في رواية زوربا اليوناني للكاتب نيكوس كازانتزاكيس تبرز رقصة زوربا لتضيف إلى اللغات لغة أخرى، لغة الجسد الذي يحكي ما تعجز عنه لغتان لا تتفقان، إذ يروي البطل كيف جمعه القدر بصديق روسي يدرك من لغته ست كلمات فإذا عجزا عن الاستمرار رقص كل منهما في تعبير عما يريدان قوله وكانت تلك الطريقة بدائية جداً لكنها ناجحة.
في اختلاف اللغة والثقافات تبدو تلك اللغة الجنونية التي يتقنها أفضل ما يمكن ان يقوم به، وأعتقد بأننا بتنا بحاجة لأن نعتمد هذه الرقصة التي قد توصلنا إلى منطقة وسطى، فما يؤكده الواقع ان هناك فجوة عملاقة بين ما يمى بالموالاة والمعارضة لا تصل بهما أبداً إلى نقطة التقاء قد تنقذ البلد من الانزلاق إلى ما لا تحمد عقباه.
الأزمة السياسية التي أريد لها أن تكون طائفية من البعض ستغلق ذات يوم بحل يرضي أغلب الأطراف لكننا لا نريد لها أن تنتهي بجفاءٍ طويل بين مكونات الشعب، الذي عرف بهشاشة عاطفته وتأثره السريع، لا نريد ان تنتهي الأزمة بخصام ينهي تاريخ حضارتنا التي كانت ملتقى لحضارات الشرق والغرب، ما ساهم في انفتاح أبناء هذه الجزيرة على كل المختلفات، لن نأتي الآن لنقول لا يمكننا التعايش معاً، فالجروح العميقة تحتاج عمراً بأكمله كي تلتئم، لن نحمل الأجيال القادمة ثمن صراعاتنا وممارساتنا الخاطئة، ولكم في حادثة السيتي سنتر خير دليل، فرغم اعتراضنا على طريقة ومكان التظاهرة فالمجمع ملكية خاصة ولا يجوز استغلالها لهذه الأمور إلا أن التشفي وبذاءة الألفاظ التي كانت ترمى بها المتظاهرات أمرٌ موجع، وسيترك آثاره الطويلة على جبهة الوطن، ستبقى كل الشتائم التي نسوقها لبعض بقصدٍ أو دون قصد حاضرة في خاصرة الوطن، شاهدة على سوء ائتماننا على تركة الأجيال السابقة من الحب والتعايش السلمي الذي جمع البحرينيين على مر التاريخ، لم تختبر هذه الجزيرة الصغيرة ما تختبره اليوم من حدة طباع أبنائها، وصلادة قلوبهم.
إذاً تعالوا إلى كلمةٍ سواء بيننا وبينكم، لنختلف على كل شيء ونتفق على أن نحب الوطن، وأن نحب بعضنا، وليكن كل شيء آخر أمراً قابلاً للنقاش، للقبول أو الرفض، للتفعيل أو التأجيل، لا تجعلونا نركن كل تاريخ الحب الذي جمعنا في زوايا العزلة الطائفية، سنرقص مثل زوربا ونتعلم أن نفهم بعضنا رغم الفروقات، ليس المهم النتيجة بقدر المحاولة، الرغبة في إنقاذنا مما لا نملك طاقة احتماله.
يقول زوربا في إحدى حكمه «يا بني: إن الإله الرحيم كما ترى، لا تستطيع طبقات السماء السبع وطبقات الأرض السبع أن تسعه. لكن قلب الإنسان يسعه! إذاً، احذر يا بني، من أن تجرح ذات يوم قلب إنسان».
لا تجرحوا قلوبكم وتجعلوها وقوداً لصراع سياسي لابد أن ينتهي عاجلاً أو آجلاً، مؤلم ان نصل لمرحلة فقدان الثقة في الآخر، الآخر الذي كان دائماً حاضراً معنا، لنعد الى تلك الأيام التي جمعتنا، للضحكات التي لم تكن إلا بنا، لخضرة «أبومكي» وسمك «بوراشد»، هذا التعايش الذي نريد أن نورثه لأبنائنا، لن نقدم هذا البلد للأجيال القادمة خربة تنعق بها البوم، بل جنة تغرد بها البلابل
إقرأ أيضا لـ "مريم أبو إدريس"العدد 3309 - الأربعاء 28 سبتمبر 2011م الموافق 29 شوال 1432هـ
كلام سليم
كلام سليم اختي ولكن لدينا مشكلة مصالح ولو علي حساب حرية وكرامة الغير
ما يجمعنا اكثر
شكرًا على اسلوبك الراقي والمحترم والمتفائل فكلنا يربطنا مصير واحد وطن واحد
لنكبر على كبريائنا