العدد 3313 - الأحد 02 أكتوبر 2011م الموافق 04 ذي القعدة 1432هـ

وهل بَقِيَ أحدٌ ليس عميلاً للأميركان بيننا؟!

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

من الغرابة أن ترى عميلاً يُعيِّر عميلاً آخر مثله بالعمالة ذاتها. وجه الغرابة في أنهما يتنابزان بنعتٍ هو في أصله موجود فيهما. يُعيِّر الكذاب كذابًا مثله، والآثم آثمٌ مثله، والنَّمامُ نمَّامٌ مثله وهكذا دواليك. تنابزٌ وتعييرٌ ليس له طعم مادام التماثل موجودا بينهما. مؤخرًا وجدتُ مِمَنْ عيَّرَ الإسلاميين العراقيين فعلتهم السَّوداء بتحالفهم مع الولايات المتحدة الأميركية لإسقاط حكم البعث في العراق يتحالف هو الآخر معها في ليبيا لإسقاط حكم القذافي! بل ويُطالبها بقصف مدينتَيْ بني وليد وسِرْت لتسهيل دخول قوات المجلس الوطني الانتقالي لوسطهما.

قبل عشرة أيام من الآن، أسِفتُ أيَّما أسَف على تصريح لرئيس مجلس شورى حزب جبهة العمل الإسلامي في الأردن (الذراع السياسية للإخوان المسلمين) الأستاذ علي أبوالسُّكر، وهو أيضًا رئيس الهيئة الأردنية لنصرة الشعب السوري نشَرَته صحيفة «الحياة» اللندنية قال فيه ردًا على سؤال لمراسل الصحيفة: هل أنتم مع تدخل حلف (شمال) الأطلسي في سورية؟ فقال «بالشكل الذي حصل في ليبيا وتأمين حماية المدنيين ليس لدينا مانع، لا بل يمكن أن يكون ضرورة»! ما يعني أن الإخوان المسلمين في الأردن يرغبون في تدخل عسكري أميركي/ بريطاني/ فرنسي في سورية، دون أيّ اعتبارات أخلاقية ودينية لموضوع الاحتلال! هذه مصيبة.

ذكَّرني ذلك بما قاله وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه للبطريريك الماروني (اللبناني) بشارة الرَّاعي قبل أسابيع خلال حفل عشاء في باريس من أن الإخوان المسلمين في سورية بعثوا برسائل للخارجية الفرنسية لإقامة اتصالات تتعلق بالوضع في سورية. وذكَّرني ذلك أيضًا بتصريحات محمد غزلان بشأن اتصالات الإخوان المسلمين في مصر بالإدارة الأميركية، وتعليقهم على تصريحات وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون بشأنهم، وذكَّرني أيضًا بعلاقات حزب العدالة والتنمية المغربي وتواصله «الواجب شرعًا وعقلاً وسياسة» مع الأميركيين «غير الاستئصاليين» كما كان يقول سعدالدين العثماني أحد قيادات الحزب البارزين!

هنا، يظهر التناقص الصريح في مواقف الحركات والأحزاب الإسلامية. فالغزو الصليبي الامبريالي في أفغانستان يُمكنه أن يتدخل عسكريًا في ليبيا دون حرمة شرعية. والاحتلال الصهيو - أميركي في العراق، وابتلاع بلاد الرافدين ظلمًا يُمكنه أن يتدخل عسكريًا حلالاً في سورية. ثم إن الغريب في الأمر، أن عدم المُجوِّزين للاحتلال في أفغانستان، والمُجوِّزين له في ليبيا، وعدم المُجوِّزين له في العراق والمُجوِّزين له في سورية هم جميعهم من الإسلاميين، الذين يرفضونه هنا ثم يقبلونه هناك وكأنه كرة للمضرب تتقاذفه المصالح! أيّ تلاعب ديني وسياسي يقوم به هؤلاء بحق قضايا الأمة. فإما أن يقبلوا بالاحتلال كله أو أن يرفضوه كله. فما أسكر قليله، فكثيره حرام. هذه قاعدة أعتقد بأنهم يفهمونها جيدًا ماداموا إسلاميين يحتكمون لشريعة السماء.

مَنْ منا لم يكن يرى أن نظام صدام حسين كان دمويًا في العراق طيلة ثلاثين عامًا، لكن ذلك لم يكن يُجيز لأحد أن يستعين بالأجنبي على بلاده ليراه بهذا الحال المخيف اليوم. ولم يكن أحد ليُشكك بأن نظام القذافي كان دكتاتوريًا غبيًا أحمقًا سارقًا، لكن ذلك لم يكن يُجيز هو الآخر لأحد استقدام أيّ عسكري من الناتو إلى ليبيا، ثم البدء في الاستحواذ على النفط الخفيف ومشاريع إعادة الإعمار كما كان بريمر يفعل في العراق. والحال هو كذلك بالنسبة لنظام البعث في سورية الذي يكفيه سوءًا وسوداوية أنه في السلطة منذ أربعين عامًا ممزوجًا بدكتاتورية ممجوجة لعبت بمصائر السوريين، لكن ذلك لا يمنح معارضيه شرعية الاستنجاد بقوات الناتو لإسقاطه. هذه هي المعادلة المرفوضة، التي يجب أن تتضح للجميع.

الإسلاميون اليوم يحكمون تركيا، لكن رئيس وزرائها رجب طيب أردوغان يجتمع بالرئيس الأميركي باراك أوباما لدرس كيفية معاقبة سورية أكثر من السابق، ويبقي التمثيل الدبلوماسي بينه وبين تل أبيب رغم أزمة أسطول الحرية، ثم يقوم الجيش التركي بقصف مناطق في شمال العراق، فيقتل مدنيين ويُهجِّر 670 عائلة من الرعاة في منطقة سيدكان، ويُرحِّل 400 عائلة من الفلاحين كلّ ذلك بحجَّة ملاحقة مواقع حزب العمَّال الكردستاني.

والإسلاميون اليوم يحكمون إيران، لكنهم يُنسِّقون مع الأميركان بشأن العراق وأفغانستان، وقد يُنشَأ بينهما خط ساخن مثلما صرَّح بذلك، رئيس أركان الجيوش الأميركية الأميرال مايكل مولن في العشرين من سبتمبر/ أيلول 2011، ثم تقوم المروحيات الإيرانية بقصف قرى كاني سيف وبشتي جومرسي وكارة سوزي، التابعة لمدينة بينجوين شمال شرقي محافظة السليمانية في العراق بحجَّة مطاردة مقاتلي حزب الحياة الحرة لكردستان ايران (بيجاك).

هنا، لا يُمكن إلا استذكار الإشكال الذي كنتُ قد طرحته قبل أسابيع بشأن علاقة السياسة بالدِّين، وأيّهما يقود الآخر. فمادام الدِّين عند الإسلاميين مقدَّسًا، فإمكانهم حمايته بالسياسة كيفما اتفق، حتى ولو كان ذلك فيه سفكٌ للدم والاستعانة بالأجنبي والمستعمر. حينها تكون السياسة هي رأس الحربة في عملهم، فتتقدَّم على الدين في كلّ شيء بحجة حمايته، وهي معادلة غريبة، فيها من الحيلة والبراغماتية الكثير. فيصبح هؤلاء لا يفرقهم عن غيرهم من غير الإسلاميين سوى أنهم يُقدِّمون شيئًا على آخر لا أكثر من ذلك ولا أقل.

الكثير مما يقوله الإسلاميون ليس صحيحًا في السياسة والدِّين أيضًا، مادامت الأولى تهيمن على الثانية. الكثير مما يُقال على ألسنتهم كذب صريح. عداوة في الصباح، وصداقة في الليل. أعداء في الشمال، وأصدقاء في الجنوب. إذًا أين المشكلة؟! قولوها صراحة إنكم سياسيون براغماتيون نفعيّون انتهازيون، تقصدون المصلحة مثلكم مثل غيركم، لا منزلة لكم في ذلك على غيركم.

وربما أتذكر الآن قولاً لونستون تشرشل رئيس وزراء بريطانيا الأسبق خلال الحرب الكونية الثانية، عندما قال «رأيتُ وأنا أسيرُ في إحدى المقابر ضريحًا كُتِبَ على شاهِده: هنا يرقد الزعيم السياسي والرجل الصادق، فتعجَّبت كيف يُدفن الاثنان في قبرٍ واحد»

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3313 - الأحد 02 أكتوبر 2011م الموافق 04 ذي القعدة 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 10:18 ص

      راشد الغنوشي

      وماذا عن راشد الغنوشي الذي عاش في الغرب؟؟! وغيره العشرات

اقرأ ايضاً