لا نكاد نبالغ إذا قلنا إن المعلم هو العنصر الرئيسي المنفذ لأهداف مشروع التربية على حقوق الإنسان.
هذا التوجُّه يقودنا بشكل تلقائي إلى الحديث عن ضرورة تهيئة وإعداد المعلمين وعموم أعضاء الهيئتين التعليمية والإدارية ورفع استعداداتهم على المستوى المهني، من خلال تنظيم الدورات التدريبية والمؤتمرات والندوات لتبادل الخبرات، وبحث الآليات لإيجاد الوسائل التعليمية الملائمة، والتدريب على كيفية توظيفها في الحقل التربوي لتنمية الوعي بثقافة حقوق الإنسان.
ولكي نضمن سير العملية التربوية في مسارها الصحيح، فإن من الأهمية بمكان الابتعاد عن الاجتهادات أو المحاولات الفردية غير العلمية أو المدروسة، والتفكير بشكل جاد في إصدار «دليل التربية على حقوق الإنسان»، كإطار مرجعي للعاملين في الميدان التربوي.
نحتاج إلى التأمل في مقاصد هذا الدليل، الذي من المتوقع أن يقوم بنقل الثقافة الحقوقية التي ظلت ردحاً من الزمن محصورة في الأوساط النخبوية أو الناشطين الحقوقيين إلى أداة معرفية تكون صالحة للتطبيق والممارسة في الفضاء المدرسي، فالمؤلفات المدرسية العربية في مجال التربية على حقوق الإنسان تكاد تكون نادرة، إلى جانب صعوبة تحقيق الأهداف الوجدانية/ السلوكية ومن ثم قياسها، لذا كان لزاماً علينا العمل على ترجمة الأهداف العامة للتربية على حقوق الإنسان إلى أهداف نوعية ـ إجرائية، وضبط المحتوى المعرفي للدرس، وتحديد عناصره الأساسية، وتصميم الأنشطة التعليمية/ التعلمية وعملية التقييم، وتهيئة وسائل الاتصال التعليمية الفعالة.
ولكن السؤال المطروح هو: من هي الجهة المسئولة عن هذا الدليل؟
إن إعداد هذا الدليل هو مسئولية مشتركة بين الجهات الرسمية ومؤسسات المجتمع المدني، فهو يندرج ضمن اختصاص الجهات الرسمية (وزارة التربية والتعليم) والمنظمات العاملة في مجال حقوق الإنسان، ومن المفترض أن يساهم الدليل في دعم الاستراتيجية الوطنية للتربية على حقوق الإنسان، والتي تستهدف أولاً تأهيل المعلمين والمربين، وتمكينهم من القيام بهذه المهمة من خلال تزويدهم قدر الإمكان بالوسائل التربوية التي يمكن بواسطتها ترجمة قيم حقوق الإنسان على مستوى السلوك اليومي في المجتمع المدرسي.
ليس من الضروري أن يستجيب الدليل لجميع احتياجات المدرسين ومشاكلهم التي يمكن أن تثار بشأن تقديم كل حق من الحقوق الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، لأنه ـ أي الدليل ـ محاولة أولية للمساهمة في سد النقص في المواد التعليمية والمراجع الخاصة بالجانب التطبيقي في مجال التربية على حقوق الإنسان.
أكاد أجزم بأن هذا الدليل سيساهم في إثراء التجربة المدرسية في البحرين فيما يتعلق بتضمين ودمج مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج التعليمية، وتنمية الوعي لدى المعلمين والمنتمين للمؤسسات التعليمية، ومساعدة الشباب في معرفة كيفية التعاطي مع حقوقهم وحقوق الآخرين، وتثبيت كونية حقوق الإنسان، وأنها كل مترابط لا يتجزأ، ليكون هدفنا في الأخير العمل من أجل مجتمع مدني متطور ومتضامن على أساس احترام قيم الحق والمساواة والعدالة والكرامة والديمقراطية وما إلى ذلك.
على المستوى العملي، فإن دليل التربية على حقوق الإنسان سيركز في الفصل الأول منه على الأهداف البيداغوجية (التربوية)، بأن يستنتج الطالب مثلاً مفهوم حقوق الإنسان، والتعرُّف على المبادئ الأساسية التي تندرج ضمن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، بحسب الفئة العمرية المستهدفة والمرحلة التعليمية (الابتدائية أو الإعدادية أو الثانوية)، مع تخصيص المدة المقترحة والوسائل والمعينات كتوزيع نسخ من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (بحسب عدد الطلبة المشاركين)، واعتماد المعلم على استراتيجية تدريس فعالة، كالعصف الذهني (Brainstorming) والأسئلة والحوار وغيرها.
الخطوة الأولى لهذا الدرس لا تتجاوز (5 دقائق)، إذ المطلوب من المعلم تحفيز الطلبة على تقديم تعريفات لمفهوم حقوق الإنسان مع تدوين إجاباتهم على السبورة، وتوجيه مناقشتهم بهدف الوصول إلى تعريف لحقوق الإنسان، وضبط تعريف محدد ينسجم مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يتوفر المشاركون على نسخ منه، لأن المطلوب من الطلبة تقديم تعريفات لمفهوم حقوق الإنسان كما يتخيلونها أو كما فهموما، ومقارنة إجاباتهم مع محتوى التعريفات المحددة، والوصول إلى تعريفات محددة.
وفي الخطوة الثانية يطلب المعلم من كل طالب أن يفكر في أمثلة ثلاثة لما يمكن أن يعدُّ مبدأ من مبادئ حقوق الإنسان، وفي المقابل فإن المطلوب من الطلبة تدوين أمثلة ثلاثة تندرج ضمن حقوق الإنسان في نظرهم، وإطلاع نظرائهم (بقية الطلبة) في الصف الدراسي على ما توصل كل واحد منهم إليه، بحيث يصوغون بشكل جماعي قائمة مشتركة بهذه الحقوق.
وبالنسبة إلى الخطوة الثالثة فالمطلوب من المعلم أن يحاور الطلبة ويشجعهم على المقارنة بين بنود الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ليبادر الطلبة بدورهم إلى البحث والتأكد من مطابقة النتائج التي توصلوا إليها مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
أما الخطوة الرابعة والأخيرة، فإنها تستغرق وقتاً أطول، لأن المطلوب من المعلم دعوة الطلبة إلى تكوين ثلاث مجموعات صغيرة (التعلم التعاوني)، والرجوع إلى وثيقة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، بحيث تعتكف كل مجموعة على 10 مواد بهدف استخلاص المبادئ الأساسية التي تستند إليها حقوق الإنسان، والمطلوب أن تناقش كل مجموعة المبادئ الكامنة في مجموعة المواد الموزعة عليها، وتطلع المجموعات الثلاث على بعضها البعض على النتائج التي توصلت إليها، وصوغ المبادئ الأساسية التي تستند إليها حقوق الإنسان مثل: الحرية والمساواة والكرامة والتسامح والتضامن والعالمية والثبات وغيرها. (راجع: دليل التربية على حقوق الإنسان/ إعداد شبكة التربية على حقوق الإنسان التابعة لمنظمة العفو الدولية ـ فرع المغرب، الطبعة الثانية 2003م).
زبدة القول، إن إصدار هذا الدليل أمر مهم، لأنه سيشكل خريطة الطريق للمعلمين والمدربين في مجال التربية على حقوق الإنسان، وقد أشار وزير التربية والتعليم ماجد النعيمي في مقال نشرته صحيفة «الوسط» بتاريخ 26 سبتمبر/ أيلول 2011 إلى جهود الوزارة بشأن إعداد دليل مرجعي للتربية على حقوق الإنسان يتناول القيم والمفاهيم والمبادئ والمواثيق ذات العلاقة بحقوق الإنسان، والاستراتيجيات والطرائق والأنشطة التعليمية – التعلمية التي تساعد على إكساب الطلبة هذه القيم وجعلها أساساً لممارساتهم وتوجهاتهم السلوكية
إقرأ أيضا لـ "فاضل حبيب"العدد 3312 - السبت 01 أكتوبر 2011م الموافق 03 ذي القعدة 1432هـ
دليل إرشادي أم تعريفي!!
دليل الهاتف، دليل التسوق، واليوم دليل التربية على حقوق الإنسان..
هل الإنسان ضل حقه وهو بحاجة لمن يدله عليه؟؟ ,الامر أنه يحتاج الى تربية على حقوقه!!
كيف تعلم الطفل المشي؟ هل ربي أو علمه أحد؟ وهل قرأ دليل ارشادياً عد كيفية النهوض والحركة...؟