نحتفل هذه السنة باليوم الدولي لنبذ العنف (2 أكتوبر / تشرين الأول) في عالم شهد تغيرا مذهلا منذ احتفالنا الأخير. فالمحرك القوي الكامن وراء مد التغيير - الذي بدأ في تونس ثم انتشر عبر شمال إفريقيا والشرق الأوسط وفي أماكن أخرى - لم يكن سوى صراع من أجل نيل الديمقراطية وحقوق الإنسان بطرق لا تقوم على العنف.
فالأشخاص الذين كانوا في طليعة هذه الحركات وفي صلبها - وكثير منهم شباب - أسقطوا حكومات طال عليها الأمد، ولقنوا دروسا لدعاة العنف وشجعوا شعوبا أخرى مضطهدة على أن تفكر هي أيضا بإمكان تحقيق مطامحها بالطرق السلمية.
إنه لمن باب المجازفة الكبيرة أن يتحدى أناس فوهة البندقية وليس معهم من سلاح سوى الإيمان بأن الحق بجانبهم، غير أن الشجعان الذين يؤمنون بمبدأ نبذ العنف ويتخذونه سبيلا، لا يتركون للطغاة سوى خيار بغيض، فإما أن يمعنوا في قمعهم وإما أن يتفاوضوا معهم. فأما الإمعان في القمع فهو دليل على إفلاس الأنظمة التي يدافعون عنها؛ وأما التفاوض فقد يكون فاتحة لانطلاق مسلسل التغيير. فهذا الذي كثيرا ما يجعل من نبذ العنف وسيلة تـُربك مَن يواجَهون بها؛ وهذا الذي يجعل من نبذ العنف أسلوبا قوي المفعول.
ومن الجلي أن ميثاق الأمم المتحدة يؤيد اللجوء أولا إلى نهج سلمي يقوم على نبذ العنف، باستخدام طرق من قبيل التفاوض والوساطة والتحكيم والتسوية القضائية.
فعندما أقر مجلس الأمن استخدام التدابير القسرية، كما حصل في وقت سابق هذا العام في كل من ليبيا وكوت ديفوار، فقد كان ذلك لحماية المدنيين، ثم لم يكن لجوؤه إليها إلا وسيلة أخيرة لمواجهة العنف.
إن عملنا غير القائم على العنف والرامي إلى بناء مجتمعات سلمية مستقرة يتخذ أشكالا كثيرة، تمتد من تعزيز القيم والمعايير إلى بناء المؤسسات. أما سيادة القانون والتنمية المستدامة وبناء السلام وصنع السلام، فهذه هي العناصر التي يتألف منها جدول أعمال الأمم المتحدة من أجل تحقيق التغيير غير القائم على العنف. إننا نعمل جاهدين من أجل أن نتدخل باكرا، قبل أن تتفاقم التوترات، ثم نسارع بالتدخل عندما تتفاقم. وإننا نقوم بتعزيز شراكاتنا الاستراتيجية كيما نتمكن من التدخل بطريقة أسرع لمواجهة الأزمات ونعمل في الوقت ذاته على مؤازرة المؤسسات الوطنية في جهود الوساطة والحوار.
ويصادف اليوم الدولي لنبذ العنف ذكرى ميلاد المهاتما غاندي، زعيم حركة الهند السلمية التاريخية من أجل نيل الاستقلال. على أن نهج التغيير والتجاوز الذي سلكه متجذر في ماضي الهند. فقبل نحو ألفي عام من ذلك، تخلى الامبراطور أشوكا عن خوض غمار الحروب وكرس نفسه لتنمية مجتمعه سلميا. وقد امتدت فكرته للسلام ونبذ العنف لتشمل حماية الحيوان والشجر، مما كان أسلوبا سابقا لأوانه في تحقيق الاستدامة.
وقد حمل هذا اللواء آخرون في مختلف أرجاء العالم، منهم شيكو مانديس في البرازيل والقس مارتن لوثر كينغ الابن في الولايات المتحدة، ومنهم نيلسون مانديلا في جنوب إفريقيا ووانغاري ماتاي في كينيا. فقد ألهم هؤلاء الزعماء جميعهم قيام حركات عالمية انضمت إليهم فيها أعداد لا حصر لها ممن يؤمنون بنبذ العنف كقيمة أساسية ومبدأ مُقَوٍّ.
إن القوة السرمدية لنبذ العنف، التي أنجزت الكثير في السنة المنفرطة وحدها، يجب أن تضطلع بدور حيوي في جميع البلدان، بما فيها الديمقراطيات الراسخة. فلنجدد التزامنا بدعم نبذ العنف في هذا اليوم الدولي. ذلك أن نبذ العنف ليس خطة ناجعة وحسب؛ ولكنه استراتيجية بل هو الرؤية المثلى. إن الغايات الدائمة لا تتحقق إلا بالوسائل الدائمة، ألا وهي نبذ العنف
إقرأ أيضا لـ "بان كي مون"العدد 3313 - الأحد 02 أكتوبر 2011م الموافق 04 ذي القعدة 1432هـ