يخطئ كل من يعتقد بأن استمرار الأحداث المؤلمة في البحرين في التصاعد سيكون في صالحه، وأنه كشخص أو كعائلة أو كقبيلة أو كفئة أو كطائفة سيخرج منتصراً محملاً بالمكاسب والأرباح والفوائد، بينما سيخرج من يناوؤنه أو يختلفون معه صفر اليدين يجرون أذيال الخيبة والحسرة والهزيمة ويتجرعون كاسات الذل والهوان، ذلك أن ما يحصل على أرض الواقع هو ضرب من التناطح والمكابرة والتعامي عن أصل المشكلة التي هي بحاجة إلى تشخيص واقعي ومن ثم البحث عن حلول جذرية تخرج البلاد من دوامة العنف التي توشك أن تطيح بكل الإنجازات، وتحطم كل العلاقات، وتكسر كل الروابط والوشائج التي بنيت بين مختلف مكونات الشعب البحريني على مدى عقود من الزمن.
إن بلادنا اليوم تقف أمام مفترق طرق، ولا يصح القول بأن الاحتجاجات التي شهدتها البحرين ما هي إلا انعكاس لما يحدث في بعض الدول العربية التي أصابها طوفان ما يعرف بالربيع العربي وأن هذا الطوفان يمكن صده بالقوة المجردة، كما أنه من غير المنطقي أن يسوق لنا أحد بأن هذه الاحتجاجات التي وصلت إلى كل ركن وزاوية في البلاد ما هي إلا تحركات طائفية تغذيها بعض الطموحات الشخصية لدى بعض القيادات السياسية المعارضة ذات النفس الشوفيني المدعوم من قبل الخارج الذي لا يريد خيراً لبلادنا خيراً من منطلق الحقد والحسد للإنجازات الكبيرة التي حققناها والتقدم الكبير الذي وصلنا إليه.
إن من يطرح مثل هذه الترهات يريد عامداً أن يتعامى عن الحقيقة، ويغمض عينيه عن الأسباب الحقيقية التي أدت إلى وصول الكثير من أبناء هذا البلد إلى درجة الشعور باليأس والقنوط من انتشار الفساد والتمييز والتهميش لفئات واسعة من أبناء الشعب وإبعادهم عن المواقع الحساسة في الدولة.
كما أن من الأسباب المؤكدة لتصاعد وتيرة الاحتجاجات الشعور بالغبن وعدم المساواة في الحقوق السياسية والمدنية، هو تفرد فئات معينة بكل سلطات القرار السياسي والاقتصادي ، واحتكار الموارد والأراضي والسواحل ومختلف الثروات الطبيعية التي تزخر بها البلاد، علاوة على عدم وضع معايير قانونية متساوية يلتزم بها جميع المواطنين وتحدد استحقاقاتهم ومسئولياتهم تجاه وطنهم بناء على ما يحسنون من عمل وما يمتلكون من مقدرات ومؤهلات وليس بناء على انتماءاتهم العرقية والإثنية والمذهبية والدينية.
إن من الأسباب الرئيسية التي قادت إلى هذا الوضع المتأجج هو التعاطي غير المتساوي مع المواطنين في التعليم والتوظيف والترقيات وتوفير الخدمات الإسكانية والصحية والبلدية وتمييز بعض الفئات بشكل لافت ومبالغ فيه حتى وصل الأمر إلى درجة تمتع البعض بالحماية الكاملة من المسائلة والملاحقة القانونية أو الإدارية، كما أن إبعاد عدد كبير من الكفاءات والكوادر الوطنية عن مواقع المسئولية بسبب انتمائهم المذهبي والتشكيك في ولائهم ووطنيتهم دون أي دليل بل والطعن في إخلاصهم لوطنهم دون منحهم حتى فرصة الاختبار، كان من بين الأمور التي عمقت الشعور بالتفرقة والتمييز لدى قطاعات واسعة من أبناء الشعب.
لقد دأبت بعض الجهات طوال العقود الخمسة الماضية إلى تكريس الانقسام الطائفي في كل المرافق العامة والخاصة في الدولة، وساهمت من خلال إخلالها بشروط المواطنة وانتهاكها لحقوق المواطنين في تعميق الشعور بالأفضلية لدى بعض الفئات والدونية لدى فئات أخرى، حتى أصبح الذين تم تفضيلهم يشعرون بأن ما لديهم من تفضيل هي حقوق طبيعية وليست مكتسبة بفعل التمييز الذي مورس ضد أخوانهم من الفئات الأخرى التي فرض عليها أن تقبل مرغمة بمراتب أقل ومواقع أقل رغم تمتعها بالأهلية الكاملة، الأمر الذي أنشئ نوعاً من التباين بين فئات المواطنين، انعكس في المستويات المعيشية والمهنية والحقوق السياسية.
لقد انسحب هذا الشعور التفضيلي لدى بعض الفئات على كل مناحي الحياة، فقبلت الفئات التي تم تفضيلها بالتمييز لصالحها، بل وأصبحت على استعداد تام لمقاومة ومقارعة أي دعوات للمساواة وتحقيق العدالة الإجتماعية، والوقوف في وجه الفئات الأخرى التي لم تكن تريد في أي يوم من الأيام سوى أن تنال كامل حقوق المواطنة ، وقد أدى ذلك إلى تعميق الشعور بانقسام المجتمع مع بعض الحالات الاستثنائية على الضفتين.
لقد نسي البعض بأننا أمة واحدة، وأصبح هذا البعض ينظر إلى أي مطالبة بتحقيق العدالة في ممارسة الحقوق السياسية أو الاجتماعية أو المدنية وكأنه محاولة لسلبه مميزاته التي حصل عليها إما لكونه أكثر ولاءً أو لكونه أكثر مواطنةً أو لكونه أكثر قرباً أو لغير ذلك من الأسباب المختلقة، وكأن الآخرين لا يحملون الولاء لهذا الوطن ولا ينتمون إليه ولم يقدموا التضحيات والجهود من أجل بناءه وتشييده وضمان مستقبله وسؤدده، إنه التصنيف الذي يؤدي إلى تمزيق الأمة الواحدة إلى شراذم صغيرة وتفتيت المواطنين إلى كانتونات مخلصة وكانتونات خائنة، وهو ما سيؤدي إلى ضياع كل شيء في هذه البلاد.
إن الحل يكمن في أن يعود الوطن إلى رشده، ولا يتم ذلك إلا بالسعى إلى تكريس المساواة والعدالة بين المواطنين بما يكفل الحقوق السياسية والمدنية وهذا لن يتأتى إلا من خلال الجلوس إلى طاولة مفاوضات صريحة يتم فيها مناقشة شكل الدولة الجديد الذي يلبي احتياجات كل المواطنين من خلال عقد اجتماعي جديد ينطلق من انتخابات حرة ونزيهة، هكذا نكون أمة واحدة في وطن واحد متحد ومتحاب
إقرأ أيضا لـ "محمد حسن العرادي"العدد 3323 - الأربعاء 12 أكتوبر 2011م الموافق 14 ذي القعدة 1432هـ
مقال افضل من رائعة
الصراحة اول مرة اقرأ لكم واعجبت بمقالكم وكنت وضعت قلمك على مصدر الألم وليس مثل البعض يريد سد الفم من ان يصدر الصراخ بسبب الآلام والجراح وقليل منكم من يشخص المشكلة من اساسه وليس من توابعه فشكرا لكم
حتى النخاع
مقال ولا اروع .وخاصه الفقره الاخيره وهي خلاصة القول وزبده الكلام.والحل الامثل لجميع مشاكل البحرين.وسلامتكم..
شكراً
شكراً أستاذنا العزيز مقال كلش رائع ياريت كل يوم من المقالات والله يعطيك العافيه شكراً
أهلا بعودتك
أهلا بعودتك للكتابة يا ابن العرادي، افتقدنا تحليلاتك الرائعة
شكرا
انها ألحقيفة فشكرا