من المقرر أن لصاحب العمل السلطة التأديبية (أو سلطة العقاب) على جميع عماله في كل ما يتصل بتنفيذ العمل في منشأته، وذلك من منطلق أن العامل وهو يعمل في خدمة صاحب العمل يكون تابعاً له وخاضعاً تحت إدارته وإشرافه وملزماً بتنفيذ أوامره والتقيد بما يفرضه عليه قانون العمل من التزامات وواجبات، فإن أخل بهذه الالتزامات أو خالف أوامر صاحب العمل المشروعة كان عرضة للجزاء (أو العقوبة التأديبية) التي يوقعها عليه صاحب العمل بمقتضى سلطته التأديبية المقررة له قانوناً.
وسلطة التأديب هذه تتصل في الوجه الأغلب بفرض غرامة على العامل، أو الخصم من راتبه، أو وقفه عن العمل لفترة محددة بأجر أو من دون أجر، أو فصله من العمل كأقصى عقوبة تأديبية.
ولصاحب العمل أن يباشر هذه السلطة بنفسه إذا كان حجم المشروع يسمح له بذلك، أو أن يفوض هذه السلطة إلى كبار مستخدميه في الحدود التي رسمها القانون دونما حاجة إلى استصدار حكم قضائي أو رخصة إدارية تجيز له ذلك. وكأن سلطته هنا سلطة استثنائية تفوق سلطة الحاكم في الجماعة السياسية، ورب الأسرة أو ولي الأمر في البيئة الاجتماعية، ذلك لأنه ما من سلطة تأديب (أو عقاب) لفرد على آخر أو لجهة على أخرى إلا بحكم قضائي نهائي، عدا سلطة صاحب العمل التأديبية.
ومن هنا تتضح لنا استثنائية سلطة صاحب العمل التأديبية.
غير أن هذه السلطة «الاستثنائية» ليست مطلقة وغير معفية من المساءلة، إنما هي تخضع لرقابة القضاء، ومقيدة بقيود قانونية لا يجوز مخالفتها أو تجاوزها، وهذه القيود تتمثل في الوجوه التالية:
الوجه الأول: وجوب القيام بإجراءات قانونية تسبق تنفيذ العقوبة التأديبية.
الوجه الثاني: وجوب توافر الشروط القانونية لصحة العقوبة التأديبية.
الوجه الثالث: احترام الضوابط القانونية المقيدة لتنفيذ العقوبة التأديبية.
وحيث نلحظ أن الساحة المحلية باتت في الآونة الأخيرة حُبلى بفصل العمال أو وقفهم من العمل لأسباب لسنا في محل البحث فيها، وقد برر البعض ذلك بحق صاحب العمل في تأديب عماله، استناداً إلى سلطته التأديبية «الاستثنائية» المقررة له بمقتضى القانون. لذلك رأينا أن نلقي الضوء على قيود هذه السلطة المتمثلة في الوجوه الثلاثة السابقة بإيجاز شديد وبقدر ما تتسع له مساحة هذا المقال. وذلك فيما يلي:
الوجه الأول: قيام صاحب العمل بإجراءات قانونية تسبق تطبيق العقوبة التأديبية:
وهذه الإجراءات يجب أن تكون متتالية على النحو الآتي:
الإجراء الأول: تحديد المخالفة المنسوبة إلى العامل وإبلاغ العامل بها:
فمن أولويات إجراءات التأديب إبلاغ العامل كتابة بما نسب إليه من مخالفات أو أخطاء تأديبية، وذلك ما نصت عليه المادة الخامسة من القرار الوزاري رقم (23) لسنة 1976 الخاص ببيان العقوبات التأديبية وقواعد وإجراءات التأديب التي جاء فيها «يُحظر توقيع عقوبة على العامل إلا بعد إبلاغه كتابة بما نسب إليه». وهذا الإجراء واجب التطبيق مهما تكن نوع المخالفة، ومهما يكن حجم الجزاء المقرر لها.
الإجراء الثاني: التحقيق السابق على توقيع العقوبة، وضمان حق الدفاع:
فلا يكفي تحديد المخالفة (أو الخطأ التأديبي) على نحو ما جاء في الإجراء الأول، إنما يفرض القانون لضمان حسن العدالة وعدم الإخلال بحق الدفاع التحقيق المسبق مع العامل في المخالفة المنسوبة إليه، وذلك استناداً لما جاء في المادة الخامسة من القرار الوزاري سابق الذكر، حيث تنص على «وجوب سماع أقوال العامل وتحقيق دفاعه وإثبات ذلك في محضر يودع بملفه الخاص».
وللتحقيق في الواقعة أو المخالفة المنسوبة إلى العامل يستوجب أولاً على لجنة التحقيق بالمنشأة تحديد الواقعة أو المخالفة تحديداً دقيقاً، والاستماع إلى أقوال العامل، والتحقيق فيما يقدمه من دفاع أو بينة، وتمكينه من الاستعانة بمحامٍ إنْ أراد ذلك، وبالشهود إنْ وجدوا، وأن تُسجل مجمل وقائع التحقيق ونتائجه في محضر كتابي بملف العامل.
الإجراء الثالث: إبلاغ العامل بما تقرر عليه من عقوبة تأديبية:
فعندما تتأكد لجنة التحقيق من ارتكاب العامل المخالفة المنسوبة إليه (بعد إجراء التحقيق على النحو السابق ذكره) وتقرر من ثم العقوبة ضده بشأنها يجب عليها قبل تنفيذ هذه العقوبة إبلاغ العامل بها، وذلك استناداً لما جاء في نص المادة رقم (7) من القرار الوزاري سابق الذكر بالآتي: «يجب إبلاغ العامل كتابة بما وقع عليه من عقوبات ونوعها ومقدارها والعقوبة التي يتعرض لها في حالة العود».
الإجراء الرابع: منح العامل الفرصة للتظلم قبل توقيع العقوبة التأديبية عليه:
هذا الإجراء يأتي ترجمة عملية للإجراء الثالث سابق الذكر، إذ إن الحكمة من وجوب إبلاغ العامل بالعقوبة المقررة عليه قبل تنفيذها هي إعطاؤه الفرصة للتظلم، وهذا ما أشارت إليه المادة رقم (8) من القرار الوزاري سابق الذكر بوضوح، بالقول: «للعامل الحق في التظلم من القرار الصادر بتوقيع العقوبة خلال ثلاثة أيام من تاريخ الإبلاغ المشار إليه في المادة السابقة، ويقدم التظلم إلى مُصدر القرار، ولا يجوز تنفيذ العقوبة قبل مضي ثلاثة أيام من تاريخ الإبلاغ».
مع الإشارة إلى أنه ليس بالضرورة الالتزام بالإجراءات السابقة عندما تكون المخالفة جسيمة من المخالفات المنصوص عليها في المادة (113) من قانون العمل؛ كأن ينتحل العامل شخصية غير صحيحة أو يُقدم شهادات وتوصيات مزورة، أو أن يصدر عليه حكم نهائي في جناية أو في جنحة ماسة بالشرف أو الأمانة أو الآداب العامة، أو أن يوجد أثناء العمل في حالة سكر بيِّن، أو كان متأثراً بما تعاطاه من مادة مخدرة، أو أن يعتدي على صاحب العمل أو المدير المسئول، أو أن يُفشي الأسرار الخاصة بالمنشأة التي يعمل فيها... وفي كل هذه المخالفات الجسيمة بحث وتفصيل لا يسع المجال لها.
الوجه الثاني: توافر الشروط القانونية لصحة العقوبة التأديبية:
لا يكفي قيام صاحب العمل بالإجراءات السابقة، لأن تكون العقوبة التأديبية صحيحة، إنما يجب فوق ذلك توافر شروط لا تتحقق صحة العقوبة إلا بتوافر هذه الشروط.
وفي هذا الوجه نكتفي بالإشارة إلى الشرطين السابقين كأهم هذه الشروط:
أولاً: تعلق المخالفة بالعمل: فمن المقرر قانوناً أن المسئولية التأديبية لا تقوم إلا عندما تصدر المخالفة من العامل داخل دائرة العمل أو بسببه أو متعلقة به، أما إذا ارتكب العامل المخالفة خارج دائرة العمل، أو كانت المخالفة غير متعلقة بالعمل فلا يحق لصاحب العمل معاقبة العامل بشأنها وإنْ ثبت ارتكابه لهذه المخالفة، أو حتى إنْ بلغت هذه المخالفة حداً تتصف بالجرم. وهذا ما أكدت عليه المادة رقم (102/4) من قانون العمل بقولها «ألا يوقع الجزاء على العامل لأمر ارتكبه خارج مكان العمل إلا إذا كان له علاقة بالعمل».
ثانياً: تناسب الجزاء التأديبي مع حجم المخالفة:
فلا يكفي لبلوغ الجزاء التأديبي شرعيته أن تكون المخالفة متعلقة بالعمل، إنما يجب أن يكون الجزاء متناسباً مع حجم المخالفة أو الخطأ التأديبي، وهو مبدأ يستمد قوته من فكرة الحق والعدالة كنظرية عامة تكمن في بطون القواعد المدنية والجزائية على السواء، فأي إخلال بهذا المبدأ يعتبر تعسفاً من قبل صاحب العمل.
وأخيراً، نأمل من أصحاب الأعمال أن يتدبروا الحق ويفقهوه ويعملوا به، وأن يتذكـَّروا أن قطع الأرزاق أكبر إثماً من قطع الأعناق، وأن الظـُلم يَسلبُ النـِّعَم ويُهلكُ الأمم، ذلك ما أخبرنا به أنبياء الله وأئمة الهدى
إقرأ أيضا لـ "علي محسن الورقاء"العدد 3312 - السبت 01 أكتوبر 2011م الموافق 03 ذي القعدة 1432هـ
الاسس
الاسس المتبعة في جميع العقوبات هي بإمتياز طائفية بحتة ليس لها صلة بالمبادىء والقيم القانونية لا من قريب ولا بعيد-وشكراُ للكاتب المحترم على توضيح الامور التشريعية ذات الصلة التي أبطلت تلك العقوبات المستهدفة ضد فئة معينة من المجتمع!!!!!.
فصلنا كان انتقاما
ليس هناك قانون يبرر فصلنا الا قانون الغاب
ابلغت في المقال
لم تيقي لهم عذرا ولا في واحدة
انت تثت ان فصلنا تعسفيا وتشفيا وانتقاما