العدد 3314 - الإثنين 03 أكتوبر 2011م الموافق 05 ذي القعدة 1432هـ

الرقص مع الذئاب

محمد حميد السلمان comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

كان أهم فيلم شاهدته وحمل مضامين فنية وإنسانية راقية حول حقوق الشعب المظلوم من سكان أميركا الأصليين على يد الغزاة أو المستوطنين الجدد في أراضي أميركا المكتشفة في فترة الغزو الاستعماري الاقتصادي الاستيطاني الكبير من الغرب الأوروبي للعالم في القرنين الخامس عشر والسادس عشر للميلاد. السكان الأصليون الذين أُطلق عليهم ظلماً وتهكماً «الهنود الحمر» بسبب جهل المكتشفين الأوروبيين وأولهم إيطالي يدعى (كرستوفر كولمبس)، عمل لدى البلاط الاسباني في عصر الملكين العاشقين (إيزابيلا وفرديناند) اللذين وحّدا ما تبقى من بلاد المسلمين في الأندلس باسم اسبانيا. آمن هذا المستكشف بنظرية كانت تقول إن الإبحار من غرب أوروبا يوصل إلى بلاد الهند (يُقصد آسيا) مباشرة دون الحاجة إلى التوجه جنوب القارة الإفريقية كما فعل البرتغاليون بحثاً عن طريق للهند لا يمر بأيدي المسلمين.

ولكبريائه ورعونته فلم يكن يصدق أن هناك قارتين وسط الطريق بين أوروبا والهند هما الأميركيتان سوف تعترضان طريقه. لذا، أصر بعد أن وصل إلى جزر البحر الكاريبي في أكتوبر/ تشرين الأول 1492 أنه قد وصل إلى الهند. وبما أن الهنود معروفون بالبشرة السمراء وليس الحمراء، فقد أطلق المكتشفون الأوروبيون بدءاً من عهد (كولمبس) وحتى اليوم على سكان أميركا الأصليين اسم «الهنود الحمر» رغم أنفهم. ويبدو أن السكان الأصليين دائماً مظلومون ومقهورون على يد المستوطن الجديد، وخصوصاً عندما يصدر ذلك من مدّعين وأفاقين ومكابرين أمثال كولمبس وأمريكو فسبوتشي.

الرقص مع الذئاب أو(Dances with Wolves‏) هو ذاك الفيلم الأميركي الذي أنتح في التسعينيات من القرن الماضي، من إخراج وتمثيل كيفين كوستنر. وتدور أحداثه في عهد الحرب الأهلية الأميركية، ويناقش قضية نظرة المستوطن الأوروبي القادم من وراء البحار لسكان أميركا الأصليين. وللعلم فقط فقد فاز الفيلم وقتها بسبع جوائز «أوسكار» وجائزة «جولدن جلوب» لأفضل فيلم درامي. ولم يُجرم صاحبه لأنه انتقد السياسة ضد سكان أميركا الأصليين والبطش والظلم الذي وقع عليهم من قبل جيش المستوطنين سواء كان شمالياً أم جنوبياً.

دارت أحداث الفيلم حول ضابط أميركي يتم نقله، وباختياره، إثر الحرب الأهلية الأميركية، إلى نقطة بعيدة في الغرب الأميركي حيث تنتهي رحلته على أرض يعيش عليها أفراد إحدى قبائل سكان أميركا الأصليين. وكانت هذه القبيلة تخشى تقدّم المستوطن الأوروبي الأبيض في أراضيهم. فاحتاروا في أمر هذا الضابط الذي حطّ الرحال وحده في هذه الثكنة العسكرية المهجورة. فهم إذا ما حاربوه قد يجلبون لأنفسهم المتاعب، وإذا ما تركوه فقد يكون بداية قافلة المستوطنين البيض التي تهدد وجودهم في أرض أجدادهم.

إلا أن ما يحدث لاحقاً، هو ولوج ذلك الضابط الأبيض - تدريجياً - عالم تلك القبيلة واكتشافه بأن كل القصص التي سمعها عنهم مزيفة، وقد شوّهت تاريخهم وهم السكان الأصليون. فعجب كيف لمستوطن جاء من أعالي البحار يقوم بتشويه صورة صاحب الأرض الأصيل ويعمل على إقصائه أولاً وتهميشه ثانياً ثم اختراع الأكاذيب لقتله ثالثاً. وعلم بأنهم حقاً شعب مسالم وشجاع وسخي وعلى علاقة سلام مع أنفسهم ومع الطبيعة. وبالتالي يؤدى اكتشاف الضابط لهذه الحقيقة، التي حاول شذاذ الآفاق القادمون من وراء البحر من أجناس شتى، تشويهها وعكسها ليصبح القادمون هم أصل البلاد، وبينما يصور الأصلاء على انهم متوحشون متآمرون، ودخلاء يجب إبادتهم. ولأن ذلك الضابط كما يبدو كان صاحب ضمير عالي النبرة؛ فقد تبنى قضيتهم وآمن بحقهم في حريتهم على أرضهم لدرجة مواجهته معهم عدوان الرجل الأبيض، سعياً وراء إثبات حقوقهم في أرضهم والدفاع عن حريتهم ضد المستوطن الأبيض، الذي لم يتوقف عن جرائمه إلا بعد أن دمّر ثقافتهم وحضارتهم وقضى حتى على اللغات التي كانوا يتحدثون بها.

لم يكن السكان الأصليون ذئاباً بشرية كما تصوّرهم الثقافة الأميركية ومن يدور في فلكها في عقولنا. بل ذئبية بعض البشر في وحشيتها هي من تعكس الحقيقة، لأنه حتى الذئاب في الطبيعة - وهذا ليس دفاعاً عنها - عندما يُجرح أحدها ويئن من الألم لا تشمت به وتضحك من ألمه بقية الحيوانات، ولا تتكالب عليه وتبدأ بعزف سيمفونية نشاز للانتقام منه. بل يهب الجميع لمساعدته ويتكفلون له بالطعام والحماية حتى يشفى ويتعافى. لا يقوم الذئب في الطبيعة بالغدر والطعن في الظهر مع أن ليس له عقل كعقل البشر الذين ميّزهم به رب العباد دون غيرهم، إلا أن البعض يوقف استعماله عند الحاجة الحقيقية ويفعّله عند غير الحاجة.

إن بني البشر هم من أسسوا مناهج الغدر والطعن والنفاق والتشويه لكل الحقائق في وجه الآخرين، فقط لأنهم يختلفون معهم ولو كانوا جميعاً من الفصيلة نفسها، أقصد الفصيلة البشرية. ولهذا لا عذر لمن عاش بين البشر، بلا باء، ليتقمص الذئبية ويتفوق على طبيعة الذئاب البرية فتصطبغ الحياة برائحة الجثث والموت والعذاب. وما لهذا خُلقنا على هذه الأرض يا من تسمون بـ «بشر»

إقرأ أيضا لـ "محمد حميد السلمان"

العدد 3314 - الإثنين 03 أكتوبر 2011م الموافق 05 ذي القعدة 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 10 | 9:47 ص

      من يداوي الجراح!!

      واقنب قنيب الذيب واعول عويلة

      وما تدري يا ذيب اني منك مجروح

    • زائر 8 | 7:56 ص

      حلو

      إياك اعني و اسمعي يا جارة.......

    • زائر 7 | 5:50 ص

      التهميش

      التهميش والاقصاء بصورة معلنة بعدما كانت تدار بشكل ماكر لفئة معينة يعكس مدى صدق المطالب الشعبية وحجمها!!!

    • زائر 6 | 3:04 ص

      مقالة رائعة

      بارك الله فيك يادكتور على هذه المقالة الرائعة التي تؤصل لحقيقة واضحة يجب أن يدركها البعض قبل فوات الأوان

    • زائر 3 | 1:17 ص

      جمري حتى النخاع

      احسنت يادكتور لعل قومي يفهمون قبل فوات الاوان

    • زائر 2 | 12:39 ص

      شكرا لكم

      على هذا المقال الرائع. أعتقد فيلم آفاتار يعالج نفس الفكرة وهو رائع أيضا

اقرأ ايضاً