هل تصورتم ذات يوم أن يكون هناك يوم وطني للذباب؟ هذه ليست مزحة، والعياذ بالله، بل هي حقيقة طبقت في قلعة الرأسمالية الكبرى وسيدة العالم الغربي اليوم، ألا وهي الولايات المتحدة الأميركية. لأن الذباب أذلها ذات يوم وكسر كبريائها فقررت محاربته، فبدأت بأشهر حملات التاريخ التي شُنت للقضاء على الذباب في العالم. حدث ذلك قبل الحرب العالمية الأولى، حيث كان الأميركيين، بقرار حكومي، يخصصون خمس دقائق في اليوم لقتل الذباب واصطياده. فعندما تدقّ الأجراس وتنطلق صفارات الإنذار كل يوم في الساعة الواحدة إلا خمس دقائق يخرج الجميع لأداء هذا الواجب طيلة خمس دقائق ويعودون في الواحدة تماماً إلى أعمالهم بعد معركة الذباب البطولية. ولذا وتقديراً لأداء الشعب الأميركي في تلك المعركة ولتحقير الذباب والنيل منه وتشويه صورته إعلامياً فقد أُطلق على تلك العملية، في جميع أنحاء الولايات المتحدة الأميركية، بـ «اليوم الوطني للذباب»!
ولكن لنتعرف على الذبابة أولاً قبل أن نلج إلى ذبابة عُرفت في تاريخ السلاطين باسم «ذبابة المنصور»، كما هي ذبابة «القذافي» المشهورة أيضاً والتي حاول قصفها مراراً لا عن طريق كتائبه بل بمنشته المعروفة أمام كاميرات التلفاز كما هي عادته ولم يفلح.
في المعجم المحيط جاء عن الذباب أن اسمه الحقيقي هو: الذُّبَابُ. وهو اسم جمع يطلق على كثير من الحشرات من رُتبة ذوات الجناحين كالزّنابير والبعوض والنَّحل. وباللاتينية هي (Diptera) أي ذوات الجناحين. وهو الاسم العلمي لرتبة كبيرة من أنواع الحشرات. لها جناحان على صدرها الأوسط ودبوسا توازن يقعان في مؤخر صدر الحشرة. ووجود زوج مفرد من الأجنحة هو ما يميّزها عن الحشرات الأخرى. إلا أن ذوات الجناحين تمثل رتبة كبيرة تشمل ما يقدر بـ 240,000 نوع من البعوض والناموس والذباب الصغير وغيره. إلا أنه أقل من النصف تم تعريفه حتى الآن أي بما يقدر 120,000 نوع.
ومن هذه فقط عشرة أنواع تعيش في المنازل. وأكثرها انتشاراً وأشهرها ذبابة المنازل العادية أو القصور الملكية المعروفة التي لا يتعدى طولها 7,5 ملم، وأخرى أصغر منها بمليمترين فتنطلق لتعيش حياتها القصيرة التي لا تتعدى ستين يوماً، وشغلها الشاغل فيها هو الأكل فقط، ولهذا تراها تكثر عند موائد السلاطين.
وتذكر كتب العلم، أن الذباب حباها الله بقدرات بيولوجية خارقة تمكنها من أداء مناوراتها البهلوانية المشهورة بيسر وإتقان يضايق الإنسان، خصوصاً السلاطين المتعجرفين. فبإمكانها القيام بمئتي خفقة جناح في الثانية. ولها عينان تغطيان معظم الرأس، تتشكل كل واحدة منهما من أربعة آلاف عدسة مستقلة، كل واحدة منها موجهة نحو نقطة مختلفة بقليل عن الأخرى، وهي في مجموعها مندمجة توصل للدماغ صورة كاملة عن محيطها. وهذا البعد البؤري في الرؤية، إضافة إلى ميزات أخرى، تمنحها ردود فعل أسرع من ردود الإنسان بكثير. فعندما يحاول الإنسان إمساكها تراوغ، بسرعة فائقة ويسر كبير، وتحوم حول نفسها في دورات مطولة أو قصيرة، ترتفع فتلتصق بالحائط والسقف، وتهوي ساقطة على ما تريد، دون أن تعير أي اعتبار لقانون الجاذبية أو لمن أمامها من البشر سواء أكان من عامة الناس أو من سلاطينهم فكلهم يتساوون أمام الذبابة.
وفي تاريخنا العربي العتيد بعض القصص الطريفة ذات العبرة عن هذه المخلوقة الإلهية العجيبة والقذرة في ذات الوقت لما تسببه من أذى متنوع للناس. فيحكي أبوهلال العسكري مثلاً في كتابه «الأوائل» أن الخليفة الأموي عبدالملك بن مروان كان يعرف بأبي الذباب لبخره فتموت الذبابة إذا مرت أمامه. حتى أن ابن عبدربه الأندلسي في كتابه الموسوم بـ «العقد الفريد» قال: خطب عبدالملك بن مروان بنت عبدالرحمن بن الحارث بن هشام. فرفضت قائلة: والله لا تزوجني أبا الذبان. كما يذكر أن ذباب القصور الملكية كان من نوع اللحوح جداً في مداعبته لوجوه الملوك والسلاطين من صنف الديكتاتور. وهنا تروي هذه الحكاية، فقد ذكر الذهبي في «سير أعلام النبلاء» وكذلك أبي نعيم في كتاب «حلية الأولياء وطبقات الأصفياء»: أنه وقع ذات يوم على المنصور العباسي ذُبابٌ، فذبَّه عنه، فعاد فذبَه حتى أضجره. وهنا تشاء الأقدار الإلهية في ذات اللحظة أن يدخل عليه الإمام جعفر بن محمد الصادق (ع) بعد أن طلبه المنصور للمثول بين يديه. فرأى المنصور أن يسأله فقال: يا أبا عبدالله لِمَ خلق الله الذباب؟ فقال الإمام بسرعة البديهة وبلا وجل: ليُذلَّ به الجبابرة.
ويبدو أن ذباب بني العباس كان لا يفتأ يطالب بالثأر لذبابة المنصور التي قتلها في النصف الثاني من القرن الثاني الهجري خلال فترة حكمه ضمن من فتك بهم من شعبه. وهذا ما يؤكده ما جاء في كتاب «الجليس الصالح الكافي والأنيس الناصح الشافي المعافى» لمؤلفه أبوالفرج المعافى بن زكريا النهرواني الجريري، أن المأمون العباسي قال لمحمد بن إدريس الشافعي: يا محمد لأي علة خلق الله تعالى الذباب؟ فسكت الشافعي، ثم قال: مذلةً للملوك، فضحك المأمون. قال (الشافعي): سألَني ولم يكن عندي جواب فاستنبطته من الهيئة الحاصلة له.
فلِمَ كل هذا التجبر والزهو والعناد وقد صدق الله سبحانه وتعالي في محكم كتابه العزيز حين قال: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ * مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ» (الحج: آية: 73-74)
إقرأ أيضا لـ "محمد حميد السلمان"العدد 3307 - الإثنين 26 سبتمبر 2011م الموافق 28 شوال 1432هـ
أكدوا العلماء صدق قوله تعالي فى محكم كتابه إذ روي عن الانبياء
أن الذبابة لها جناحين احدهما فيه الداء والاخر فيه الشفاء - يولون ان احد جناحي الذبابة يتضمن ملايين الملايين من البكتيريا التى تنقل العدوي ولكن الله عزوجل خلق بها الجناح الاخر الذي فيه الداء ايضا اي انه يقال ان الانسان حسب العلماء لو أغطي ذبابة فى كأس من الماء لفترة ولعق ذلك الماء لكان له شفاءا من اية امراض - هكذا كانبرنامج شيق عبر تلفزيون المنار عن خلق الله عزوجل فسبحان الخالق جل وعلى فما اعظم صفاتك يارب
تحية
تحية الى الكاتب المحترم لضربه الامثال الرائعة في مقارعة أضعف خلق الله سبحانه وتعالى إلى جبابرة لكل زمان ومكان لعلهم يتذكرون أو يغشون!!!.
جمري
اي والله ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ
جزاك الله خير