يؤلمنا كثيراً فراق المناضلين المخضرمين الذين أسسوا مدارس نضالية أصبحت منار الطريق لنا من بعدهم. بالأمس فقدنا الرفيق أبو قيس الأب الروحي لجبهة التحرير الوطني البحراني والأمين العام الأول للمنبر الديمقراطي التقدمي أثناء التأسيس، وتلاه الرفيق الفنان والموسيقار مجيد مرهون وبعده الرفيق عبدعلي الخياط والنقابي الكادح جليل الحوري... والآن المناضل الكبير والأب الروحي للجبهة الشعبية لتحرير البحرين والأمين العام الأول لجمعية العمل الوطني بعد غيبوبة دامت أربع سنوات.
كان المناضل عبدالرحمن النعيمي يحتضن المناضلين في بيته بدمشق أثناء الغربة، حيث كان لي الشرف أن ألتقيه في نهاية السبعينات في بيروت، عندما كنت منتسباً إلى جامعة بيروت. وبعد انتهاء الامتحانات نزلت ضيفاً معززاً مكرماً لدى الرفيق والمناضل عبدالرحمن النعيمي في بيته بدمشق. وخلال تواجدي معه لمست الدفء الأسري والحنان الأبوي، فكنت أفطر مع العائلة من دون أن يضع حواجز، وفي المساء يحكي لي عن تاريخ هذا البلد، امتداداً من الاستعمار الإنجليزي مروراً بأحداث الهيئة والحركات العمالية.
والحقيقة أن الأيام القليلة التي لا تتعدّى الأسبوع الواحد، كانت بمثابة مدرسة تعلمت منها فن الصبر والتمعن في القراءة لكي أفهم ما يدور من حولي. وهكذا تعلمنا ألف باء السياسة، وكيف مهد الطريق لنا لكي نسير معتمدين على ذاتنا من أجل التطور إلى الأفضل. هذا الشموخ والثقافة الواسعة التي يمتلكها المناضل عبدالرحمن هي صفات لا يتحلى بها إلا المناضلون الكبار الذين أفنوا حياتهم من أجل مستقبل الآخرين وعلى حساب ذاتهم. لقد أثبت هؤلاء المناضلون أنهم مدرسة نضالية تتعلم منها الأجيال المقبلة كيف تساهم في تغيير مستقبلها إلى الأفضل من أجل حياة كريمة ومستقبل زاهر.
نحن لا نعرف ما إذا كانت الأجيال المقبلة ستتعلم من هذه المدارس وتستفيد من دروسها، أم ستخلق مدارسها الخاصة المرتبطة بعقلية الجيل الجديد. فمن كان يتصور أن وسيلة الإنترنت والتويتر والفيس بوك هي وسائل نضالية جديدة استخدمها الجيل الجديد لتحقيق أهدافه وخلق عالمه الخاص، ودحض المقولة التي يتمسك بها المناضلون القدامى في اعتمادهم على عملية التغيير عبر البروليتاريا الكادحة كوسيلة نضالية أساسية، بينما الجيل الجديد أثبت في الثورات العربية الجديدة أنه جيل مبدع قادر على إيجاد البديل في عملية التغيير، رافضين كل الاحباطات والمواقف السوداوية التي تمسك بها المثقفون العرب، وعكسوا ذلك في الرواية والأدب والمسرح والثقافة، ما حوّلوها إلى أداة هابطة تلهي الجماهير وتبعدهم عن معاناتهم الأساسية. ولم يكتفوا عند هذا الحد بل تحولوا إلى أقلام تبحث عن الشهرة والمصالح الشخصية والماديات واكتفوا بالتشبث في كتاباتهم بالمصطلحات الكبيرة كعنوان لوطنيتهم الهشة.
ومن هنا نقول... وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر، وفي الأيام الحالكة والتي يزداد فيها الجمر احمراراً، نفتقد الفرسان الذين يخيطون القمصان للربيع... هكذا نتذكر هؤلاء المناضلين
إقرأ أيضا لـ "علي الحداد"العدد 3316 - الأربعاء 05 أكتوبر 2011م الموافق 07 ذي القعدة 1432هـ