إن أية أزمة في حياة أي شعب من الشعوب، تعني أن هذا الشعب يجتاز مرحلة تحول مهمة في حياته، وأنه يعيش لحظات حرجة، قد تحمل تهديداً متوقعاً أو غير متوقع، وقد لا يقتصر هذا التهديد على جوانب مادية فقط، إنما قد يطال الكثير من الجوانب المعنوية، كالقيم والمفاهيم وحتى المعتقدات أيضاً.
وعندما نقلب بعض صفحات التاريخ القديم أو الحديث، ونتوقف عند بعض التطورات والأحداث الكبرى، وخصوصاً الأحداث السياسية، سوف نلحظ أن بعض الأزمات عند هذا الشعب أو عند تلك الأمة تمثل ظاهرة ترافق مراحل النهوض والانحدار في حياة تلك الشعوب والأمم، وأن أحد أهم الدروس التي يمكن استخلاصها، هو كيفية التعامل مع هذه الأزمات. فهناك مجتمعات وأوطان تخرج أكثر قوة وأصلب عوداً، إذا ما اتبعت نهجاً واعياً وحكيماً، وسارعت بالخروج منها بأقل الخسائر.
فالأزمة، أية أزمة، هي نقطة تحول، أو محطة تتوسط مراحل مفصلية باتجاه التطور والنهوض، ولكنها قد تتحول إلى «كارثة» إذا لم يجر حلها بصورة عاجلة تعيد للوطن والمجتمع توازنه المفقود، أو جرى التعاطي معها بأسلوب سماته التخبط والارتجال، أو ردود فعل متشنجة وغير عقلانية، قد تؤدي إلى ضعف وتفكك المجتمع والدولة، وهذه ليست مسئولية الدولة أو السلطة الحاكمة وحدها، إنما هي أيضاً مسئولية القوى السياسية وكل قوى وأفراد المجتمع، ومدى ما يتحلون به من وعي في تجنب أساليب العنف المدمرة.
لو حاولنا إسقاط هذا التحليل أو الاستنتاج على المشهد السياسي عندنا، وقمنا بقراءة أزمتنا الراهنة بكل تفاصيلها وتداعياتها، ترى كيف يمكن تصور سبل الخلاص أو الخروج من هذه الأزمة الخانقة التي تهدد حاضر ومستقبل بلدنا؟
قبل تلمس طريق الإجابة على هذا السؤال، دعونا نشير إلى ثلاث ملاحظات على صلة وثيقة بهذه القضية، أولاها أن البحرين تجتاز حالياً منعطفاً حساساً ومهماً في حياتها السياسية والاجتماعية، لم يكن يوماً في حسابات أو توقعات الدولة أو القوى السياسية والمجتمعية، وأن هذا الوضع صارت له استحقاقات سياسية واجتماعية وإنسانية مطلوب التعامل معها بواقعية ومسئولية من قبل كل الأطراف دون أية «مناورات» سياسية للهروب من تنفيذها أو المراهنة على عامل الزمن للالتفاف عليها. وهنا يأتي دور ومسئولية الدولة وصناع القرار، بوضع دراسة موضوعية لأسباب الأزمة، والقيام بإجراءات فاعلة وعاجلة أساسها المزاوجة بين المراجعة والحوار، تستجيب للواقع السياسي في البلاد بعيداً عن أي رهانات خارج سياق هذه المعادلة التي تحفظ حق الجميع دون إقصاء أو تهميش.
أما الملاحظة الثانية، فهي أن البحرين مثلها مثل بقية الدول التي تواجه أزمات سياسية واجتماعية، لكن هذه الأزمات ليست قدراً محتوماً لا يمكن تجنبه أو الفكاك منه، كما أنه ليس مقدراً على شعب البحرين أن يبقى أسيراً أو مرهوناً لهذه الأزمة بصورة أبدية، أو أن يمضي الزمن وتستنزف الجهود في تكرار الاتهامات المتبادلة بين الدولة والقوى السياسية وأطياف المجتمع بشأن أسباب الأزمة ومسئولية كل طرف فيها، وهو ما يعني تفاقم حدتها والزج بها في متاهات أكثر تعقيداً وخطورة.
أما الملاحظة الثالثة والأخيرة، فعادة ما يحصل تداخل وخلط في الأوراق في ظروف الأزمات، وقد نرى الكثير من المغالاة والتشدد في المواقف. كما يحصل تبدل في المواقع حيث تبرز بعض صور الانتهازية واصطياد الفرص، عندما يقوم البعض باستبدال غطاء رأسه ونقل بندقيته من كتف إلى آخر. ونرى تصدَّر مثل هذه النماذج للمشهد السياسي، بحكم بعض المصالح والنفوذ السياسي الذي ولدته الأزمة، ما يجعل هذه الفئات تغالي في مواقفها السياسية وخطاباتها التحريضية خوفاً من فقدان ذلك النفوذ والمغانم التي حصلت عليها على حساب الآخرين، وقد لا تتورع عن تعمد التلفيق وقلب الحقائق، وأحياناً قد تقوم بتركيب قصص وروايات لا أصل لها، إمعاناً في استمرار الأوضاع السيئة، وإرباك أية محاولة لتأهيل هذه الأوضاع أو العودة بها إلى طبيعتها، ما يعطي انطباعاً، بل تأكيداً على أن ردود فعلها ليست غير واعية وغير عقلانية فحسب، بل ومريبة في درجة تشددها وفي طريقة تصاعدها بهذا الشكل المفزع الذي لا يندمل معه جرح ولا تخف معه ضغينة.
بعد هذه الملاحظات الثلاث، يمكن العودة للإجابة على التساؤل بشأن خيارات معالجة أزمتنا الراهنة، فبحكم الحقائق والوقائع على الأرض، يمكن الجزم من دون تردد بأن إدارة الأزمة الحالية في البلاد تتمحور حول خيارين يصارع أحدهما الآخر، الأول هو «الخيار السياسي» الذي يذهب إلى طريق التهدئة وإشاعة أجواء تساعد على الانفراج السياسي والأمني وتنفيس الاحتقان الطائفي والمذهبي، الذي بات يسيطر على النفوس والعقول، بعيداً عن لغة الانفعالات أو تأزيم الوضع، بما يربك الجبهة الداخلية ويضعفها. فالنوايا الحسنة هنا واضحة وصريحة، وحاضرة بقوة، ولكن السياسة ليست على علاقة مودة وصفاء دائمين مع النوايا، وخصوصاً إذا كانت بعض تجاربها البعيدة والقريبة مريرة وحصيلتها غير وفيرة.
ومع كل ذلك، ورغم كثرة الصعوبات التي تحول دون هذا الخيار ورغم المرونة المؤلمة التي قد يتطلبها، والتنازلات الموجعة التي قد يقدمها، يبقى هو الخيار الأسلم لأنه خيار واقعي وعقلاني، ويمكن له أن يستوعب ردود فعل كل الأطراف مهما خرجت عن نطاق السيطرة، كما يمكن له أن يؤسس لمرحلة جديدة تكون أكثر أمناً وطمأنينة لكل الناس.
لكن المؤسف أن المعطيات على الأرض، تؤكد أن حظوظ هذا الخيار من النجاح قليلة، رغم انه يحاول أن يعبر عن نفسه أحياناً على شكل «مبادرات» ترمي إلى إحداث انفراجات سياسية أو أمنية محدّدة، في ملفات معينة، وأحياناً على شكل «تصريحات» تؤكد الإجماع الوطني وتدعو إلى خطاب ديني وسياسي وإعلامي وطني من أجل الحفاظ على الوحدة الوطنية. إلا أن هذه المبادرات وتلك التصريحات، سرعان ما يخبو مفعولها وتفعيلها، وتتراجع إلى الصفوف الخلفية تاركة الساحة إلى الخيار الثاني، الذي هو اليوم سيد الموقف، وله القول الفصل كما يبدو. وهو المسئول عن إبقاء البلاد في دوامة متواصلة من الأزمات والانشقاقات السياسية والمذهبية، الأمر الذي يجعل المراقب أو الإنسان العادي يصاب بالدهشة والإعياء وهو يبحث عن تفسير لما يحصل يقبله العقل والمنطق
إقرأ أيضا لـ "محمود القصاب"العدد 3313 - الأحد 02 أكتوبر 2011م الموافق 04 ذي القعدة 1432هـ
الى الزائر
أظم صوتي الى الزائر رقم واحد فاحترام الطرفين لبعضهم البعض أولاُ ومن ثم الحوار وشكراُ للكاتب المحترم على قراءة المشهد السياسي بروح وطنية عالية بدون إنحياز!!!.
أول الحلول بيد الدولة وبعدها يمكن الحوار في الباقي
إن كرامة الانسان هي اعز ما يملك فلا هو يرضى ولا من خلقه يرضى بان تدنس هذه الكرامة وبمعنى آخر المواطن هو انسان وله حق كانسان وكمواطن ولا يمكن ان نجد حلا قبل ان نعطي لهذا الانسان حقه في انسانيتة ومن ثم في مواطنته وعلى مستوى التطبيق لا بد من تغيير جذري في معاملة الدولة للناس من حيث احترامهم كبشر ومن ثم مواطنين متساوين فلا يمكن ان يكون صوتا يعادل 30 صوتا ونقول نريد حلحلة الوضع وبعد هاتين الخطوتين الجلوس للحوار من باب احترام كل منا للآخر بدون تخوين