الحاج بهيج صديق حميم لأحد الشيوخ الفضلاء في قريته، قصده زائراً ذات ليلة، طرق الباب فخرج الشيخ مستبشرا بمجيئه، ألقى تحية الإسلام وأراد الدخول على العادة، فأخبره الشيخ بأنه مع زوجين مختلفين، يكاد خلافهما أن يوصلهما إلى الطلاق، حاول بهيج الرجوع، فأصر الشيخ عليه وجره إلى داخل الدار.
كان بهيج يستمع للمشكلة ويعيش آلامها في نفسه، الزوجة تطلب الطلاق، لأن الوضع المالي للزوج تعيس، والزوج يؤكد أن الوضع متعب، وأنه لا يملك أكثر من راتبه، ثم يسلم بطلب الزوجة، ولكنه يذكرها بطفلتين صغيرتين، كيف سيكون مستقبلهما؟ كيف ستعيشان حياتهما؟ كيف ستواجهان ضغوط الحياة، تبكي الزوجة ثم تجفف دموعها، فيطلب الشيخ منهما المجيء بعد أسبوع ليجري لهما الطلاق إذا أصرا عليه.
لم ينم بهيج ليلته هادئا، أخبر زوجته التي أزعجها تقلبه على الفراش بقصة الزوجين وبمستقبل الطفلتين، فتفاعلت معه، ورفعت رأسها عن وسادتها لتجلس إلى جانبه. تأملت ليال في قسمات وجه بهيج، ثم التفتت إليه، وجدت الحل يا بهيج، وما هو يا ليال؟
أنا وأنت قررنا أن نذهب للحج مرة أخرى هذا العام، ما رأيك لو قدمنا نفقة الحج لتلك العائلة وبقينا هنا؟ لقد أدينا واجب الحج قبل 3 سنوات، فلنسعد هذه العائلة ونحافظ عليها.
بقي بهيج ينتظر موعد اللقاء بين العائلة والشيخ إلى أن حل زمانه، ذهب وبيده المال، مد يده محملة بـ 20000 ريال سعودي وتمنى من الزوج قبولها.
قبلها الزوج بعد خجل وممانعة، وما ان تسلمها حتى أخرج بهيج إحرامه وارتداه فوق ملابسه على هيئة المحرم، واتجه نحو القبلة وقد هطلت عيناه بالدموع وقال بصوت خاشع «لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك لبيك»، أبكى بهيج الشيخ، وعاش الجميع حالة غير معتادة من التأمل، ثم استأذن الجميع في الخروج، وقد حفوه بالدعاء له ولعياله.
لقد عمر قلبه بالفرحة والسعادة حين استقبلته زوجته مبتسمة وهي تقول له: تقبل الله أعمالك، وجعلها في ميزان حسناتك.
تتعدد طرق الوصول إلى الله سبحانه، وأغلبها سهلة ويسيرة، وعلى الإنسان أن يتأمل الطريق الأعلى ثوابا والأكثر نفعا، بعد أن يأخذ الظروف والمتغيرات من حوله في الاعتبار.
ليس دائما ما اعتدنا عليه هو الأثوب، وليس دائما ما نتوقع رجحانه هو الأرجح، ولا يمكن فهم الأولوية في بعض المستحبات الواردة في بعض الروايات إلا بعد معرفة الأجر والثواب في العمل الذي يقابلها.
ماذا لو دار الأمر بين ذهابي للحج المستحب وبين تبرعي بالمال لجاري الذي يحتاج بصره لعملية جراحية تمكنه من السعي والعمل لتحصيل قوت عياله؟
ماذا لو كانت الكهرباء ستقطع عنه لأنه غير قادر على سداد الفاتورة؟ ماذا لو قرر المؤجر طرده وعياله من سكنهم لأنه لا يتمكن من سداد قسطه الشهري؟
ثم ماذا لو ضاقت الظروف بالناس، وصعبت عليهم المعيشة لأي سبب ولأي ظرف كان؟ أعتقد بأن علينا على أقل التقادير أن نسأل ونبحث عن الثواب الأجزل أين يكون؟
أيها القارئ العزيز، ربما كان مقالي على غير ما تحب، وعلى غير المعتاد، لكنه أسطر في أشهر الحج وعلى أبواب أيام الحج، فكيف سنحج إلى الله حجا مستحبا؟ وكيف سنصل إلى رضاه؟ وأي طريق سنسلك؟ علما بأن الطرق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق كما ورد في الروايات
إقرأ أيضا لـ "الشيخ محمد الصفار"العدد 3320 - الأحد 09 أكتوبر 2011م الموافق 11 ذي القعدة 1432هـ
أسلت دموعي يا شيخ ابو محسن
جزاك الله الف الف خير على هذه الكلمات الايمانية النابعة من قلب ملئ بحب الله وطاعته ومرضاته ان شاء الله الكريم..
فعلا يا شيخ ابو محسن تتعدد طرق الوصول الى الله تبارك وتعالى وليس ما ألفنا عليه أبداً هو حتماً الأفضل دوماً فلربما هناك من الأعمال ما هو له بديل ولربما أكثر ثواباً وأجزل أجراً..
رعاك الله ياشيخ ولا أبكى لك عيناً في غير طاعته فقد والله أسلت دموعي..
احمد بن سعيد الصفار
شكرا لك
لأول مرة أقرأ للكاتب. ولسوف أدوام على قراءة مقالاتك مادام هذا عطاؤك
شكر و..
شكر وتقدير للكاتب المحترم ونقول له أن الدال على الخير كفاعله ..
مقال رائع
فعلا لقد ابكاني المقال قمة الروعة ياليت الكل يقراءه لما له من شفافية ورقة تلامس القلب . اسال الله لكم الموفقية
اكرموهم يكرمكم الرحمن
جزاكم الله خيراً . و نعم الحج حج بهيج .نتمنى لحجاجنا حجا مبرورا و ذنبا مغفورا . و اقول للحجاج الأجر على قدر المشقة . حتى لو دفعت قيمة الحج فهناك ظروف لا يمكن للمقاول تلبيتها كما يجب . فمثلا لو تأخر الغداء في منى لإغلاق المنافذ و تأخر لوجبة العشاء . فلا تتذمر و دبر حالك . و اقول للمقاولين اتقوا الله في حجاج بيت الله . فهم ضيوف الرحمن فاكرموهم يكرمكم الرحمن