيصل إلى آذان تتلقاه. وما دمنا نحن مَنْ سنضعه في آذان الناس، فيجب علينا انتقاء كلماته ومعانيه ومراميه بعناية؛ كي لا نؤذي أحدًا منهم، ونجعله مكسور القلب لأن ذلك حق لهم علينا. كان أبومحمد ابن المقفع البصري يقول «اكتبوا أحسن ما تسمعون واقرأوا أحسن ما تكتبون واحفظوا أحسن ما تقرأون وتحدثوا بأحسنِ ما تحفظون»

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3323 - الأربعاء 12 أكتوبر 2011م الموافق 14 ذي القعدة 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 16 | 5:03 ص

      السعادة الحقيقية هي في القناعة بما رزقنا الخالق وفي الايمان بالقدر ... ام محمود

      أعرف الكثير من الصديقات اللاتي لم يرزقن بالذرية رغم مرور أكثر من 20 سنة على زواجهن و مع ذلك تجدهن سعيدات ويملأن حياتهن بالانشغال مع أولاد الأخ أو الاخت لتعويض مشاعر الامومة
      السعادة الزوجية ليس لها علاقة بالانجاب هناك من بيته مليء بالابناء والبنات والمشاكل أيضا
      و هناك من لم يُرزق بالاطفال الذين هم زينة الحياة و استطاعوا ملء حياتهم بالفرح والاعمال الخيرية
      و البعض ممن نعرفهم قاموا بتبني الأطفال من الملجأ أو المستشفيات و قاموا بتربيتهم الى ان كبروا و تزوجوا
      لكن تبقى صورة المرأة العقيم
      تؤلم

    • زائر 15 | 2:13 ص

      قولوا الحمد لله أحسن لكم!

      عندما يكون الشخص متزوج ورزق بالذرية فتقولون يعيش كل الحياة!! وعندما يكون متزوج ولم يرزق بالذرية كما قال صاحب المقال فانه يعيش نصف حياة... وماذا عن الذي لم يتزوج ولم يرزق بالذرية؟! هل يعيش ربع حياة مثلا؟!
      رزقكم الله بالذرية الصالحة جميعاً

    • زائر 14 | 1:54 م

      لا عنوان

      وماذا عن البنات اللاتي لم تتزوجن وتسمع كلمة عانس ترن في المجالس ؟

    • زائر 17 زائر 14 | 12:04 ص

      15

      والله أحسن ليكم وش ليكم بالزواج والمسؤوليه وعوار الراس عيشوا بحرية

    • زائر 13 | 10:18 ص

      ورحمته وسعت كل شيء..

      ربي يرزق كل محروم إن شاء الله.. أخواتي (زائر 4،5 7،11) وجميع الأخوة والأخوات الذين يتمنون الذرية الصالحة إن شاء الله،لا تيأسو من رحمة الله الرحمن الرحيم الكريم وإن شاء الله ربي يرزقكم الذرية الصالحة و كل الخير والبركة بإذنه سبحانه.. سأبقى أدعوا لكم وربي يرزقنا جميع يا رب.. تحياتي تسبقها دعواتي..

    • زائر 12 | 8:59 ص

      الكلام عن الأطفال لا يجرح المحرومين من هذه النعمه العظيمة ولكنه يجدد فيهم اليأس والقنوط ... ام محمود

      يجب على الانسان أن لا يفقد الأمل من الانجاب أو الشفاء بعد امتحان مع المرض فأنا أعرف أحد الأقرباء استمر في زواجه مدة 14 بدون انجاب و كانت الزوجة تأخذ علاج مكثف بدون فائدة وعندما قرر الزواج عليها لانجاب الولد وعندها كانت المفاجأة فلقد حملت الزوجتين في نفس الفترة الاولى وضعت ولد جميل والثانية وضعت انثى وكانت فرحة هذا القريب لا توصف
      _
      بالنسبة لحديث المجالس أنا لا أتفق معك فاحيانا كثيرا أكون مع مجموعة من الزميلات ويتحدثن عن المعوقين وفجأة يبدأ الغمز وتغيير الكلام وهذا يجرحني كثيرا لأن ابني معوق

    • زائر 11 | 8:49 ص

      قال تعالى عز وجل :" يهب لمن يشاء اناثا و يهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكرانا و اناثا و يجعل من يشاء عقيما".. ام محمود

      يهب الله سبحانه وتعالى لمن يشاء من عباده إناثا لا ذكور معهن، ويهب لمن يشاء الذكور لا إناث معهم، ويعطي لمن يشاء من الناس الذكر والأنثى، ويجعل من يشاء عقيما لا يولد له، إنه عليم بما يخلق، قدير على خلق ما يشاء، لا يعجزه شيء أراد خلقه.
      أنا في بداية زواجي أصابني عقم لمدة سنتين و تعالجت وأنجبت بنت و بعدها أصابني عقم ثانوي و توقفت عن الانجاب ذهبت للكثير من العيادات و زرت العديد من الطبيبات وفي الاخير تم تحويلي على وحدة العقم لأن السبب مجهول وقد تعالجت لدى الطبيب لمدة 11 عاماً.

    • زائر 10 | 7:31 ص

      محزن

      شي محزن فعلا

    • زائر 9 | 6:13 ص

      ربي لا تذرني فرداً وأنت خير الوارثين.. دعاء النبي زكريا ع

      بالنسبة لي لم أرزق الى الأن الذرية الصالحه ولكن أشارك في الحديث ممن عندهم اولاد من حيث مشاكلهم وهمومهم ،، ويقولون لي لين ربي رزقش راح تشوفين شلون عنادهم ،،أستانسي الحين في حياتش وتالي فكري في الأولاد ،، ولكن انا أرد عليهم وأقول لااااا السنين تمر وأحنا نكبر وإذا لم نحصل على الأطفال الأن متى نفكر في أنجابهم وتربيتهم عندما نشيب!! عموماً الى الأن أني سنتين وشهرين بدون أولاده ولكن عندي أمل كبير بإن الله سوف يرزقني في القريب العاجل ،، من كان مع الله كان الله معاه،، والله يرزق كل محروم يارب ياكريم.

    • زائر 8 | 4:56 ص

      هناك فضول اجتماعي

      هل انت متزوج ؟ نعم هل لديك اولاد ؟ لا ، كم مضي علي زواجك ؟ ما ان تجيب اكثر من عام حتي يتحول محدثك الي اخصائي عقم ويبدا بوصف العلاجات او طبيب نفساني يشرح لك كم واحد رزق بعد طول عمر هذا كله غاية في الأذي النفسي عندما يتكرر في كل يوم

    • زائر 7 | 3:32 ص

      اووووف ضربت على الوتر الحساس اتمنى خواتي ونسوان اخوتي يقرون هالمقال يمكن يفهمون

      نفس الشعور لدي وانا لا اسكت ان سمعت حيث لا اتمالك نفسي حتى تنغمر عينايي بالدموع دون ان يلاحظني أحد واتظاهر بان شيئا دخل عيني فيا رب ترزقنا والمؤمنين بالذرية الصالحة

    • زائر 6 | 3:08 ص

      فعلا صدق ابن المقفع ويسحق لقب علامة اللغة والادب

      اكتبوا أحسن ما تسمعون واقرأوا أحسن ما تكتبون واحفظوا أحسن ما تقرأون وتحدثوا بأحسنِ ما تحفظون

    • زائر 5 | 2:26 ص

      اللهم صلي على محمد وآل محمد

      رب هب لي من لدنك رحمة.. رب لا تحرمني من الذرية الصالحة

      دعاءكم يا إخوان..
      تشكر أخي على الموضوع

    • زائر 4 | 2:18 ص

      الله يرزقني ويرزق كل محروم

      اعجبتني كلماتك ومقالك

      وتاثرت كثيره عند قرأتي لتلك الكلمات واحسستها تمسني وتعيد جراحي من جديد


      بالفعل مررت بتجربة حضوري في مجلس دايما الحديث عن الاطفال والحمل وانا محرومة منه


      كان المجلس في انتهاءة وخروجيمن عندهم انفراجا لي

      لانه بعض الناس لايمتلكون اختيار الكلمات والاحاديث التي يشعر هو بالانجاز وتفاخر في حديث عنها بالمقابل شخص يتقطع الما وحزنا من هذا الكلام



      اسفة على الاطالة


      والله يرزق كل محروم قرة الاعين من الخلفة الصالحة

    • زائر 3 | 1:11 ص

      النحاسه بعينها

      اظهار السعاده على حدها في وقت فيه جميع اللي حولك في قمه الهم والالم هو قمه النحاسه كيف يمكن لسعيد ان يكون في قمه السعاده بدون ان يشاركه من حوله السعاده هي سعاده ناقصه ومنقوصه وفي الحقيقه انها قمه التعاسه

    • زائر 1 | 12:52 ص

      السعادة

      من اكثر الاشياء تاثيرا على النفس هو اظهار السعادة بكاملها امام اشخاص لا يملكون ولا شيء منها

اقرأ ايضاً