لم يكن محمد البوعزيزي ذلك الشاب التونسي الذي أحرق نفسه احتجاجاً يعلم أنه بهذا الفعل سيشعل فتيل الربيع العربي الذي أسقط الأنظمة العربية الحاكمة واحداً تلو الآخر كقطع الدومينو، ولا يمكن الاستناد إلى أن الثورات العربية كالحمى بدأت في تونس وانتشرت، بل إن أسبابها كثيرة ومتعددة ولكل بلد خصوصيته وتفاصيله الصغيرة التي أسهمت في اندلاع الثورة رغم اشتراكها في الأسباب الرئيسية والعامة وأن حدوث الثورات العربية كان أمراً حتمياً لا يمكن الفرار منه، يبقى السبب الذي لم يتم تسليط الضوء عليه وهو الثقة، الثقة بين الدولة والمواطن والعكس صحيح.
ففي الدول العربية عامةً تنعدم الثقة بين المواطن والدولة، فالمواطن العربي متهم حتى تثبت براءته، مراقب حتى يثبت عدم صلته، ملاحق حتى يتم التأكد من صدقه، انعدام ثقة الدولة في مواطنيها خلق حواجز نفسية ومادية حالت دون تحقق اندماج كلي بين المواطن ووطنه، وبفعل انعدام الثقة هذا تولد لدى المواطن الشعور ذاته بأن الدولة تسعى لإقصائه، وأنه يعاني من التمييز، وأنه مواطن لا يتمتع بمواطنة من الدرجة الأولى كما يجب أن يكون، جميع الدول العربية تشترك في هذا الإثم، وتضع الشك بينها وبين مواطنيها.
بعض الدول البوليسية تسرف في هذا الشك والتفريط في الثقة، الذي يتحول مع الوقت إلى غضب عارم، يكسر كل ما له علاقة بمرحلة الشك الموجع، الذي عانى منه المواطن العربي على امتداد عقود من الزمن.
لا تبنى الأوطان بالشكوك، بل بالثقة، الثقة بولاء المواطن، الثقة بقدرته، بعلمه، وعمله، بسعيه لرقي وطنه، الثقة بجهد المواطن في صناعة التاريخ لهذه البقعة من الكرة الأرضية، لا يمكن أن نطلب من المواطن أن يقدم كل هذا العطاء ونحن نشكك في كل ما به بدءاً بالنوايا وانتهاءً بالأعمال، لا يمكننا إقصاء المواطن عن وظائف محددة لمجرد أن الشكوك تحوم حوله، جيل بعد جيل يحملون الآثام ذاتها التي لم تكشف الأيام صدقها أبداً، يصعب خلق وطن قادر على العطاء في ظل كل هذا الشك الذي يسيطر على مكوناته، تفسر جميع المطالب والدعوات بسوء نية نتيجة الشك المفرط، لولا الشك ما استعان القذافي بالأفارقة لوقف مطالبات الشعب بالإصلاح، لو كان يؤمن بشعبه ما احتاج أن يؤمّن نفسه بالأفارقة تحسباً لهذا اليوم الذي لم يكن قدومه أمراً صادماً.
على الجانب الآخر، المواطن هو أيضاً بحاجة للشعور بالثقة بوطنه، الثقة بأن هذا الوطن قادر على أن يوفر له حياة كريمة كما يطمح لها، قادر على تنفيذ وعوده والسير بخطى ثابتة وحثيثة نحو مزيد من التقدم والإصلاح على جميع الأصعدة، أن يكون قادرا على تحقيق طموح الشعب بدءاً بالمستوى المعيشي وانتهاءً بتحقيق الذات، أن يضمن حصول الفرد فيه على المعاملة العادلة والمساواة دون تمييز أو إقصاء، أن يؤمن بأن هذا الوطن يشبهه ويمثله وقادر على احتوائه، وأنه المكان المناسب الذي يأتمنه على نفسه والأجيال القادمة بعده
إقرأ أيضا لـ "مريم أبو إدريس"العدد 3316 - الأربعاء 05 أكتوبر 2011م الموافق 07 ذي القعدة 1432هـ
رب ارجعوني
لا تتعبي نفسك كثيرا أختاه , فما تنشدينه هو أضغاث أحلام يصعب تحقيقه عمليا في وقت محدود , في حين أن البعض يستسهل تسويقه شفهيا في وضع موتور , فما أحوجنا اليوم كحكومات وشعوب لمزيد ومزيد من الوقت لزرع الثقة بدل فرضها .. ولرفض العبودية بدل زرعها ,,, فكم هي الهوة كبيرة والجروح غزيرة والأحداث مريرة والنوايا خطيرة ,,,, فصبر جميل لخطب جليل الى أن يكشف الله سرا كان معتوما , ويفرج أمرا كان محتوما
النية الحسنة
أن الله جلً شأنه يحب ان تكون نية المرء جميلة لكل الناس بدون إستثناء-لا أن تقرب البعيد(الغير مواطن) وتبعد القريب(المواطن)!!!والله المعين على ما تعملون.
بدون تعليق
مقال جميل وسلس كصاحبة المقال ....
لدينا العكس
ما هو لدينا تقوم على التشكيك الدائم بالفرد وبالحكم على نواياه
يمعنى آخر المواطن مدان ولن تثبت براءته لانه يطالب بحقوقه
تلك هي المقولات السائدة في اوطاننا
مقاس المواطنة الصالحة هو القبول بانتقاص الحقوق
اذا قبلت بحقوق منقوصة فانت مواطن صالح واما
اذا طالبت بحقوقك كمواطن فانت مشكوك فيك بل
انت متهم بل انت مدان