ما فلسفة الاحتفال بالأيام الوطنية والعالمية في مؤسساتنا التعليمية؟
بداية لابد لنا أن نقترب من مفهوم الحياة المدرسية بوصفها البوتقة التي ينصهر فيها جميع الطلبة بشتى مكوناتهم وانتماءاتهم، فهي التي تزوِّدهم وتمكنهم من أساليب وأنماط الحياة الاجتماعية.
هذا الكلام مثار اهتمام باولو فريري الذي يقول في كتابه المشهور «تعليم المقهورين»: «إن الحقيقة الاجتماعية لم توجد بالصدفة، بل وجدت كنتيجة لجهود الإنسان، كذلك فإن عملية التغيير لا تتم بالصدفة، وإنما كنتيجة لجهود الإنسان، وإذا كان الرجال هم الذين يحدثون التغيير في الحقائق الاجتماعية، فإن تلك الحقائق تصبح بالضرورة عملاً تاريخياً من صنع الرجال».
ما يميِّز الحياة المدرسية هو قدرتها على التكيُّف مع التحولات العامة في المجتمع، لأنها مؤسسة يراد لها تشجيع دمقرطة الحوار وتفعيل آلياته، وهي بالتالي تعكس أرقى صور الحياة المدرسية القائمة على الشراكة في تحمل المسئوليات وصنع القرار بين جميع المنتسبين للمؤسسة التعليمية.
إن فكرة الاحتفال بالأيام والمناسبات، إنما هي فكرة قديمة عرفتها البشرية والأديان على امتداد العصور، فالقرآن الكريم مثلاً يحتفل بقصة ولادة النبي عيسى (ع) كمحطة للتأمل في الحادثة التي تمثل خرقاً للقانون الطبيعي في عملية الخلق.
في الوقت ذاته، يعتبر البعض الاحتفال بالمناسبات الوطنية والعالمية فرصة مهمة لتخليد ذكريات الشعوب والأمم التي ناضلت من أجل حرية الإنسان وكرامته، لأن هذه الاحتفالات والمناسبات من شأنها أن تربط الشباب والناشئة بقضايا الوطن والعالم من حولهم.
وإذا أردنا أن نقيِّم ممارسات كثير من المدارس وتطبيقاتها في مسألة الاحتفال بالأيام الوطنية والعالمية لوجدنا اجتراراً واضحاً في دائرة مختزلة من الفعاليات والمناسبات المحددة والمألوفة لدى المعلمين والطلبة على حد سواء، لذا اقتضت الحاجة الاتفاق على إدراج عدد من الأيام العالمية ضمن الخطة السنوية للمدارس، من خلال دليل إجرائي وعملي يحدِّد الأيام المزمع الاحتفال بها، وتوظيف الآليات والاستراتيجيات التعليمية/ التعلمية لتحقيق مضامين هذه الأيام المهمة التي هي محل إجماع الشعوب في العالم.
بالطبع فإن لكل مناسبة خصوصيتها، من قبيل الشعار الوطني أو العالمي الموحد الذي يتم اختياره، ولكن يبقى الهدف الرئيسي من الاحتفال بالأيام الوطنية والعالمية في حفظ الذاكرة والوعي الطلابي، لما يمكن أن يمثل نقطة التقاء على مفهوم الوحدة الوطنية وقبول الآخر ضمن مبادئ العيش المشترك، وربط التجربة الوطنية بالتجارب العالمية التي شهدت نمواً وتقدماً كبيراً في حقل التعليم.
قد نحتاج إلى إعطاء دفعة أكبر لأنشطة الحياة المدرسية، من خلال الانفتاح على القضايا الإنسانية الكبرى، وربط ما هو محلي بالعالمي، باعتبارنا جزءاً من هذا العالم.
عملياً، فإن عدد الأيام الوطنية والعالمية كبير نسبياً، لذا تؤكد بعض الأدبيات التربوية ضرورة التركيز على أربعة مجالات، هي: الصحة، والبيئة والتنمية، والتربية على المواطنة وحقوق الإنسان، الثقافي والاجتماعي.
إن تقسيم الأيام الوطنية والعالمية وفقاً للمحاور الأربعة السابقة يتيح لأعضاء الهيئتين الإدارية والتعليمية اختيار يوم واحد على الأقل شهرياً في أحد المجالات الأربعة للحياة المدرسية يكون هو الأساس الذي ننطلق منه، واختيار الموضوع يكون على أساس الارتباط بالخصوصيات المحلية، واحتياجات الطلبة ومستواهم في التحصيل الدراسي واهتماماتهم وفئاتهم العمرية.
ولنأخذ مثالاً على ذلك، فعندما نحتفل بعيد المدرسة، فإننا نحسِّس الطلبة بأهمية إجراءات السلامة والوقاية على المستوى الصحي، وفي مجال البيئة والتنمية المستدامة نؤكد أهمية المحافظة على نظافة مرافق المدرسة، وفي مجال التربية على حقوق الإنسان والمواطنة، نبيِّن للطلبة حقوقهم وواجباتهم ضمن القوانين والتشريعات المحلية، وفي المجال الثقافي والاجتماعي، نقوم بتوزيع الأدوات المدرسية على الطلبة الفقراء والمعوزين.
النشاطات الخاصة بالاحتفال بالأيام الوطنية والعالمية تأخذ أشكالاً كثيرة تضمن مشاركة حقيقية ومهمة للطلبة على مستوى حملات نظافة السواحل والاهتمام بالبيئة والإقلاع عن التدخين، وتنظيم الرحلات والزيارات إلى المواقع السياحية والأثرية، وإقامة المباريات والمسابقات والمهرجانات، واحتضان نتاجات الطلبة وإنتاجاتهم الأدبية والفنية مثل البحوث والرسومات والأفلام والمسرح والمقالات والشعر وما إلى ذلك.
من باب الإنصاف، فقد أثبتت المنظمات الدولية أن لها رؤية متقدمة في هذا المجال، فهي تستفيد من الاحتفال بالمناسبات العالمية لتنفيذ برامج عملها على المدى المتوسط والبعيد، والدليل على ذلك قيام وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) رسمياً بإطلاق استراتيجية إصلاح النظام التعليمي ولمدة خمس سنوات بدءاً من العام 2011 ولغاية 2015 بالتزامن مع اليوم العالمي للمعلمين، في مناطق عملياتها الخمس: الضفة الغربية وقطاع غزة والأردن وسورية ولبنان، بقصد تطوير إمكانات المعلمين والمناهج ومستوى الطلبة وتقييمهم، والتعليم الشامل والتدريب التقني والمهني، وتشجيعهم على الثقة بالنفس وابتداع الأفكار الخلاقة، ومهارات التفكير العليا وطرح الأسئلة، وتنمية قيم التسامح والمحبة، والاعتزاز بالهوية الفلسطينية والمساهمة بشكل إيجابي وفعال في تنمية مجتمعهم والمجتمع العالمي بوجه عام.
هذا التوجُّه من قبل وكالة الأونروا ليس اعتباطاً، لأن التعليم يشكل أكبر برامجها، إذ يمثل أكثر من نصف الموازنة الاعتيادية للوكالة، فهي تدير واحدة من أكبر الأنظمة المدرسية في الشرق الأوسط، حيث توفر لنصف مليون طفل من اللاجئين الفلسطينيين التعليم الأساسي المجاني كل يوم.
أمس الأول، نشرت صحيفة «الوسط» رسالة من المنظمات الدولية إلى المعلمين في يومهم السنوي (الخامس من أكتوبر/ تشرين الأول من كل عام)، وبما أن فعاليات هذا العام 2011 ستتركز على موضوع «المساواة بين الجنسين لدى المعلمين»، لتحقيق أهداف التعليم للجميع والأهداف الإنمائية للألفية، لذا كان من الواجب على مؤسساتنا التعليمية في البحرين الاحتفال بالأيام الوطنية والعالمية، بهدف تنمية الوعي بقيم المواطنة وحقوق الإنسان، كالاحتفال مثلاً باليوم العالمي للمرأة للتأكيد على «حق المساواة» بين الجنسين، بوصفه حقاً من حقوق الإنسان، وإلغاء جميع أشكال التمييز القائم على أساس الجندر.
مما يبعث على التفاؤل أن الساحة البحرينية مفعمة بالكفاءات التي تفكر دائماً «خارج الصندوق»، كيف لا وهي تترجم لنا أروع صور الاحتفال الحقيقي بالأيام الوطنية والعالمية، فقد تابعنا حديثا ـ في الأسبوعين الماضيين ـ أخباراً عن حصول بحرينيين على جوائز ارتبطت بموضوع مقالنا، فقد فاز رئيس تحرير «الوسط» منصور الجمري بجائزة حرية الصحافة، والصحافي سعيد محمد بجائزة اليونسيف الإقليمية في حقوق الطفل، كما فازت الوكيل المساعد للرعاية الأولية والصحة العامة مريم الجلاهمة بجائزة إقليم شرق المتوسط لمكافحة التدخين ضمن ست شخصيات في الإقليم
إقرأ أيضا لـ "فاضل حبيب"العدد 3319 - السبت 08 أكتوبر 2011م الموافق 10 ذي القعدة 1432هـ