في كل وقت تتحول الأمور فيه نحو الأسوأ في إسرائيل، وفي كل وقت أفكر فيه أن هذه الدولة امتلأت بشكل زائد بالخوف والعدوانية بحيث لم تعد تستطيع تحقيق السلام، أذكـِّر نفسي، بأن الطريق الذي نتبعه يؤدي إلى جدار أسمنتي، وفي يوم من الأيام سنصطدم به. وبعد أن يتلاشى الألم ونزيل الغبار عن أنفسنا، سنرى أن الجدار الأسمنتي مازال واقفاً. وفي تلك اللحظة لن يكون أمامنا خيار سوى تغيير الاتجاه.
الجدار الأسمنتي على الطريق أمامنا هو العزلة الدولية إلى درجة وضع الدولة المنبوذة، مضافاً إليها تصعيد مستمر في التهديدات الأمنية الخطيرة دون أمل معقول بالتغلب عليها بالقوة العسكرية.
اتخذت إسرائيل الأسبوع الماضي في الأمم المتحدة خطوة عملاقة أخرى باتجاه ذلك الجدار. من خلال تعزيز معارضة إسرائيل لطلب الفلسطينيين إنشاء الدولة، تبدو الولايات المتحدة وقد أخرجت نفسها خارج مجال التأثير في النزاع الإسرائيلي الفلسطيني وربما من الشرق الأوسط كله.
عملت الحكومة الإسرائيلية يدعمها الحزب الجمهوري واليمين المسيحي الأميركي واليمين اليهودي الأميركي على ثني الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى أبعد مما هو محتمل هذه المرة. من خلال الوقوف في وجه التوجه الفلسطيني نحو الدولة، لم يعد أوباما مفيداً لإسرائيل بعد الآن. لقد فقد حتى ثقة القائد الفلسطيني المعتدل محمود عباس. لذا فهو لم يعد يستطيع الضغط على الفلسطينيين ليكونوا ميّالين نحو التسوية، كما كان يستطيع في الماضي.
من المشكوك فيه أيضاً أن باستطاعته التأثير على مصر أو تركيا أو الأردن أيضاً، وهي دول كانت إسرائيل تعتمد عليها كمتراس ضد أعدائها المتطرفين.
هذا ليس جيداً لإسرائيل. وإذا كان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يعتقد بأن بيتاً أبيض جمهورياً سيهب لنجدته، فإنني أشك أن أياً من المرشحين الجمهوريين سيتمكن من اكتساب أصدقاء والتأثير على الناس لهذه الحكومة الإسرائيلية أكثر من أوباما الآن، وأنا بالطبع أقلل من خطورة الأمور.
هناك مثل عبري يقول: «إذا أصبحت طماعاً أكثر من اللازم، فسينتهي بك الأمر بلا أي شيء». باعتقادي أن هذا ما حدث لحكومة نتنياهو وحلفائها الأميركيين، لم يريدوا فقط جعل ضغط أوباما على إسرائيل أكثر صلابة بل إنهم أصروا عليه أن يتبع إرشادات نتنياهو وقيادته.
ومن خلال ذلك، قد ينتهي الأمر بالحكومة الإسرائيلية، التي يدعمها أنصارها العميان في الولايات المتحدة دون أي شيء، على شكل أميركا لا نستطيع حمايتها دبلوماسياً. أما بالنسبة لإسرائيل، وخاصة الآن، فإن أميركا هي بالتأكيد الأمة التي لا يمكن الاستغناء عنها.
رغم ذلك، هناك أمر هائل ينتج عن هذه التجربة، يرى الفلسطينيون بأنفسهم أن اللاعنف والدبلوماسية يعملان. لقد هتفوا لعباس في نيويورك وفي رام الله وهو يركب موجة خطاب النصر الذي ألقاه، مكرراً أن النضال الفلسطيني سيستمر بكونه غير عنفي.
بدأت هذه الحركة التي قادها الفلسطينيون وانضم إليها ناشطون إسرائيليون وأجانب، محلياً على شكل احتجاجات ضد مصادرة الأراضي في قرى الضفة الغربية وفي ضاحية الشيخ جراح حيث قام المستوطنون بأعمال استيطان عدوانية. في هذه الأثناء ينادي عباس باستراتيجية وطنية من اللاعنف خلال العقد الماضي، ويبدو أن أسلوبه قد فاز بمخيلة شعبه. هذا هو ما انتظره جميع الباحثين عن السلام في الشرق الأوسط، إسرائيليين وفلسطينيين على حد سواء، وها هو قد حصل.
لن يكون الآتي سهلاً لإسرائيل أو أميركا أو القوى الغربية التي تسعى لإحضار عباس ونتنياهو إلى طاولة المفاوضات. في غياب التزام من نتنياهو للاعتراف بالحقوق الفلسطينية في الأراضي الفلسطينية إلى جانب حق إسرائيل في أراضي ما قبل العام 1967، مع تجميد بناء المستوطنات في الضفة الغربية، لن يتفاوض عباس. في هذه الأثناء، سيعود عباس إلى مجلس الأمن بمطالبه بإنشاء الدولة، مجبـِراً أوباما على الدفاع عن موقف نتنياهو، الأمر الذي سيؤدي فقط إلى تعميق عزلة أميركا وإسرائيل في الشرق الأوسط والعداء تجاههما.
ليس هناك سوى سبيل واحد لعكس الاتجاه: إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وفتح الطريق أمام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة، عاجلاً أم آجلاً. أنا مقتنع جداً بأن ذلك سيحدث. ليس الوضع الراهن ساكناً. في لحظة ما ستصبح كلفة الاحتلال لإسرائيل والولايات المتحدة أعلى مما يمكن احتماله. وقتها سيصبح الفلسطينيون، مع إسرائيل، أحراراً
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 3317 - الخميس 06 أكتوبر 2011م الموافق 08 ذي القعدة 1432هـ