العدد 3322 - الثلثاء 11 أكتوبر 2011م الموافق 13 ذي القعدة 1432هـ

حصنوا العلم بنكهة الوطن

أحمد الصفار comments [at] alwasatnews.com

-

أسوأ ما لا نتمنى حدوثه، أن ينتقل الخلاف السياسي والتنافر بين قوى المجتمع إثر الأزمة التي مرت بها البحرين إلى داخل أروقة المدارس والجامعات، فأتعس ما يمكن أن نواجهه هو جيل مفخخ، ملغم، مشحون، لا ينتظر سوى عود ثقاب يشعله لينفجر مخلفاً خسائر لا تقتصر على البيئة التعلمية وحسب بل يطال أثرها مستقبلاً البحرين كوطن، وأرض وكيان، يحتضن خليطاً فريداً من نوعه من جميع النواحي الفكرية والثقافية والعرقية والإثنية.

تغيير فكر وسلوك وتوجه إنسان راشد واعٍ فاهم، قد لا يكبدنا خسائر كبيرة إذا ما خاطبنا فيه المنطق والعقلانية والحس الإنساني. أما الحفر في صخرة أساساً شكلت عجينتها على مدى 20 أو 25 عاماً حتى يبست وشبعت بمفاهيم الكراهية والعداء والتخوف من الآخرين لأنهم يختلفون عن الطرف الآخر في العقيدة وأسلوب التعبد، فلا ينفع معه بلدوزر لتقويم الاعوجاج ولا منقلة هندسية لرسم نصف قطر عن واقع جميل.

إلزام أولياء الأمور للتوقيع على تعهدات ملزمة لمنع أبنائهم من الخوض في كل ما يمت إلى السياسة بصلة لإبعاد التعليم عن أي مؤثرات خارج أسوار المدرسة، خطوة ستحسب على أنها إيجابية لو طبقت على الجميع بعدالة وشفافية وطبقاً للوائح المعمول بها، ولكن للأسف أننا نتحدث عن أماني ولا ننقل واقعاً يمارس قولاً وفعلاً.

ما يجري الآن في أروقة الكثير من المدارس ربما لا يصل إلى أسماع العامة، ولكن نقلته ولية أمر في اتصال هاتفي حين قالت إن ابنتها تعود كل يوم من المدرسة ودموعها على خدها لأن طالبة زميلة لها رمتها بكلام جارح يمس كرامتها وعقيدتها وانتماءها المذهبي، ولا تقوى على التحدث بذلك إلى المدرسة حتى لا يفهم على أنه تصرف مخالف للتعهد الذي وقعه ولي أمرها، وقد تتعرض للفصل من الدراسة.

الأم تعاملت مع الأمر من باب الاحتواء والتدارك قبل أن يتطور الحال إلى ما هو أسوأ، فينال من نفسية ابنتها وتحصيلها الدراسي، فطلبت منها أن تغض الطرف عن ما تسمع وتصب جل اهتمامها على المعلومات التي تتلقاها من مدرساتها وتؤدي واجباتها على أكمل وجه، وأن ترد الكلمة السيئة بالطيبة، وتدرك أنها تعيش في مجتمع متنوع، وتعي أن زميلتها في هذه الأثناء ستدرك خطأها وتبادر إلى تصحيح سلوكها مع مرور الوقت.

وقصدت الأم من هذه النصائح أن توصل فكرة لابنتها أن التعايش في هذا البلد هو أمر حتمي لابد منه شاء من شاء وأبى من أبى، فهي سنة أرادها الله أن تكون، وكل انفعال نابع من أساس طائفي أو ايديولوجي مآله الزوال، فدوام الحال من المحال، وكل هزة أرضية وما تتبعها من ذبذبات قوية لابد أن تزول، فالأصل الطيب لهذا الشعب أصلب من أن تقتلعه عاصفة من جذوره، مهما تقلبت الأجواء واسودت الغيوم.

ما حصل أن الطالبة عادت إلى مدرستها، وتصرفت بناءً على النصائح والتوجيهات التي أسدتها لها والدتها، ولكنها عادت مجدداً تبكي للسبب ذاته.

وهنا نتساءل أين دور وزارة التربية والتعليم عن مراقبة ما يحصل بين الحصص الدراسية، ففي أوقات الفراغ تحدث ممارسات تهدد التكوين الاجتماعي الخارجي وليس الداخلي على مقاعد الدراسة وحسب.

هناك مجالس للآباء يجب أن تفعل، وعلى الوزارة أن توجه إدارات المدارس للاجتماع بأولياء الأمور لتحذيرهم من مغبة التلوث الفكري الذي يصل إلى أسماع أبنائهم من مختلف وسائل الشحن والتحريض على الكراهية، سواء من خلال وسائل الإعلام أو مواقع التواصل الاجتماعي أو حتى رفقاء السوء والصحبة المضرة.

إضفاء أجواء تعليمية آمنة يبدأ من داخل مجالس الآباء، فلا يعقل أن تضبط إدارة المدرسة إيقاع اليوم الدراسي بعيداً عن المنغصات أو ما يعرقل سير التعليم، وهناك انقسام حاد في الرؤى والتوجهات بين الآباء أنفسهم.

كيف يطلب من الآباء إبعاد أبنائهم عن أشواك النزاع الطائفي، وهم أساساً متناحرون؟ وما هو الدور المرتقب منهم إن كانوا بحاجة حقاً إلى رأب الصدع والشقاق الحاصل بينهم؟

مسئولية تنشئة وتربية وتأهيل جيل واعٍ قادر على تحمل مسئوليته الوطنية لا تعني الدولة وحدها، بل هو شعور بشري فطري طبيعي ينبثق من حب الإنسان للتربة التي ترعرع عليها، والتي تلزمه أخلاقياً بأن يحافظ على مسافة متقاربة بينه وبين الآخر حتى وإن كانت نقاط التباين والاختلاف كبيرة ومتشعبة، وذلك يستحيل أن يتحقق في بيئة يمارس فيها التعبئة والتحريض بطرف ملعقة يسقى بها النشء منذ نعومة أظافرهم.

لا أحد حتى الآن يعرف مطلقاً حقيقة ما جرى هذا العام في هذه الرقعة الجغرافية الصغيرة، فالكل بدأ يحلل وينظر ويفسر، حتى الطفل الصغير راح يطلق عبارات تفوق سنه بعشرات السنين، ولو كانت الحقيقة جلية وواضحة لما كانت هناك لجنة لتقصي الحقائق تستشف ما خفي وتوارى.

إذا طالما لا أحد منا يملك المشهد بكل تفاصيله، فلا يخرج علينا من يخون في الآخر أو يطعنه في ظهره ويطالب بإقصائه، ولتبقى المدارس والأجيال المقبلة بعيداً عن التحشيد والتسييس والطأفنة، حتى لا نحصد شر استنتاجات غير قائمة على قرائن نندم عليها لاحقاً

إقرأ أيضا لـ "أحمد الصفار"

العدد 3322 - الثلثاء 11 أكتوبر 2011م الموافق 13 ذي القعدة 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 6:10 ص

      تعديل

      زائر 4 ، قصدك :-

      إنَّ اللهَ عَزَّوجَلَّ يُعطِي الدُّنيا مَن يُحِبُّ ومَن لا يُحِبُّ ، ولا يُعطِي الدّينَ إلّا لِمَن أحَبَّ ؛ فَمَن أعطاهُ اللهُ الدّينَ فَقَد أحَبَّهُ

      أو في رواية آخرى

      إنّ الله عزّ وجلّ يعطي الدنيا مَن يحب ويبغض ، ولا يعطي الآخرة إلاّ مَن أحبّ ، وإنّ المؤمن ليسأل ربّه موضع سوطٍ من الدنيا فلا يعطيه ، ويسأله الآخرة فيعطيه ما شاء ، ويعطي الكافر في الدنيا قبل أن يسأله ما يشاء ... الخ

    • زائر 4 | 5:05 ص

      العلم

      "تعطى الدنيا لمن يحب ومن لا يحب ولا يعطى العلم إلا لمن يحب"الامام علي(ع).

    • زائر 3 | 4:07 ص

      اطفال

      اشكرك على مقالك الرائع هنا تتكلم عن اطفال اسمهم اطفال من المسئول الأول عن الطفل اليس نحن الكبار الطفل يتعلم ويقلد من حوله ويطبق ....... امينه شملوه

    • زائر 2 | 2:40 ص

      استفزازات يومية

      يشتكي منها ابني في مدرسته بالمحرق، وهو يتبع تعليماتنا في الوحدة والمحبة وتجاهل الحمقى.

    • زائر 1 | 2:27 ص

      مجالس للاستجداء فقط

      كنت عضوا في مجلس الأباء في إحدى المدارس ، كان هم رئيس المجلس هو توزيع الأدوار على الأعضاء لاستجداء المساعدات ودعم المدرسة ماديا فقط ، لا يسمح لمناقشة أوضاع المدرسة أو طلابها ، هو مجلس للتعارف والاستجداء فقط وليس لمناقشة أي موضوع آخر ، لم أستحمل الوضع ، لذلك انسحبت فورا.

اقرأ ايضاً