العدد 3311 - الجمعة 30 سبتمبر 2011م الموافق 02 ذي القعدة 1432هـ

شعوبكم جاهلة ولا تستحق منكم سوى العَصا!

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

يهدِّد العالم خَطَرَان دائِمان: النظام والفوضى. هذا ما كان يقوله الشاعر والفيلسوف الفرنسي البارع بول فاليري. خطر الفوضى معروف، أما خطر النظام فهو في كونه نقيض للأول. والنقائض عادة ما تشتمل على فرص سانحة جدًا للصراع والمشاكل المعقدة، أو كما كان يصف ذلك الماركسيون من أن النقيضيْن لا ينفصلان تمامًا، وإنما يرتبطان بعلاقات جدليّة تؤدي بهما إلى شيء ثالث أطور وأحدث منهما، لكنه مرتبط بأجزاء رئيسية منهما أيضاً.

وددتُ بهذا الحديث الاستهلالي، أن أتطرق إلى أمر مهم يواجه العديد من أنظمة الحكم السياسي في عالمنا العربي من المحيط إلى الخليج. محور الحديث ذاك هو تساؤل مشروع حول كيفية تحوُّل هذه الأنظمة من قيمة للإستقرار، إلى مادة مُشجِّعة للأزمات السياسية والاختناقات الاجتماعية. لماذا لم تتحوَّل هذه الأنظمة إلى حالة استقرار سياسي دائم بعيد عن الاضطرابات الداخلية؟ كيف يُمكن لمجتمعات أوروبية متناقضة الانتماء الديني والعرقي أن تكون بهذا الاستقرار، ومجتمعات عربية/إسلامية متجانسبة لكنها بهذه الفوضى؟

الحقيقة والجواب على ذلك، هو أن المجتمعات الأوروبية نجحت في ذلك لأنها أدركت معنى الحكم السياسي كما يجب فاستطاعت التعامل مع مشكِلَتَيْ الفوضى والنظام كما يجب أيضاً. صحيح أن تلك الأنظمة كانت سيِّدَة على مجتمعات منقسمة (هولندا، سويسرا، ألمانيا، بلجيكا مثالاً) إلاَّ أنها صنعَت صيغة من الحكم قادرة على موازاة تلك المكونات في مسألة الحقوق والحريات. كما أنها كانت قادرة على هضم المشكلات واستيعابها من السياسة وحتى الاجتماع، وبالتالي لم تتلكأ عبر اعتماد عملية إصلاح وهميَّة، أو حركة تحديث سلحفائية مُثبِّطة للهِمم والتطلعات، حتى تفقدها (الأنظمة) صدقيتها أمام تلك المكونات وبالتالي تثوُّرها عليها بين الفينة والأخرى، في صراع سياسي واجتماعي لا ينتهي.

مشكلة نظمنا السياسية هي أنها تعتبر شعوبها شعوباً غير متعلِّمة وجاهلة وغير ناضجة وغير مؤهلة لإدارة الخلاف وممارسة العمل الديمقراطي وبالتالي فهي لا تستحق من الإصلاح السياسي إلاَّ بالتقطير والتدريج، بالضبط مثلما يكون إطعام الأطفال الذين لا يُمكن تلقيمهم بجرعات من الأكل، غير السوائل والحبوب. كثيرة هي الأنظمة التي لم تفهم فساد تلك النظرية إلاّ عندما تعرضت لأزمات سياسية داخلية خانقة، بعضها أطاح الخيمة على الجميع، وخلَطَ الحابل بالنابل، وبعضها مستمر إلى الآن دون حلحلة.

تمعَّنوا في تونس التي أمعَنَ نظامها في القمع السياسي والأمني والاجتماعي منذ الاستقلال، ثم تتوَّج بعد العام 1987م، وكان كلّ شيء في هذا البلد يُحسَب على أنه تهديد للأمن، إلى أن انفجر الوضع وسَقَط النظام برمَّته. مصر التي أسهم الحزب الوطني الحاكم فيها على هندسة الانتخابات كما يريد، مع سلبٍ ممنهج للثروة ضارباً دعوات الإصلاح التي قدَّمتها الأحزاب المصرية عرض الجدار إلى أن ثار الناس بشكل مهيب، وسقط النظام السياسي والحزب الحاكم، وقدِّمَ أعضاؤه فردًا فردًا صعودًا حتى الرئيس إلى محاكمات علنية.

اليوم في سورية يستجيب حزب «البعث» الحاكم لمطالب التغيير من تنظيم انتخابات ولوائح للإعلام الحر وتشكيل جديد للأحزاب، بسرعة البرق فقط لأن البلد دخلت في أزمة سياسية وتظاهرات مستمرة منذ ستة أشهر تهدد استقرار النظام. لماذا لم يستجب الرئيس بشار الأسد لكلّ هذه المطالب من قبل؟! لِمَ ينتظر حتى يتفسَّخ البلد بأزمة مهولة كالتي تعصف ببلاده لكي يعرف أن شعبه يستحق منه كلّ ذلك التحديث والدمقرطة، وأنه ليس شعبًا حديث على الحياة الديمقراطية؟! بالتأكيد هذا الحال ينطبق على العديد من الدول العربية.

كيف يُمكن لدولة مثل منغوليا التي حَكَمَتها الصين 231 عامًا، وشعبها يعيش على الرعي وتربية الخيول أن تشهد انتخابات حرّة ويتنافس فيها الحزب الثوري الشعبي المنغولي وائتلاف الاتحاد الديمقراطي صَدرًا بصدر، وبكل شفافية حتى أنها «أسَرَتْ خيال العالم، من خلال انتقالها الناجح الى الديمقراطية» كما قال جوزيف بايدن ولا يحق لنا نحن العرب ممارسة ذلك الحق وبذلك المنسوب من الحرية والإنصاف، رغم أن أغلبنا أصحاب فتوَّة ومتعلمون ومنتسبون لطبقة وسطى؟! هذا أمر مدعاة للسُّخرية والعَجَب، لكنه أيضًا يُفسِّر مدى رداءة هذه الحجج، التي مع الأسف يُصدقها البعض ويُروِّج لها، فقط لأنه مستفيد منها ومن بقائها، بل إن وجوده ومستقبله مرتبط بها أيضًا.

نعم، هناك دول بدأت في عمليات التحديث بشكل تدريجي، وبلبِنَة على أخرى، وهو أمر مقبول جدًا، لكنها أيضًا وطيلة ذلك التحديث لم تتعثر حركتها ولم تتراجع، وتساوَقت شعاراتها مع سياساتها، وهو ما يجلعها محل قبول وثقة.هذا هو الفرق بين النموذجين. على الحاكمين أن يُدركوا شيئًا واحدًا، وهو هؤلاء البشر هو ناسهم، وهم لا يريدون أكثر من أن يروا أنفسهم متمثلين في وطنهم لا أكثر من ذلك ولا أقل. إنه لمِنَ المؤسف أن يدفع هؤلاء الحكام شعوبهم لأن تستغيث، وتستجدي بالعدو لكي تتخلَّص منهم (رغم خطأ ذلك المنهج) لكن المشكلة أن ذلك قد حدَث. حَدَثَ في العراق وليبيا واليمن ويحدث الآن في سورية والحبل على الجرار

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3311 - الجمعة 30 سبتمبر 2011م الموافق 02 ذي القعدة 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 11 | 1:18 م

      يشتغيث

      استاذ مهما حدث لا يجوز الاستجدى او الاستغاثة بالعدو لانةُ اليوم يقضي علي عدوك غداً يقضي عليك

    • زائر 10 | 10:01 ص

      من رسالة الحقوق للامام السجاد عليه السلام .(حقوق الشعوب مهدورة و مضيعة ومسحوقة) لم يجري في أي عصر من العصور مثل ما حدث من قتل مستمر وهائل.. ام محمود

      (وحق السلطان أن تعلم أنك جعلت له فتنة وأنه مبتلى فيك بما جعل الله عز وجل له عليك من السلطان، وأن عليك أن لا تتعرض لسخطه، فتلقي بيديك إلى التهلكة، وتكون شريكا له فيما يأتي إليك من سوء)
      (وأما حق رعيتك بالسلطان فأن تعلم أنهم صاروا رعيتك لضعفهم وقوتك فيجب أن تعدل فيهم وتكون لهم كالوالد الرحيم، وتغفر لهم جهلهم، ولا تعاجلهم بالعقوبة، وتشكر الله عز وجل على ما آتاك من القوة عليهم )
      ما يحصل في العالم اليوم ويسبب لنا الدهشة هو التعامل الوحشي بين الحاكم والمحكوم و بدل أن يكون كالوالد أصبح كالجلاد والقاتل والمجرم

    • زائر 9 | 9:48 ص

      المشكلة ان بعض الأنظمة السياسية العربية تنقصها الخبرة في ادارة الأزمات وفي ادارة البلاد ... ام محمود

      بحكمة القبطان البارع لسفينته لينجو بها من الغرق وسط الأمواج الهادرة وبحكمة الطيار الذي يبتعد عن الأخطار والمطبات ... هناك خلل خطير في السياسة العربية يمكن مع الأيام نكتشفه يمكن نقدر نقول انها تعتمد على مستشارين ووزراء فاشلين أو ان هناك خيوط من الخارج كانت تحرك الزعماء وهي كانت سبب هذه الفتن والمجازر وارتفاع نسبة القتلى والدمار
      أحياناً أتساءل يا أخ محمد وأقول ان الرؤوساء (لمصر واليمن و سوريا وتونس وليبيا)لا ينقصهم العلم والثقافةوهم عسكريون وضباط
      لماذا عملوا ما عملوه وهم يعتقدون انه الصواب؟

    • زائر 8 | 8:21 ص

      يبو عبدالله ساعات قلع الوعي رحمه للحكام

      كونك نوخذا على جماعه اقلهم شهاداته تلحفك مشكله تسولف له عن المريخ ايسولف لك عن زحل
      اتسولف عن المشتري ايسولف لك عن اشياء خارج درب التيانه تتحير وياه ماينقص عليه ايقارعك بالاف الحجج احسن تستبدله بواحد امفهي مايدري وين الله حاشرنه اتاشر على الشمس اتقول له قمر يصدق انها قمر سهل قيادته مايعور راسك ويايخت من كان شعبه من هل النوعيه كل شي عنده تمام
      لا يكش ولا ينش

    • زائر 7 | 5:40 ص

      الدول

      الناس دول فأنتظر

    • زائر 6 | 3:41 ص

      الشعوب تدفع الفاتورة

      كيفية تحوُّل هذه الأنظمة من قيمة للإستقرار، إلى مادة مُشجِّعة للأزمات السياسية . هو الجشع والطمغ وحب التملك الذي ليس له حدود

    • زائر 4 | 1:22 ص

      بارك الله فيكم

      تحليل أكثر من رائع

    • زائر 3 | 1:04 ص

      مسكينة هي الشعوب

      ولا تعليق

اقرأ ايضاً