في بداية هذا الأسبوع كتبت أرثي شيخاً وطنياً في السبعين من قلالي بجزيرة المحرق، واليوم أكتب راثياً شاباً في الخامسة والثلاثين من البلاد القديم بجزيرة البحرين.
حضرت جنازة الأخير (حسين الأمير) قبل أربعين يوماً، واليوم أتحدث عن جوانب من شخصيته، ففيها عبرة ودرس للجيل الجديد. فقد وُلد كفيفاً، وعاش حياةً صعبةً، وتكفّلت أمّه برعايته وأخيه وأختين أخريين، درسوا حتى بلغوا الجامعة طلاباً ومدرّسين.
عرفته قبل سنوات من خلال المؤتمرات الخاصة بذوي الإعاقة في البحرين والخليج، وصحبته العام الماضي في مؤتمر بالدمام، وكنت أرى بشاشته فأتفكّر كيف يعوّض الله عباده الذين يعيشون في ظلام دائم. كان صاحب رسالة يريد أن يوصلها للجميع: نحن قادرون، ونريد أن نشارك في الحياة كالآخرين.
لم تمنعه إعاقته البصرية من القراءة والاطلاع، وكان يمثل نموذجاً محفّزاً لزملائه المبصرين في الجامعة على الاجتهاد. وكان يكتب مقالات للصحف أيضاً. وحين زرت جمعية الصداقة للمكفوفين قبل أربعة أعوام، كنت شغوفاً بمعرفة كيفية كتابتهم وتواصلهم عبر الأجهزة الحديثة.
كان يبعث بأخبار الجمعية عبر البريد الالكتروني لنشرها، وفي كلّ مرة أستغل الفرصة لأسمع صوته الدافئ. وفي إحدى المرات شكا من عدم قدرتهم على قراءة كل ما تنشره «الوسط»، فأوصلت الشكوى لقسم تقنية المعلومات. وذات مرة فاجأته قائلاً: سأبعث لك بما كتبته عن جدتك في «روافد من بلادي»! خمّنت أن ذلك سيثير شهيته للقراءة. بعثت له الفصل الخاص بـ «نساء من القرية»، وقصة «بنت علي وأم علوان»، وهما شخصيتان حفرت صورهما في أعماق نفسي. اتصل ليقول إنه لم يتمكن من قراءتها لأنها بطريقة الصفحات المصورة، وطلب إرسال النص. أرسلت النص، وخلال ساعة ردّ علي بالايميل: «شكراً لك فقد وصل الجزء وقرأته وأطمع في الكتاب كاملاً. جميل كلامك عن جدتي، فلم أكن أعرف ذلك من قبل». كان ذلك عصر الأربعاء (26 مايو/ أيار 2010).
كنت قد كتبت عن جدته: «هي صورة نموذجية للمرأة الكادحة الصبورة. أظنها تزوّجت في سن صغيرة برجل كبير في السن، فلم أر زوجها إلاّ مرة واحدة في حياتي، حين دخلت يوماً بيتها القديم المبني من الطين، وبالصدفة دلفت إلى غرفة مظلمة، فوقعت عيني على رجل طاعن في السن، لحيته بيضاء، ممدداً على الفراش. عرفت حينها انه زوجها المقعد منذ سنوات». من المؤكد انه لم يبصر ذلك المنظر المهيب.
كان لديه برنامجٌ الكتروني يحوّل النص إلى لغة منطوقة، وكانت هذه طريقته للكتابة والقراءة والتواصل مع الآخرين. ولم يمض يومٌ واحدٌ حتى كتب لي أنه أتمّ الكتاب. من عرفوه عن قرب يؤكدون انه كان شغوفاً بالقراءة.
كانت جدته العجوز أم علوان تداعب صاحبتها يوماً قائلةً: «يا بنت علي، إذا استخارك الله لجواره فزوريني في المنام لتخبريني بما حدث لك بعد الموت». فقالت العجوز الضريرة: «الله لا يقوله، بعد عمر طويل»!
لقد مضت العجوزان إلى سبيل ربهما في منتصف السبعينيات، في الفترة التي وُلد فيها حفيدٌ، التحق بهما بعد خمسة وثلاثين عاماً. لقد عاد الطفل المرحوم إلى حضن أمه، وعاد التراب إلى التراب
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 3309 - الأربعاء 28 سبتمبر 2011م الموافق 29 شوال 1432هـ
شئ ما شفتة
الشئ اللي ما شفتة الخليط من الناس الذين حضروا الندوة لم تمنعهم الاحداث ولا الطائفية من الحضور حسبي الله علي من فرقنا
الانسانية
ما أروع أن يكون هناك ما يبدي شيء من الاهتمام لذوي الاعاقات في زمن طغت فيه المادية بأعلى مقايسها!!!!!.
نوذج رائع
كما ان حسين الامير نموذج رائع فأن علاقته مع رفيقة دربه المميزه سوسن دهنيم نموذج رائع
شكرا ...لكل من يبصر الحق
كان الحفل التأبيني مهيبا... عبارات...ألحان....أشعار....كلمات...دموع ...آهات .... سطرها المحبون والعاشقون للإنسانية الراقية التي تجلت في الفقيد.
هنيئا لك أبا قيس .... وهنيئا لكل قلب أحبك.
صدقني يا استاذ
ان في البحرين ابداع حتى من اصحاب الاعاقات الدائمة و ما رأيته و ما ذكرته عن حسين ما هو الا قطرة من ابداع هؤلاء المحرمون ... الله يرحمه و يرحم شهدائنا و امواتنا و المؤمنين و المؤمنات
سبحان الله
ياما ناس الله عطاهم نعمة البصر ولكن نزعت منهم نعمة البصيرة
مازال معنا..
وكانه لم يرحل
مع ابتسامة ...وتحدي ....وصمود...وابداع
تحياتي لكم اسرة الوسط
كم تحمل من روح جميلة ياقاسم
ماأروع أن يعطى المحرومون أهتماماً في أعمدة الكتاب مثل المكفوفين وذوي الإحتياجات الخاصة. عزائنا للأخت سوسن دهنيم ولعائلة المرحوم ، وشكراً من الأعماق لصاحب الحس الإنساني سليل الحسين سيد قاسم سيد حسين
أبو صادق الدرازي
مفخره من مفاخر اوال ياسيد
نعم نموذج من النماذج الذي يحق لاوال ان تفتخر به انه كفيف البصر ولكن صحيح البصيره حقق ما لم يحققه المبصريين تغمد الله الفقيد بواسع جناته والهم ذويه الصبر والسلوان والى ابنتي الفاضله سوسن هذا امتحان رباني على الصبر وتحدي دنيوي على مواصله الحياه بماسيها مواصله الطيران بجناح واحد هذه قمه الوفاء لمن تحب الله يجعل ذريته خير امتداد الى ها الاصل الطيب
الله يرحمه ويرحم المؤمنين
لقد كنت مع حسين الامير في الجامعة في التسعينات من القرن الماضي حيث كنا نتنقل من جامعة مدينة عيسي الى جامعة الصخير وكان نفس السؤال في داخلي كيف يتم التواصل بين من فقد حاسة البصر، وبعد فترة قصيرة علمت ان هنالك كمبيوتر حاص للدوي الإعاقة البصرية.