العدد 3319 - السبت 08 أكتوبر 2011م الموافق 10 ذي القعدة 1432هـ

امتهان كرامة المواطن عبر فصله أو «إرجاعه ظاهرياً»

أحمد الصفار comments [at] alwasatnews.com

-

لا ينكر أحد - إلا من لديه توجهات مسبقة - أن العمل النقابي في البحرين شهد تراجعاً غير مسبوق في تاريخ هذا البلد الصغير بعد الأحداث التي حصلت في شهري فبراير/ شباط ومارس/آذار الماضيين وما تبعها من فصل تعسفي منظم. فكل الأعراف المهنية ضرب بها عرض الحائط وأعدت لوائح جديدة غير تلك المتفق عليها عرفاً وقانوناً، فتم على أساسها فلترة الموظفين وتصفيتهم على عجل لم يضبطه تفكير أو يحاسب عليه ضمير.

هذا التراجع بحاجة إلى استدراك سريع من قبل وزارة العمل التي تعترف بهذه الحقيقة، لكن يبدو أنها لا تعلم أن بعض المؤسسات والشركات الوطنية الكبرى أرجعت الجزء اليسير من موظفيها الذين سرحتهم وبعد ذلك ركنتهم في الرفوف، أي أنها في ظاهر الحال استجابت للأوامر الملكية وامتثلت للنداءات الرسمية المتكررة بطي هذه الصفحة، إلا أنها لم تكلف المرجعين بأي عمل بل يعودون إلى منازلهم كل يوم كما غادروها في الصباح، يسجلون حضورهم ويجلسون يتبادلون النظرات فيما بينهم وعلامات الاستفهام تكسو وجوههم، وفي المقابل لا جواب.

ذلك أسوأ صور امتهان كرامة الانسان، أن تفصله ومن ثم تعيده إلى عمله على مضض بعد مخاض عسير وحرب طاحنة وتجلسه كالأريكة لا يبرح مكانه ولا يقدم أي فعل منتج ويحصل على راتبه مجاناً، فيشعر أنه عالة على المجتمع، وعبئاً على كاهل وطنه الذي خدمه طوال سنين من عمره، ومن ثم جاء اليوم الذي يكون فيه صفر الناتج.

والأكثر إيلاماً ألا يعوض المفصول عن الأشهر التي قضاها بلا عمل يكابد الحياة ويناغيها حتى لا تقسو عليه أكثر من قسوة صاحب العمل، الذي وجد من أزمة طارئة وسيلة لتخفيف العبء الإنساني على الموازنة أو لإحلال آخرين بدلاً عنه يلتقي معهم في المصالح أو حتى النسب وصلة القرابة.

ما يجري يمثل قمة الاستغلال بأن يجبر الموظف المفصول على توقيع تعهد بشروط مهينة، تعطي للمؤسسة التي يعمل فيها الحق بأن تفصله مجدداً على أقل زلة أو هفوة مهما صغرت أو كبرت.

فإذا كانت اللجنة المعنية النظر في مسائل التسريح، تؤكد علناً أن ما جرى يقع في إطار الفصل التعسفي، وأن الشركات لا يحق لها محاسبة العامل خارج وقت العمل، وهناك معايير أعلنها رئيس اللجنة وزير العمل عرضت على الجهات العليا في البلاد وتم اعتمادها، فلماذا تصاغ تعهدات خارج هذا الاتفاق؟ ولماذا تمارس الضغوط على الناس لجعلهم ينفرون من العودة ويفضلون البقاء عاطلين في منازلهم على أن تمتهن كرامتهم ويشعروا بالإذلال والمهانة لمجرد أنهم طالبوا بحقهم في العودة لممارسة حقهم الطبيعي في العمل والتكسب بكدهم وتعبهم؟

المحاربة في الأرزاق لا تعطي أي شرف لمن يمارسها ويوافق عليها، فأثرها لا يقوِّم سلوكاً ولا يصلح اعوجاجاً، بل يصعد من حدة النقمة والأسى ويفاقم جرح الوطن ويصدر مفاهيم الكراهية والحقد بين الناس، وخصوصاً حين تنزع اللقمة من فم جائع لتعطى إلى غيره وهو صاغر صابر لا يعلم كيف يسترجع حقه المسلوب.

إن كانت الأعراف الدولية ودساتير حقوق الإنسان تعتبر الإعدام بحق المتهم المدان عقوبة جسيمة يجب عدم الأخذ بها مراعاةً لاعتبارات الرحمة والرأفة، فإن وقع قطع الرزق أشد ألماً وأحد من نصل سياف يستعد لتنفيذ عقوبة الإعدام على نفس المفصول، فأين مراعاة هذا الجانب فيما يجري الآن من حماسة لم يسبق لها مثيل، تنم عن رغبة في الإمعان بأخذ العقوبة مهما أوقعت من أثر أو خلفت من مآسٍ وأضرار مادية ونفسية.

ما هو المطلوب من عامل محطم المعنويات مكسور العزيمة مهشم الإرادة؟ هل عليه أن يكون في قمة العطاء كما كان؟ كيف له أن يستميت ويبدع ويتفانى في تحسين قدراته وهناك من يحاربه بشتى الوسائل والأساليب؟

الترهيب الآني الذي يمارس الآن ضد من تم إرجاعهم إلى أعمالهم قد يكون فاعلاً من وجهة نظر صاحب العمل ولكن تداعياته قد تكون وخيمة على قطاع الانتاج على المدى البعيد.

المواطن البحريني مشهود له بين دول المنطقة والعالم، بأنه فرد يستبسل في العطاء ويمتاز بعطاء فريد تشهد له مصاهر ألبا وخزانات بابكو ومعامل البتروكيماويات.

لدينا طاقات زاخرة عرضت عليها آلاف الدنانير وقدمت لهم الامتيازات واستخدمت من أجلها مختلف الاستمالات النفسية والعاطفية حتى تترك وطنها البحرين لتعمل في بلد آخر، إلا أنها تمسكت بكل ذرة من ترابه وأبت أن تفارقه بعيداً، لأنها تعشق «زرانيق» المحرق وفخار عالي ونسيج بني جمرة وسواحل الزلاق.

اليأس قد يدب في نفس أي خائب خامل أهدافه لا تتعدى حدود أنفه وهذا الوصم لا يطول عزيمة المواطن البحريني، فطالما بقي هواء وسطعت شمس فإن قضية المفصولين ستبقى حية ماثلة في المشهد البحريني حتى يشاء الله أن يصحى الضمير وتزول الغشاوة عن الأعين ويهل الفرج

إقرأ أيضا لـ "أحمد الصفار"

العدد 3319 - السبت 08 أكتوبر 2011م الموافق 10 ذي القعدة 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 22 | 1:44 م

      في الصميم

      هذا مايحدث الآن في طيران الخليج حيث ان أختي أحد الضحايا

    • زائر 20 | 7:23 ص

      العودة

      ما ضاع حق وراء مطالب-ما دام هناك مطالبة الى العمل جراء الفصل الفئوي فلا بد ان يستجيب القدر!.

    • زائر 19 | 7:19 ص

      الفصل

      سئل أحد الوزراء في أحد الدول الغربية..متى سوف تستقيل؟فرد قائلاُ:إذا فصل أحد الموظفين.فسئل لماذا؟قال:لأن لا يمكن أن أقوم بواجبي.!!يا ترى ما السر من حجم التسريح في هذا الوطن لفئة معينة فقط؟؟؟؟.

    • زائر 18 | 6:36 ص

      قال احد الدبلوماسيين في البحرين

      ان الفصل عن العمل يشكل عقبه امام إحراز اي تقدم ايجابي في الوضع الامني في البحرين وقد تخرج من المفصولين معارضه اكثر تصلب

    • زائر 17 | 6:21 ص

      ابو ابراهيم : الي جميع المفصولين مع كل المحبه لكم اقبلوا مقترحي

      لنفعل المطالبه بالمراسلات خطاب للديوان الملكي ونسخة منه لمنظمة العمل الدولية يوقع عليه جميع المتضررين من الازمه بالوقف عن العمل او الفصل وليكن ذلك من مقر الاتحاد العام كممثل لنا جميعا

    • زائر 15 | 5:54 ص

      لن نيأس و لن نستكين

      سنعمل و سنكافح حتى نسترجع كل حقوقنا و نحصل على على الحقوق االمسلوبة و على رأس المطالب حكومة منتخبة

    • زائر 14 | 4:37 ص

      بيض الله وجهك يا صوت المظلومين

      شكرا لكم على ذكر موضوع المفصولين الذي تتقاذفه السلطات

    • زائر 13 | 3:16 ص

      إبتسم أنت في البحرين

      في البحرين فقط يطرد المواطن من عمله لأنه طالب بحقوقه المشروعة
      وإن تكلم قد يواجه السجن المؤبد
      عاشت الديمقراطية والحرية

    • زائر 12 | 2:19 ص

      شكرا

      شكرا لك استاذي على هذا المقال الجميل المعبر

    • زائر 10 | 1:55 ص

      للمفصولين معانا

      شكرا أخى العزبز سطورك يتألم لها القلب قبل أن تدمع لها العيون للمفصولين قصص لا يعلمها سوء الله وحدة المفصول يتألم ومن خلفة أربعة او خمسة يعانون ولا يعلمون مصير كافلهم حتى بعد أعادة للعمل والحالة النفسية التى يعيشها فى محيط العمل وما هو العمل

    • زائر 9 | 1:48 ص

      أطمئنك أخي أحمد بأن التراجع النقابي لن يطول -2

      نعم قد طالت المدة لارجاعنا حتى نعي ما عاناه أيوب عليه السلام وما عاناه الصابرون على محنهم ثم يأتي الفرج فنفرح ويفرح معنا أبناء البحرين فنبدأ من جديد بعزيمة أقوى على البناء والعطاء. لن يخذلنا أحد ولن نتراجع عن المطالبة بحقوقنا وسنضع بعد حين قريب وسام الفصل على صدر كل زوجة مفصول وزوج كل مفصولة وكل أم مفصول وأب كل مفصول ونقول لهم بصوت مرتفع " شكراً لكم"

    • زائر 8 | 1:47 ص

      شكرا على المقال

      قتطافا من المقال:ذلك أسوأ صور امتهان كرامة الانسان، أن تفصله ومن ثم تعيده إلى عمله على مضض بعد مخاض عسير وحرب طاحنة وتجلسه كالأريكة لا يبرح مكانه ولا يقدم أي فعل منتج ويحصل على راتبه مجاناً، فيشعر أنه عالة على المجتمع، وعبئاً على كاهل وطنه الذي خدمه طوال سنين من عمره، ومن ثم جاء اليوم الذي يكون فيه صفر الناتج.
      بالفعل فالعديد ممن أرجعوا تم أخذ وظائفهم كما قال الكاتب:لإحلال آخرين بدلاً عنه يلتقي معه [صاحب القرار] في المصالح أو حتى النسب وصلة القرابة.
      و شكرا على المقال.

    • زائر 7 | 1:39 ص

      أطمئنك أخي أحمد بأن التراجع النقابي لن يطول -1

      ستسمع أخباراً طيبة خلال الأيام القليلة القادمة مفادها أن المفصولين والموقوفين عن العمل من القطاعين العام والخاص قد تكاتفوا فيما بينهم وشكلوا فريقاً داعماً للاتحاد العام لنقابات عمال البحرين في توجهه نحو ارجاع جميع المفصولين والموقوفين الى أعمالهم دون استثناء ويشملون المنسيين من تمكين.

      سنبين الأسباب الحقيقية التي من أجلها فصل ووقف عن العمل أكثر من ثلاثة عامل من أبناء هذا الوطن الغالي علينا جميعاً. سنسعى بأن تكون القيادة في صفنا والمسئولين في صفنا وكل نزيه من أبناء هذا الوطن في صفنا.

    • زائر 6 | 1:28 ص

      الرازق

      لا يوجد صلة بالبت بين الاحداث السياسية والتسريح بشكل تعسفي لفئة معينة من المجتمع بالتحديد سوى تفسير واحد وهو الحاق الضرر بتلك الفئة بدوافع سياسية وزرع الفتنة الطائفية!!!.

    • زائر 4 | 12:42 ص

      شكرأ لك اخي الكاتب على هذ المقال

      كم انا تأثرة عندما قرائة هذ المقال ؟وكم من الدموع منعتنى من مواصلت القرائة رغم انه لأيعنيني فانا متقاعد من 12سنة ,ولأكن هذا الموظوع تخيلتة كالملح على الجرح عندما اتصور الموظف اوالعامل العائد الى عملة وهو بهذة الطريقة,فعليه لأيسعني الأ أن أقول لأحول ولأقوة الابالله العلي العظيم وانا لله وانا اليه راجعون: حسبنا الله وهو نعم الوكيل, والله يكون في عون الجميع.

    • زائر 3 | 12:12 ص

      في مملكتنا فقط

      لايوجد ........ولايوجد وكلها فقط لنكذب على العالم ونعتقد انه يصدقنا وللاسف تكذب ونصدق الكذبة في مملكتنا يوجد اشخاص يأخذونك يسيرا ويمينا حسب اهواءهم بعيدين عن القانون ولايؤمنون به اساسا في مملكة شعارها تطبيق الغانون ولكن اي غانون!!!!!

      ابو سعد

    • زائر 2 | 11:38 م

      من له قلب

      هذا الكلام من له قلب سليم لا يحمل الحقد والبغضاء على احد.

    • زائر 1 | 10:43 م

      بارك الله فيك

      شكراً لك اخي العزيز على طرح موضوع المفصلوين بستمرار ، ولا يكتب الا صاحب الضمير الحي الذي فقد في هذه الايام، شكراُ لك

اقرأ ايضاً