ها هي الإضرابات والاعتصامات تجتاح دول اقتصاديات السوق الحر وبلدان الربيع العربي، وها هي أخبار تفاصليها تتصدر الإعلام ووسائل التواصل الإجتماعي، فمن اليونان إلى بريطانيا، فرنسا فإيطاليا، نيويورك إلى فلسطين فأفغانستان..إلى..إلى، تتعدد الإضرابات والاعتصامات وتبقى أسبابها مشتركة تتمحور حول نقصٌ حاد في ممارسة الديمقراطية والحريات ومساً بكرامة الإنسان وأمنه الوظيفي والاجتماعي، وتوحش العولمة وفشلاً ذريعاً لبرامج التنمية وما أفضت إليه من تفشي للفساد وارتفاع معدلات الفقر وتدنى خدمات التعليم والصحة.
بين اليونان وفرنسا
في اليونان، أكثر من أربعة إضرابات نفذت منذ فبراير/شباط الماضي، سار فيها سليماً باتجاه البرلمان أكثر من عشرين ألف عامل ينتمون لنقابات القطاع العام والخاص، السلطات فرضت حيالها إجراءات أمنية أدت لاشتباكات أطلقت فيها الشرطة غاز مسيل للدموع وتراشقها الشباب بالحجارة مرددين هتافات: «لا تضحيات..على الأغنياء دفع ثمن الأزمة» «أرفعوا أيديكم عن الضمان الاجتماعي»»وكفى تقشفاً».ترى ما الذي اقترفته حكومة اليونان بحق شعبها ليحنق عليها ويحتج غاضباً؟
ما فعلته كثير لا يغتفر.فهي من بادر بفرض إجراءات تقشفية وإصلاح نظام التقاعد للحصول على دعم مالي من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي لإنقاذ اليونان من الإفلاس، خصوصاً وإنها تعاني عجزاً في سداد ديون قيمتها نصف تريليون دولار أميركي، واقتصادها يمر بانكماش قدر بـ (5 %)وارتفاع لكلفة الإقراض ولمعدل البطالة (16 في المئة)، والاقتصاديون يتوقعون إن عجزها سيتسبب بأزمة مصرفية جديدة.
- ما الموبقات التي فعلتها أيضا بحق شعبها؟
ليس قليل، مست بالضرر قوت المواطن بإجراء تخفيض موظفي الحكومة بنسبة (60 في المئة )وإحالة (30)ألف منهم للعمل الاحتياطي وإمهالهم 12 شهراً للبحث عن عمل جديد، كما فرضت ضرائب جديدة على العقارات ورافعة سن التقاعد.رد فعل العمال كان:المزيد من الإضرابات المتواصلة في قطاع النقل والموصلات مما أدى إلى اختناقات مرورية بسبب توقف قطارات الأنفاق وحافلات النقل وتأخر رحلات للطيران وإلغاء أكثر من (40)رحلة محلية ودولية، كما ظلت السفن راسية في الموانئ والمدارس ومكاتب الإدارة المحلية والضرائب والمواقع الأثرية أعلن عن إغلاقها في تلك الإضرابات ماعدا مستشفيات تعمل في حالات الطوارئ.
- ماذا عن فرنسا؟
حركة الاحتجاج الفرنسية تكثفت منذ 2010 ويقودها العمال والطلاب ضد سياسات «الخصخصة»وإصلاح نظام التقاعد (من 60 إلى 62 سنة)، وهي معركة بالأساس بين ساركوزي وأحزاب المعارضة والنقابات العمالية، وثمة إضراب نفذ لنقابات قطاع الطاقة شل 20 في المئة من قدرة محطات التزود بالوقود لتأدية خدماتها كذلك حركة السكك الحديدية، وإضراب لعمال النظافة عن عدة مدن فرنسية، أما الإضراب في قطاع التعليم فبلغ معدله 29 في المئة في التعليم الأساسي وعلى إثره تظاهر الآلاف قبل أشهر وحشرا أطفال المدارس في صفوف قليلة بسبب احتجاج المعلمين على تقليص عشرات الآلاف من الوظائف التعليمية منذ 2007 والتي يجري التخطيط لخفضها مجدداً مع حلول 2012 (من 17,000 إلى 14,000)وظيفة، ولا يغيب عن البال فرنسا تعاني هي الأخرى من تضخم وعجز في ميزانيتها العامة.
حسناً الإضرابات في كلا البلدين متواصلة وتتصدرتها اتحادات العمال ومعلمي التعليم الخاص والعام وغيرها، وحتى اللحظة لم يرشح من الإعلام اليوناني والفرنسي والأوروبي ما يشي بشتم المضربين عن العمل وتخوينهم وازدرائهم وتجريدهم من مواطنتيهم، أو تسريحهم عن أعمالهم تعسفياً وبتجاوز للقانون وتقديمهم للمحاكمات لمجرد مشاركتهم في ميادين الاحتجاج والشوارع العامة وشبكات التواصل الاجتماعي مطالبين بحقوقهم ومعبرين عن آرائهم التي كفلها الدستور.
أما الإضرابات والاعتصامات في بلدان الربيع العربي وآسيا تبقى مختلفة في أشكالها وأسبابها مزدوجة بين المطالبة بالحقوق والعدالة في الممارسة الديمقراطية وإطلاق الحريات وضمان كرامة الإنسان وأمنه النفسي والجسدي وتحسين أوضاعه المعيشة.ففي أفغانستان نصبت قبل أيام سيمين بركزاي خيمة لها أمام البرلمان وأعلنت إضرابها عن الطعام احتجاجاً على طردها من الجمعية الوطنية بعد إلغاء الانتخابات الأخيرة، وزارها عدد من الوزراء ونائب الرئيس وصحافيين ومدافعين عن حقوق الإنسان وعشرات النواب ممن قاطعوا المجلس منذ الإقصاء «غير الدستوري» لتسعة من زملائهم ثم عادوا لاستئناف تحركهم الاحتجاجي من الداخل.صرحت «سيمين» قائلة:»إن القانون انتُهك، وتم الإخلال بالعدالة ولن أتوقف عن الإضراب عن الطعام قبل إحقاق الحق».
وفي فلسطين المحتلة نظم آلاف المعلمين اعتصاماً في مدارس «الاونروا»احتجاجا على فصل رئيس نقابة الموظفين العرب فيها على خليفة مشاركته في أحد النشاطات النقابية في قطاع غزة، رافضين سلوك المنظمة العبث بالأمن لوظيفي للموظفين ورافعين شعار «المس بأمن وكرامة موظفينا خط أحمر»، وفي السياق وتحت شعار «معركة الأمعاء الخاوية»يخوض أسرى سجون الاحتلال الصهيوني اضراباً عن الطعام منذ أكثر من عشرة أيام، احتجاجاً على سياسة العزل والوحشية وظروف معسكرات الاعتقال اللاانسانية ومصادرة الحقوق المشروعة، مناشدين الرأي العام العربي والعالمي النظر إليهم كسجناء رأي وضمير ومناضلين من أجل الحرية وحقوق الشعب الفلسطيني بالتحرر من وطأة الاحتلال، وعودة اللاجئين إلى مدنهم وقراهم ،وإقامة الدولة الفلسطينية، إضافة لكونهم اعتقلوا وسجنوا بشكل غير قانوني، وناشدت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بصدد ذلك مجلس الإتحاد الأوروبي للتحرك العاجل لإنقاذ حياة الأسرى المضربين بإرسال البعثات الحقوقية والطبية والإعلامية للإطلاع عن كثب لما يتعرض له آلاف الأسرى وذويهم من حرمان لأبسط حقوقهم الإنسانية في ظل صمت وتواطؤ دولي.
ومنه وليس بعيداً عما سبق، الإضراب عن الطعام الذي نظمته أخيرا جمعية «وعد» للتضامن مع أمينها العام «إبراهيم شريف» وبقية المعتقلين ممن أضربوا عن الطعام قبل أكثر من عشرة أيام في سجن (قرين)، إذ ذكر نائب الأمين العام لـ «وعد» في كلمته:«إن الهدف هو إيصال صوتنا، فأميننا العام وقيادات سياسية أخرى تمت محاكمتهم في محكمة برئاسة قاضي عسكري، ويقضون محكوميتهم الآن في سجن عسكري، وهو أمر يتناقض ودستور البلد وقوانينه، فما بالك بالمعايير الدولية»، مضيفاً «بأن القيادات السياسية بحاجة إلى الرعاية الطبية المتعارف عليها، وإن هذا الإضراب حق طبيعي لهم للاحتجاج على حملة الاعتقالات التي نفذت بحق عشرات النساء»، كما جددت قوى المعارضة أثناء تضامنها يوم الإضراب المطالبة بإجراء حوار وطني حقيقي للوصول إلى حل دائم للأزمة السياسية البحرينية.
خلاصة الأمر وباختصار، ممارسة الإضرابات من حيث المبدأ ليس بدعة، بل حق مكتسب ومتوافق عليه في الشرعة الدولية لحقوق الإنسان، وثمة تحديات جوهرية تواجه الغرب تتعلق بعلاقة الدولة بالمواطن وواجبها تجاهه في إطار سياسات حرية الأسواق واحتكار الثروة، فضلاً عن ازدواجية معاييرهم ومواقفهم نحو قضايا الشعوب المطالبة بالديمقراطية، وهي من زاوية ثانية تحديات تواجه قوى مجتمعاتنا المحلية وحكوماتها عند مقاربة نصوص تشريعاتها المدونة ومدى ممارستها وتجسيدها على أرض الواقع فضلاً عن مستوى الحقوق المتحققة والمشرعة دولياً ومحلياً في الدساتير ومنها «حق الإضراب»، ما يستدعي الإجابة على أسئلة كثيرة منها:
- لماذا يمارس الإضراب؟ كيف ينفذ ومتى؟ ما هو نطاقه وحسب أي آليات، متفق عليها أم لا؟ وما إلى ذلك من تساؤلات
إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"العدد 3322 - الثلثاء 11 أكتوبر 2011م الموافق 13 ذي القعدة 1432هـ
فنون الشعوب على مر العصور
من المعروف ان اللغات مختلفة لدي الشعوب، أما التعبير فلا يكون كذلك. فرسم الجمال والتعبير عن الحب .. وكذلك الاحتجاج على عمل غيير سوى ويضر بإنسان فهو كما التعابير الأخرى التي عرفها الإنسان في الفنون كا التمثيل والغناء والرسم والنحت والشعر. ..
نلاحظ ان هذه الفنون عبر الإنسان عن حس راقي للجمال وكذلك عبر عن قبح أفعال. فالفنون مرآة الشعوب. وعمل الإنسان لا يتغير وإنما تتغير الظروف التي يؤدي فيها الإنسان عمله!!