أكثر الدعوات التي تصدح بها المجالس الأهلية ومنابر الجمعة وحتى التصريحات الرسمية اليومية، تصب في الدعوة إلى التلاحم والتكاتف وصون الوحدة الوطنية بين جميع مكونات وطوائف المجتمع البحريني.
والعبارات التي تتضمنها هذه الدعوات جميلة جدّاً ومعبرة وتمس مشاعر من يسمعها، بل وتحرك فيه الشيء الكثير من الذكريات والمواقف التي سطر فيها البحرينيون أروع صور التآزر والتعاون والنضال في مواجهة زحف الاستعمار البريطاني خلال فترة مصيرية مهمة من تاريخ البحرين منتصف القرن الماضي.
ولكن عمليّاً كل هذه العبارات ليس لها أساس من الوجود، فهناك عناصر تأزيم يهمها جداً أن تبقى حالة النفور الاجتماعي والقطيعة مستمرة بين أبناء الشعب الواحد ليكون صوتها مسموعاً وتحافظ على موقعها في صدارة الصفوف، حتى وإن كان ما تدعو اليه مآله خراب الديار.
كيف للوحدة الوطنية أن تصمد وفي الوطن أصابع تتفنن في استخدام (الكيبورد) للحرق وتأجيج الفتنة، تتلفظ من خلال المنتديات الطائفية ومواقع التواصل الاجتماعي بأقسى العبارات، وتوزع الاتهامات وتطلق أبشع الأوصاف والنعوت تجاه الفئة الأخرى؟
إلا أن السؤال المهم هو أين الجهة المعنية بالرقابة على المنتديات؟ فإن كانت جادة في مسعاها لرأب الصدع الطائفي وتقليص الفجوة التي خلفتها الأزمة طوال الأشهر الماضية؛ فلماذا لا تفعِّل أدواتها وتطبق إجراءاتها الرادعة على هؤلاء، فالبرامج الشكلية واللقاءات التلفزيونية المباشرة لا يمكنها زرع أرض غير صالحة للحصاد بل فعلها ما هو إلا مخدر مؤقت لا يصل إلى ما هو أبعد من الشاشة؟ إذا كنا ننشد استرجاع الأيام الجميلة التي عاشها كل البحرينيين في أمن وسلام ووئام؛ فعلينا وضع حد لحملة التوقيف المستمرة للموظفين في الوزارات والأجهزة الحكومية لمدة 10 أيام مع الخصم من الراتب، والموجهة بصورة محددة تجاه فئة من المجتمع، في منهج معاكس كليّاً لتوجيهات عاهل البلاد بعدم المساس بأي مواطن في رزقه.
إن كنا حقّاً جادين فلنبحث من الآن عن عتلة لنضعها بين تروس آلة قطع الأرزاق على أمل أن تعطب فنتخلص من دويها المزعج إلى غير رجعة، فمنذ دورانها حتى الآن خلفت مآسي كثيرة وتسببت في خراب بيوت وتشتيت عوائل، وعلى الجهة الرسمية من جانبها أن تترك التراخي والتباطؤ في إرجاع المفصولين والموقوفين في كل القطاعات العامة والخاصة.
وإن كنا متفقين على أن هذه الأرض تجمعنا وانتماءنا إليها يشرفنا ولا يفرق بيننا دين أو مذهب؛ فعلينا ألا نرضى بقطع رزق أي منا حتى وإن اختلفنا فيما بيننا في التوجه والرؤية والأهداف، فالآثار السيئة لتجفيف منبع رزق أي إنسان وحرمانه منه لا تقتصر عواقبها السلبية عليه هو وحسب، بل يجري ذلك على أنفس يعولها ليس لها ذنب في كل ما يجري ولا يجوز أن تنشأ على مفاهيم الحقد والضغينة والخصام.
علينا ألا ننصاع لدعوات الكراهية والانتقام، وألا نتمعن في صور المسيرات والتجمعات التي حصلت مطلع العام الجاري للمطالبة بإصلاحات سياسية، لنقتنص منها صورة زميل عمل أو شخص نعرفه لنبلغ عنه، فكم من زاد جمعنا ومواقف صادفتنا معاً، وواجهتنا صعاب وخرجنا منها متعاضدين بأقل قدر من الخسائر.
ولنعي وندرك أن الجروح التي تخلفها هذه الأفعال لا تندمل مع مر السنين، فالأزمة ستنجلي لا محالة غير أن القلوب ستبقى تنزف لوقت بعيد، وقد يهدد ذلك مصير مؤسسات وشركات ووزارات لأن الحب والاحترام فقدا فلم يعد الانتاج جماعيّاً ولا الأهداف والطموحات مشتركة كما كانت.
تنظيم الاعتصامات في مجمعات تجارية تحتضن عوائل وأسر في عطلة نهاية الأسبوع والرد عليها بتكسير محلات في منطقة أخرى؛ لا يخدم قضية ولا يعلي راية، بل يشعل كراهية المجتمع تجاه من أرتكبوا هذه الأفعال، حتى وإن كانوا أصحاب مطالب عادلة ويسعون للتغيير والإصلاح.
تعطيل الشوارع ومنع الناس من الوصول إلى أعمالهم في الوقت المحدد؛ يثير نقمتهم ويحفز لديهم مشاعر الكره والعداء تجاه من تسببوا في الاستقطاع من رواتبهم وتأنيبهم من رؤسائهم، بل هي اقحام لجموع وحشود من البشر ليسوا طرفاً في المعادلة وليسوا خصماً أو حكماً في كل ما يجري. في الطرف الآخر، من واجبنا أن نحافظ على المدارس ودور العلم من التخريب والتكسير، فقد وجدت وأنشئت لتربية أبنائنا وتزويدهم بمصادر العلم والمعرفة، وليست موضعاً للتفاوض السياسي أو الحصول على مكاسب، فتأهيل الأجيال المقبلة مسئولية وطنية أساسها الشراكة الاجتماعية والحس الإنساني.
في وقت الشدائد يكثر الحديث، وكل إناء بما فيه ينضح، ولكن ليس علينا أن نستمع لكل ما يقال وأن ننقاد إليه بلا وعي وإدراك وتفكر، فغالبية الدعوات التي تصل إلى أسماعنا للتحشيد ضد بعضنا بعضاً من ورائها أناس لهم أهداف خطيرة لا خير يرتجى منهم أو أثر ينتظر.
عن أي وحدة وطنية تتحدثون ، اصلحوا كل ذلك ومن بعده فلندع الخلق يلتقون؟
إقرأ أيضا لـ "أحمد الصفار"العدد 3308 - الثلثاء 27 سبتمبر 2011م الموافق 29 شوال 1432هـ
مقال رائع
اتفق معك لان مع الاسف الكلام في وادي والافعال في وادي اخر
اخوان سنه وشيعه
ما احلى عبارات ( اخوان سنه وشيعه هذا الوطن ما نبيعه), ( ولا سنيه ولا شيعيه .....) فما اروع وانقى واشرف تك الحناجر والانفس التي تصدح بتلك العبارات الخارجه من القلب , نتمنى كل الخير لبحريننا الغالية
وشكرا لكم
الوحدة الوطنية
ينبغي أن الوحدة الوطنية تبنى من جميع الجهات وبالخصوص الطرف الاقوى المالك لأسباب السلطة(وسائل الاعلام المتعدد)!!!!.
ارجو ان
كلامك غير موجه الي طرف واحد....وتكون انت وغيرك طرف اخر