مادمنا بشراً، ستلازمنا الأخطاء.الأخطاء ضمن دائرة علاقاتنا الخاصة؛ أو تلك المفتوحة في علاقاتنا مع المجتمع الذي ننتمي إليه، وما بعده من بشر خارج الدائرة الصغرى، امتداداً إلى دائرة أكبر. وسنخطئ أكثر حين نمارس، نعمل، نوجّه، ننتقد. كل حركة في الحياة لا تخلو من الأخطاء - ضمن الحراك البشري الإنساني بطبيعته - ومن لا يعمل، ولا يتحرك، لن يعصم من الأخطاء أيضاً؛ لأنه حين لا يعمل يقع في الخطأ عينه، بتعطيل طاقته، وتحوله إلى عالة على من/ ما حوله. والعصمة ليست امتيازاً في كل أحوالها، بعيداً عن الانتخاب والاصطفاء.
ثم إن الذين لا يخطئون، وفي الوقت نفسه لا يمارسون دورهم في حركة المجتمع، يظلون موصومين بالخطأ الأكبر. خطأ انعزالهم، وأحياناً تعاليهم، والنأي بأنفسهم عن كل ما تضج به حركة مجتمعاتهم من أخطاء ومثالب وتجاوزات.
والذين يطنبون في الحديث عن إنجازاتهم، ثق أنهم متسلقون ولم يحققوا شيئاً مما استعرضوه، وخصوصاً أمام وسائل الاتصال، سعياً إلى مزيد من الحضور، ومزيد من الوجاهة، ومزيد من «الفهلوه».
والذين يسعون إلى تحويل هذه الحياة إلى جارية صاغرة ممتثلة لأوامر وشهوات ورغبات سيدها، يهينون أنفسهم قبل أن يهينوا تلك الحياة، وتلك الجارية. الحياة سيدة بسيادة الإنسان وسيادة كرامته وسيادة حضوره ودوره. نعم تكون الحياة أمَةً، حين يراد لها أن تكون لمن توهموا أن دمهم أزرق. ولا دم أزرق في الخلق. فقط هي تهيؤات مرضى وتائهين ومقعدين. ولا أحد اليوم، ولا قبله، يملك الحق في استعباد أو امتلاك الشبيه له في الخلق. تلك جاهلية من المفترض أنها منذ حقب إلى زوال ولّتْ، وفي اضمحلال وخزي حُشرت، مع تكريس قيمة الإنسان وتثبيتها وتأكيدها من قبل خاتمة الأديان وأكملها (الإسلام).
لا أحد يريد الاستناد إلى المعنى الماضي، كون هذه الأمة، كانت خير أمة أخرجت للناس (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ...) (آل عمران: 110). في علم مكنون بتراجع تلك «الخيرية»، ارتباطاً بمن يسوس ويحكم الأمة في أطوارها المقبلة، منذ نزول النص إلى وقت هذا التشرذم الباعث على الأسى والأسف والإشفاق في الوقت نفسه. والذين جاءوا بعدها من ذوي العيون الزرق وأشقر الشعر كانوا في الدمامة من الفكر والسخيف من اللاعقل والبعد عن البصر والبصيرة.
في العام 1474، في سويسرا، باض ديك، فحاول محاميه الادّعاء بأن ذلك من سوء حظه، ولم يكن يقصده. وعلى رغم ذلك، وفي محاكمة تفتيش طويلة، دِينَ الديك بالسحر، وحكم عليه بالموت حرقاً على عمود.
العالم المضطرب اليوم، نتاج محاكم تفتيش طالت بشراً قبل أن تطول ديكاً. حدث ذلك مع أعظم علماء عصره (غاليليو)، وغيره من علماء الوقت والبشر. قوى الدمار اليوم تحشد إمكاناتها العلمية التدميرية لإرجاع هذا الكوكب إلى خرابه الأول. أكثر من 6 تريليونات دولار ستدفعها الدول في سباق تسلح سيكون الخراب والدمار أجلى وأوضح شواهدها و «انتصاراتها». كانت تقديرات صاحب كتاب «البشرية المضطربة»، أدولف هود، تذهب إلى 4 تريليونات دولار قبل أكثر من عقدين. ولكن لا أحد ينتصر بالخراب. وهو التطهّر الروحي نفسه الذي ذهب إليه الروائي الروسي الحائز جائزة نوبل في الآداب العام 1970، بوريس سولنجستين، يوم أن صرّح بأن «مشكلتنا أننا لم نطهّر أنفسنا روحياً».
وهو نفسه العالم المضطرب في موازينه من حيث الأخلاق والنظر والإمعان في التمييز حد المرض، الذي دفع البابا شنوده، بابا الأقباط لطرح تساؤل لم يجد مكانه من التأثير وقتها، موجهاً إياه إلى الرئيس الأميركي السابق، جيمي كارتر، في لقاء جمعهما العام 1989: «إذا كان اليهود هم شعب الله المختار، فمن نكون نحن - المسيحيين - يا صاحب الفخامة؟!».
الأخطاء لا تفرق بين جنس بشري وآخر. لا تفرق في هيمنتها واستوائها على القرار والمصير، والهدف بين أبيض وأسود وأصفر. لا لون للأخطاء. نحن الذين نتلون. الجنس البشري هو الذي يمعن في تلونه بارتكاب الأخطاء التي تتراكم وتتكرر أحياناً من دون عظة، وبتراكمها وتكرارها يتراكم ويتكرر الشقاء الإنساني، وتتراكم معه تفاصيل عذاب يبدو أنه لن ينتهي.
يظل الفارق في الذين يلتفتون إلى تلك الأخطاء، ويعملون على تجاوزها، والتعلم منها، وتحويلها من سبّة إلى علامة في الإنجاز المضاد والمقابل. وقليلون هم الذين يفعلون ذلك، وخصوصاً في عالمنا الممهدة أرضيته، والفساد الذي يصمه، والحوافز التي تنشّطه؛ ما يجعل من وضع حد للأخطاء ضرباً من «الأخطاء الكبرى» هذه المرة!
ولكم في الأخطاء عبرة. عبرة لمن «ألقى السمع وهو شهيد». ومثلما هي الأخطاء أرضية بامتياز، يظل الإلهام لتجاوزها فاعلاً تبعاً لفاعلية الاستعداد لذلك. لا استعداد في الأمر كما يبدو. ولم يحد الشاعر المكسيكي، أوكتافيو باث، حين صرح بأن «الإلهام لا يتكلم... إنه أخرس»، لا الخرس الذي تصوغه شاعرية كبير مثل باث. إنه الخرس في الصوت، والجلجلة لمن رهن حواسه لكل ما يستفزها، ويعيدها إلى انتباهتها القصوى
إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"العدد 3316 - الأربعاء 05 أكتوبر 2011م الموافق 07 ذي القعدة 1432هـ
كلام
يقول المثل ( اسمع كلامك يعجبني اشوف افعالك استعجب)
الأخطاء بين الفعل و الكلام
من المعروف أن الفعل أبلغ من الكلام، وحتي في الكلام يكون أبلغ عندما يكون كيف نقول أهم مما نقول.
فأخطاء الطفل الصغير عادةً ما تكون صغيرة بينما المصائب أكثرها ليست من الصغار. فخطأ الصغير صغير ويمكن أن يغتفر بنما خطأ الكبير .. ؟؟
مقال رائع
مقال في قمة الروعة والاسى كل الاسى الى الكتًاب الذين جعلوا أقلامهم مهادا ونياتهم إتجاه الفرقة أوتادا - فالويل كل الويل لمن لا يستنكرهم ولو بأضعف الايمان....