العدد 3320 - الأحد 09 أكتوبر 2011م الموافق 11 ذي القعدة 1432هـ

هل سنكون نحن العرب قِسمَة بين الغالبين؟!

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

الدول هي كجسم الإنسان عندما يمرض ويعتلّ. في أحيان كثيرة، يموت الناس نتيجة لأمراض أصابت أبدانهم. ومَنْ يُعمِّر منهم، فلأنه شديد الحرص على أكله ومشربه، وبالتالي عافيته. صحيحٌ أن هناك من البشر من يموت نتيجة عامل خارجي، إلاَّ أن مَرَضهم، يبقى هو العامل الرئيسي في موتهم.

الدول هي كذلك بالضبط. فالأنظمة السياسية فيها تكون مُعرَّضة للانهيار والسقوط بسبب مشاكل داخلية، سواء في السياسة أو الاقتصاد أو في مجال الحريات. فإذا ما كثرت أدواء الأنظمة صار أجلها قريباً جداً. أما إذا اعتنت بحالها، فإن عُمرها سيطول وسيتمدَّد.

هناك أنظمة سقطت بفعل غزو خارجي، لكن التهديد الأكبر يبقى من غزو الداخل عليها. لا يُمكن لأنظمة أن تعيش بأمراضها حتى ولو تلقت دعماً من دول صديقة. فهذا الدَّعم منوط بتلك الدول، وهو يتضرّر بتضرّرها، وبالتالي يرتبط مصيرها بمصير خارجي لا ينفع استراتيجياً.

مناسبة هذا الحديث هو ما ينتظر منطقتنا من تحوُّلات قادمة باتت تلوح في الأفق، وبات لِزاماً على الأنظمة السياسية العربية الحاكمة اليوم أن تحمي نفسها بشعوبها أولاً وقبل كلّ شيء. فالشعوب هي اللحم الحي الذي تتسيَّج به هذه الأنظمة، فإذا ما جُرِحَ أو خُدِش نَزَف الجسم وأزهِقَت الروح.

يُقال إن التسوية القادمة ستكون كبيرة. ما يجري الآن هو تفصيل لمقاماتها طولاً وعرضاً. سيدخل الأتراك والإيرانيون والمصريون طرفاً رئيساً فيها بتنسيق مباشر مع بريطانيا وألمانيا والولايات المتحدة بالذات. هذه الدول ستدفع لأن تكون زعامات المنطقة السياسية مختلفة.

هم يعتقدون، أن الأتراك يُمكنهم أن يطرحوا نهجاً دينياً لكنه في قالب علماني يسحب البساط عن الثقافتيْن السلفية والأزهريَّة. هذا الترويج ظهَر واضحاً في خطابات رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، وبالتحديد الخطاب الذي ألقاه في مصر خلال زيارته الأخيرة.

هم يُريدون منها ذلك لتمرير صيغة مقبولة من الدَّين الأوَّلي التنسُّكي، الذي تكون فيه العبادات عبادات صرفة لا دخل لها بشئون الحياة والسياسة، مثلما يفعل حزب العدالة والتنمية اليوم بالضبط. جميع سلوكه السياسي علماني بحت، باستثناء لقلقة اللسان.

وأيضاً هم يعتقدون أن التسوية مع إيران ومُقاسمتها المصالح ستعني استثماراً سياسياً واقتصادياً ناجحاً للغرب في العراق (حيث النفط) وأفغانستان (الجنوب الآسيوي). كما أن التسوية معها ستعني أمناً أكثر لتل أبيب، بعد لجْم حزب الله في لبنان، وسحب الدعم المالي والعسكري والسياسي والاستخباراتي عن الفصائل الفلسطينية المسلحة في دمشق.

هم يقولون صراحة للإيرانيين، إن القضية الفلسطينية ما هي إلاَّ قضية «سُنيَّة» بامتياز، والذين زادوا من تعقيدها وتأزيمها هم من أنظمة سُنيَّة أيضاً ومنذ الأربعينيات، وبالتالي فأنتم أيها الإيرانيون (كما يقول الأميركيون) لا ناقة لكم في مأساتها ولا جمل، لذا فالأفضل تركها، ولكم إدارة المنطقة كما تريدين. هذا هو منطق التفاوض بين الجانبين والذي لا يُعلَن صراحة.

وهم يعتقدون، أن تعزيز النموذج السياسي المصري «الديمقراطي» بعد ثورة 25 يناير، يُمكن أن يمنح استقراراً أكثر لشمال إفريقيا وبالتحديد في ليبيا وموريتانيا، ومحاولة تطبيق ذلك النموذج على بقية العالَم العربي، بعدما أثبتت التجربة أن الأنظمة الشمولية وغير الديمقراطية لم تعد تنفع سوى في محاربة الإرهاب، وفي تسويات مؤقتة لأزماتها الداخلية.

فقد أصبح الغربيون يعتقدون، أن الثورة الصناعية التي اجتاحت أوروبا مثلاً، خَلقَت مجتمعاً أوروبياً رأسمالياً وديمقراطياً، لكنه أيضاً ولَّد نظماً سياسية شمولية وفاشية كما حصل في ألمانيا وإيطاليا في ثلاثينيات القرن الماضي، بل وحتى في اليابان خلال القرن التاسع عشر، تسببت في ظهور أزمات دامية في القارة، ذهب ضحيتها عشرات الملايين من المدنيين الأبرياء.

هم لا يُريدون للمجتمعات النفطية أن تنتج أنظمة مماثلة، وفي الوقت نفسه، لا يُريدون للأنظمة الشمولية الحالية التي تقاتل الإرهاب الدولي أن تتحول إلى منهج حكم، يتمرَّد على حجم الفرصة الممنوحة له، كما فعل القذافي مع الجماعة المقاتلة وعلي صالح مع «القاعدة».

لذا فإن الدعم الذي يُقدمه الغرب لعدد من الثورات والانتفاضات العربية هو لهدف واحد يتلخص في إضعاف الأسس الاجتماعية والسياسية للقوى المحافظة داخل الأنظمة العربية غير الديمقراطية، حتى ولو كانت حليفة له، بل إنه تدخل بشكل مباشر في عدد منها ومازال.

فالعالَم العربي سيشهد انقساماً حاداً على مستوى الأنظمة السياسية الحاكمة فيه. بين أنظمة حكم ديمقراطية، جاءت نتيجة ثورات شعبية لكنها مُقادَة من طبقة وسطى نشطة وتكنوقراط، وأنظمة عربية أخرى كلاسيكية مُحافظة من الإرث القديم، ستتقابل مع الأولى.

هذا التقابل يعني غياب التماثل السابق في المصالح والعلاقات، بالضبط مثلما حصَل حديثاً بين الجزائر وليبيا. وربما يُذكِّر ذلك، بما حصل إبَّان الحقبة الناصريّة، عندما انقسمت الدول العربية، ما بين دول تقدميّة وأخرى رجعية، فنشبت حروب بالنيابة بينها في دول أخرى.

هذا الأمر تكرَّر في التاريخ غير البعيد. ففرنسا الثورة، كانت قد تبدَّلت علاقاتها ونظرتها للدول المجاورة التي كانت تحكمها المَلَكِيات المطلقة والبروجوازية الإقطاعية. بل وفي أحيان كثيرة دخلت تلك الدول المتباينة في حروب قاتلة سواء في النمسا أو إسبانيا أو في الدويلات الألمانية، كلّ ذلك بسبب غياب التماثل السياسي القائم بينها وبين جيرانها القريبين.

ما سيحدث في المنطقة هو قريب من ذلك. فالأنظمة المستبدة التي تحكمها طبقات مُحددة من المجتمع تخشى الثورات لسبب واحد ووحيد، وهو أن تلك الثورات ستقضي على نظام الامتيازات الذي تنعم به هي والطبقات الحليفة معها، والمستولية على الأراضي، فضلاً عن شراكتهم الحكم، وبالتالي لا يُوجد حلٌ لها سوى في إعادة النظر في السياسات المتبعة.

أقصى ما يُمكن أن تضمنه هذه الأنظمة لنفسها اليوم هو القيام بحلول سياسية عاجلة على مستوى الداخل، لكي تقطع الطريق أمام تلك المساعي الغربية المريبة نحو معالجة الأمر بشكل هندسي بحت، حين تتم الأمور وكأنها قِسمَة بين غالِبين، من دون أن يكون لنا رأي فيها. هذه هي الحقيقة التي يجب أن يُدركها الجميع قبل فوات الأوان

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3320 - الأحد 09 أكتوبر 2011م الموافق 11 ذي القعدة 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 8:31 ص

      بقرة حلوب

      الخليج ما هو بقرة حلوب وكفى

    • زائر 3 | 3:57 ص

      افكار من التاريخ

      في السابق كانت البحرين تطلق على المنطقة الممتدة من الكويت وحتى عمان . ربما تعود هذه التسمية من جديد

    • زائر 1 | 12:05 ص

      الخليج

      قبل مدة طويلة تحدث الكاتب الكوريتي عبدالله النفيسي بان الخليج سيتحول الى ثلاث دول فقط هي السعودية والكويت وعمان فهل هذا صحيح؟

اقرأ ايضاً