قد يكون الكاتب اللبناني قاسم قاسم بين القلائل الذين يكتبون قصص الخيال العلمي في العربية ومن الذين يكتبونها بسلاسة إلا أن ذلك كله قد لا يكون كافياً لكتابة رواية تتسم بالتميز.
صحيح أن عالم هذا الأنواع من الروايات لايزال غريباً علينا وأن خطوة قاسم في هذا المجال وهي ليست خطوته الاولى تشكل في حد ذاتها سبباً لإشادة ما بالعمل الجديد. لكن المشكلة هنا تكمن في ان القاريء الذي يقرأ عمل قاسم قد يشعر بأن العمل ليس جديداً عليه.
المقصود بذلك هو أن القارىء طوال الوقت الذي يمضيه في القراءة لايستطيع التخلص من شعور يرافقه هو تذكر أفلام سينمائية أجنبية من هذا النوع إلى درجة يبدو فيها الكاتب كأنه اقتصر على النسج على غرار تلك الأفلام. ويبدو أحياناً أن مرجع الكاتب أو العالم الذي يكتب عنه ليس عالمنا أو عالمنا المتصور لكنه تلك الأفلام. ويبدو أن كل ما يفعله الكاتب هو اخذنا في «سياحة» في البعض منها أو في ما يشبهها.
واذا كان النقد القديم قد قال سابقا إن الأدب هو محاكاة الحياة او الطبيعة فقد يصح مع قاسم على رغم المتعة التي تقدمها روايته القول إن الأدب هو هنا محاكاة افلام الخيال العلمي. جاءت الرواية في 156 صفحة متوسطة القطع وصدرت عن دار (بيسان) للنشر والتوزيع والاعلام في بيروت. تبدأ الرواية مع قدوم سامي الطيار إلى عالمنا.
إنه غريب عنه ويبدو أن مركبة فضائية جاءت به وانه يعاني من خطأ؛ ما يجعل حياته غير واضحة وغير كاملة. تعرض سامي لفحص من دوائر طبية وعلمية لم تستطع الوصول إلى حقيقته تماما لكن نجاحاً محدوداً سجل في اكتسابه بعض لغتنا الأرضية.
قد جاء سامي إلى عالمنا بعد ويلات أصابت هذا العالم وجعلت أشياء فيه تختفي وتزول وأن المدينة «تعرضت لكارثة رمادية حجبت الشمس وعطلت حركة المطارات ودب الذعر في نفوس الناس.
انقطعت الاتصالات بين المسافرين وأهلهم ناموا في العراء تشردوا جاعوا عطشوا أما من علق على الطرقات فقد اخفته الرمال». الا ان ذاكرة بعض العجائز بقيت محافظة على معرفة قديمة جعلتهم يقدرون أن سامي الذي يحمل اسم جده المتوفي انما كان أصلاً من بلدهم وأنهم عرفوه طفلاً قبل أن يختفي أبوه في الفضاء عند درب الحليب واختفى هو معه. ولسامي تعابير مختلفة عن تعابير أهل المدينة لكنها تسعى إلى أن تحاكيها. نقرأ عن جلسة له مع أطباء وعلماء يسعون إلى معرفة شيء عنه «في الوقت المحدد استدعوه فبادره طويل القامة فوراً: هل لك اقارب في المدينة ؟رد بما معناه (أخبرني المتقدم في الزمن العجوز) إن جدي يقيم في المقبرة» علق متوسط القامة على كلامه: (وانت أين تقيم؟) صمت سامي ولم يجب».
حذاء سامي يختلف عن أحذية أهل المدينة ولون بطلنا أقرب إلى الأخضر كالضفادع وهو أحياناً يطلق نوراً من اصبعه في عملية معرفية غريبة. كان يقول انه قادم من القمر الأزرق في الفضاء الخارجي حيث «السمك يطير الحيتان ايضاً تطير الشجر باسق والبحر عال الشجر في الأسفل». في المدينة تدب غيرة إنسانية ونسائية بين الممرضة الأربعينية الشقراء والطبيبة نور التي تهتم به طبياً وإنسانياً. وكان سريع التعلم؛ بل سريع الحفظ في شكل غريب.
عندما تسأله الطبيبة سؤالاً لا يستطيع الجواب عنه فإننا نجد أنفسنا إزاء كائن ذي جهاز خاص به يوجهه. سألته سؤالاً و»اظهر جهازه صورة مشوشة فاسرع قائلاً : (الصورة مشوشة) فعلقت وقد أصبحت خارج الكوخ (تصرفك هو الغريب). وقالت له: عجيب امرك تتحدث إليّ وكأنك تراني صورة.» فأجاب «اراك صورة...» دخل مرة بين الأشجار «حاول التقدم انما كثافة الاشجار وقفت سداً أمامه فعمد إلى إضاءة إصبعه فظهرت له ملامح قطع صخرية وأشجار باسقة وأظهر له جهازه صورتين صورة من القمر الأزرق؛ بينما الصورة الثانية أمامه...». ويصفه أحد الباحثين بقوله للطبيبة «لكن مريضك سامي متفوق علينا في دماغه وهو آلة وليس انساناً وخموده ناتج عن بداية فقدان الطاقة لديه... إن الصور التي يبثها الروبوت تبين حاجته لرد الطاقة... (رأينا منه الجانبين الانساني والآلي ايهما برأيك...هو سامي الطيار؟ كلا الاثنين) يجيب زميله. ويظل يردد (الصورة ناقصة... الصور الأرقام)».
وفي حالة مميزة ما إن لمس إصبعه المضيء حتى شاهد الصورة كاملة وأدرك وضعه وأنه كان هنا أصلاً قبل أن يختفي هو ووالده والعائلة «وحين نظر من خلال الزجاج شاهد نور والصديق المفترض والشقراء والعجائز والنادل وإدارة العلوم والطب يلوحون بأيديهم؛ فيما سمع الطبيبة نور تحدث نفسها : (وأخيراً عثر سامي على دارته)»
العدد 3320 - الأحد 09 أكتوبر 2011م الموافق 11 ذي القعدة 1432هـ