العدد 3313 - الأحد 02 أكتوبر 2011م الموافق 04 ذي القعدة 1432هـ

غاندي باحثاً عن الحرية

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

من الكتب النادرة جداً التي قرأتها مرتين، «قصة تجاربي مع الحقيقة»، للمهاتما غاندي، الداعية الأكبر لمدرسة «اللاعنف» في العالم.

في هذه المذكرات، يشرح «محرر الهند» قصصه وتجاربه في الحياة، وهدفه الأكبر في أن يحقّق ذاته، ويرى الله وجهاً لوجه. كل ما كان يقوم به في الحقل السياسي كان موجّهاً لهذه الغاية، مركِّزاً على تجاربه الروحية، أو «المناقبية» التي هي روح الدين.

من الصعب اختزال كتاب ضخم (584 صفحة) في مقال. وهو موزّعٌ في خمسة أقسام، تبدأ بمولده وطفولته وزواجه المبكر وشعوره بالعار لوفاة والده وهو في حضن زوجته، وسفره إلى إنجلترا لدراسة القانون. وبعد تخرجه فشل بالعمل محامياً في الهند، وسافر إلى جنوب إفريقيا حيث اصطدم بالنظام العنصري البغيض هناك، وبدأ انخراطه في النضال السياسي. وحين نشبت «ثورة الزولو» (الأفارقة) كان متحفظاً عليها، لاعتقاده آنذاك أن «الامبراطورية البريطانية كانت لمصلحة العالم»! وعندما اندلعت الحرب العالمية الأولى تطوّع للعمل في جيش الإنجليز.

كان غاندي شخصاً مسالماً، يمثل روح الهند الحقيقية، وشعبها الميّال للسلم. وكان يدرك أنه يواجه امبراطوريةً جشعةً تسيطر على نصف قارة إفريقيا، وتنتشر مستعمراتها من أميركا اللاتينية إلى قارتي آسيا وأستراليا. وكان يؤمن أن مواجهة هذه القوة الامبراطورية الضخمة بالقوة انتحار.

بدأ بالمقاومة السلمية التي تسلب العدو قوته، قاطع منتجات الصوف البريطانية، وأخذ يغزل ثيابه القطنية بيده، وشجّع أبناء شعبه على لبس ما ينسجون. اقتنى عنزةً صغيرةً واكتفى بحليبها في غذائه. وعندما احتكر الإنجليز الملح، قاد الآلاف في مسيرات سلمية باتجاه البحر، يمتاحون ماءه للحصول على الملح.

في سيرته الطويلة تتكشف لك التحولات التدريجية في فكره السياسي وخياراته النضالية، وظلّ في أغلبها مؤمناً بسياسة الإنجليز، رغم تعرّضه لاضطهادهم ومثوله أمام محاكمهم ودخوله سجنهم عدة مرات.

كان يزور القرى البعيدة، ويركب قطارات الدرجة الثالثة، ويجتمع بالناس الذين يستقبلونه أفواجاً، وكانت النساء يستقبلنه ويضعن أمامه أكوام القطن التي غزلنها، وكان يشعر بأنه يعرف هذه الوجوه الطيبة منذ أجيال. وحين شكلت لجنة «هنتر» قرّر حزب المؤتمر مقاطعتها، وتشكيل لجنة موازية كان أحد أعضائها، ما أتاح له فرصةً للقاء الفقراء والمحرومين، و «الاطلاع على قصص رهيبة تمثل طغيان الحكومة واستبداد رجالها الاعتباطي، لم أكن مستعداً لسماعها، وملأت نفسي بألم عميق». وكان ينظر إلى المستقبل فيقول: «إن التقرير الذي وُضع لإظهار الحقيقة، سوف يمكّن القارئ من معرفة إلى أي مدى تستطيع الحكومة البريطانية أن تذهب، وأي أعمال بربرية ولا إنسانية تستطيع أن ترتكبها من أجل الاحتفاظ بسلطتها». لقد كفر أخيراً ببريطانيا العظمى بعد أن رأى الجنود الإنجليز يحصدون شعبه بالرصاص.

في الصفحة الأخيرة يقول فيذكّرك بمثقفي العملة: «الرجل الذي يطمح إلى رؤية روح الحقيقة، لا يستطيع أن يعتزل الحياة، ولذلك قادني تعبّدي للحقيقة إلى حقل السياسة، وأستطيع القول دون تردد أن الذين يزعمون أن الدين لا علاقة له بالسياسة لا يعرفون معنى الدين».

لقد حدّدت الأمم المتحدة الثاني من أكتوبر/ تشرين الأول يوماً عالمياً لنبذ العنف، احتفالاً بذكرى ميلاد المهاتما غاندي. وأختتم مقالي بفقرته الأخيرة: «إني إذ أودع القارئ، أسأله أن يشاركني في الدعاء إلى رب الحقيقة أن يمنحني نعمة الأهيمسا (الحب) في الفكر والقول والعمل»

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 3313 - الأحد 02 أكتوبر 2011م الموافق 04 ذي القعدة 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 26 | 12:53 م

      الاميرة

      روووووووووووووووووووووووووووووووعة

    • زائر 23 | 10:40 ص

      رااائع

      اتشوق لقراءة مقالاتك لا اقرأها بعيني بل كلماتها تصب في قلبي مباشرة،، لا خلا و لا عدم من كلامك يا سيد

    • زائر 22 | 9:19 ص

      محمدابو احمد


      هناك قصص في التاريخ الاسلامي والذي يعد سلفه الصالح نبراسا لنا خير مثال للعدل والوقوف بوجه الظلم وما قصة عمر بن عبدالعزيز ببعيدة عننا وللسيخ دينهم وقدوتهم ولنا ديننا وقدوتنا فلا تخلطو الأوراق فيختلط على الجيل الجديد الحابل بالنابل

    • زائر 21 | 9:01 ص

      من كتاب (رحلتي مع غاندي ) للكاتب الشقيري ما جاء على لسان غاندي في رحلتة للبحث عن الحقيقة و في الوصول إلى السلام الداخلي.. ام محمود

      يقول المهاتما غاندي الزاهد عن الدنيا ومباهجها :
      أدوات البحث عن الحقيقة بسيطة بقدر ما هي عسيرة . و قد تكون متعذرة كل التعذر عن المتغطرس , و ممكنه كل الإمكان للطفل البريء . و إن متلمس الحقيقة يجب أن يكون أكثر تواضعا من التراب , إن العالم يسحق التراب تحت قدميه , و لكن الباحث عن الحقيقة يجب أن يذل نفسه بحيث يكون في مقدور التراب نفسه أن يسحقه . و عندئذ , و عندئذ فحسب أن يكتب له أن يلمح الحقيقة
      _
      استاذ قاسم هذه الجملة(الجنود الإنجليز يحصدون شعبه بالرصاص) تعور القلب لأننا رأينا الشعوب العربية تُحصد

    • زائر 19 | 4:07 ص

      رد علي 10

      هذي مربط الفرس وهذي الي عافس السالفة وخالطها....بعد رجال الدين والسياسة انتو يبيلكم قرن عشان تتعضو من الدرس

    • زائر 18 | 4:05 ص

      انت يا سيد الذي تبحث عن الحرية وليس غاندي

      لقد اجتاز غاندي مرحلة البحث والتطبيق ، بلغ الحرية وطبقها ونجحت مدرسته عالميا فيجب على الشعوب الاقتداء بهذه المدرسة وتطبيقها ؟

    • زائر 17 | 4:05 ص

      هو اسلوب نادر وراقي وناجح في التعامل ولكن البعض

      البعض ينظر اليه من منظور خاطيء اي انه أسلوب الضعفاء ولكنه على العكس هو اسلوب الاقوياء
      لان تحمل الالم والعذاب لا يستطيع ان يتحمله الانسان الضعيف وانما القوي هو من يتحمل الالم اكثر
      تلك حكمة الحكماء وكما كان امامنا علي ع السلام
      قويا في مواقف الحرب كان قويا في تحمّل الالم من اجل مصلحة الامة

    • زائر 14 | 3:58 ص

      تفكروا

      الرجل الذي يطمح إلى رؤية روح الحقيقة، لا يستطيع أن يعتزل الحياة، ولذلك قادني تعبّدي للحقيقة إلى حقل السياسة، وأستطيع القول دون تردد أن الذين يزعمون أن الدين لا علاقة له بالسياسة لا يعرفون معنى الدين».

    • زائر 13 | 3:23 ص

      سيد

      سيدنا لمقالاتك طعم مختلف وكل يوم تضيف لنا معلومات جديده والله يعطيك الف عافيه ..ستراوي

    • زائر 12 | 2:51 ص

      الا عمت صباحا أيها الربع واسلم

      صباح الخير سيدنا
      انعشت صباحي بها المقال المليئ بالحب ...... فعلا الحب ينير كل الدروب المظلمة

    • زائر 11 | 2:21 ص

      الحب

      حقا أيها الكاتب المبدع أينما يوجد حب حياة-فألقلام الموتورة بالكراهية والشتأئم والتخوين لا يمكن أن تحمل ذرة من الحب ولا من الحياة لأنها تعيش حياة العدم وصراع الضمير المؤلم!!والله المعين!!!.

    • زائر 9 | 2:18 ص

      رقم 5 هم أغنياء بجهدهم وسواعدهم التي بنت بلداننا

      إذا كانت الهند فقيرة مادة فبلاد العروبة تفتقر لكثير مما عند الهند ولا حاجة لتعداد ما عندهم !!! كفاية أن نرى بلادنا وما عملته أيدي الهنود الذين شيدوا العمارات وبنوا الجسور والشوارع وسهروا في المطاعم والبرادات ليفروا لنا حاجياتنا.

    • زائر 7 | 1:41 ص

      فلننظر للصورة كاملة

      ما هي نسبة الفقر في الهند الآن بعد أن تحررت من الاستعمار البريطاني، وما هي نسبة الأمية والفساد إلخ.
      هل يعرف أحد ذلك؟

    • زائر 5 | 12:21 ص

      احسنت ياسيد وجزاك الله خيرا

      فعلا انه انسان عظيم وشعب الهند ايضا عظيم واعظم ما فى القول هو الدعاء لرب العالمين رب العرش والملكوت والخبير النذير اللهم منحني الحب لك اولا وابدا وتاليها فى الفكر والقول والعمل فنعم الدعاء وصباحك سعد وخير وبركة سيدنا

    • زائر 4 | 11:18 م

      من كلمات غاندي ....العنف تطعمه اللامساواة واللاعنف تغذيه المساواة.. ام محمود

      لا أحد يحيا بلا أخطاء حتى رجال الله
      فهم أولياء له
      ليس لأنهم معصومون من الأخطاء
      ولكن لأنهم يدركونها ويناهضونها
      ويسعون دائما لتصحيحها


      بالإيمان يتخطى الإنسان أعتى الجبال


      ديانة لا تعتد بالواقع
      ولا تحل مشكلاته . . ليست ديانة


      أؤمن أن اللا عنف يتفوق على العنف
      بصورة مطلقة والتسامح أقوى من العقاب





      القوة لا تأتي من مقدرة جسمانية
      بل تأتي بها إرادة لا تقهر



      يمكننا الانتصار على خصمنا فقط بالحب وليس بالكراهية
      أبدا فالكراهية شكل مهذب للعنف تجرح الحاقد
      ولا تمس المحقود عليه أبدا

    • زائر 2 | 11:13 م

      اليوم درسنا في المدرسة عن السيرة الذاتية لغاندي ... ام محمود

      من اقوال غاندي
      أين يتواجد الحب تتواجد الحياة."
      " يمكنك أن تقيدني، يمكنك أن تعذبني، يمكنك حتى أن تقوم بتدمير هذا الجسد، ولكنك لن تنجح أبدا في احتجاز ذهني."
      "إن العين بالعين تجعل العالم بأكمله أعمى."

      ماذا يفعل الإيمان في الإنسان ؟ .. إنه يستطيع فعل كل شئ

      تحيا الأخطاء عارية .. من أي حصانة حتى لو غطتها
      كل نصوص الكون المقدسة

    • زائر 1 | 11:02 م

      مازن

      لقد تعجب البريطانيون من هذا الرجل فهو زاهد بمعنى الكلمة و يريد أن يحقق التقدم و التطور للمجتمع في الآن نفسه و إن في هذا لما يرهب أي سلطة كانت لتواجه أمثال هذا الرجل

اقرأ ايضاً