بدأ يضيق صدر المجتمع الدولي بالنزاع الإسرائيلي الفلسطيني. وبينما نزحف ببطء باتجاه التاريخ الذي تقدم فيه غالبية الدول الأعضاء في الأمم المتحدة رسمياً دعمها لطلب الفلسطينيين إنشاء الدولة، ستجد إسرائيل نفسها في موقع أكثر صعوبة وعزلة من أي وقت مضى منذ إنشائها قبل 63 سنة.
تنطوي المبادرة الفلسطينية على طلب العضوية الكاملة في الأمم المتحدة من الدول الـ 15 الأعضاء في مجلس الأمن. وفي الوقت الذي عقدت فيه الولايات المتحدة العزم على معارضة الطلب عن طريق الفيتو وبالتالي سحقه، من المعتقد أن الفلسطينيين سيتجهون بعدها إلى الجمعية العمومية حيث يضمنون أصوات ثلثي الأعضاء الضرورية لقرار ناجح، يتم بموجبه رفع المركز الفلسطيني إلى دولة غير عضو. وعلى رغم أن قرارات الجمعية العمومية غير ملزمة، مقارنة بقرارات مجلس الأمن، إلا أن رفع مستوى التمثيل يفتح الباب أمام الفلسطينيين إلى الكثير من المنابر القانونية الدولية، بما فيها محكمة العدل الدولية ومحكمة الجرائم الدولية. ويعني ذلك عملياً أن الفلسطينيين سيتمكنون من رفع قضايا ضد المسئولين الإسرائيليين، ربما تكون تتعلق بالنشاطات الاستيطانية في الضفة الغربية، والتي تعتبر غير قانونية من قبل المجتمع الدولي.
تنظر الحكومة الإسرائيلية الحالية ومعها الحكومة الأميركية (وبضعة دول أوروبية) إلى مبادرة الأمم المتحدة على أنها معارضة للمفاوضات التي بلغ عمرها 17 سنة. إلا أن عملية التفاوض لم تفشل فقط في تقريب الطرفين نحو حل، ولكن نتج عنها كذلك ترسيخ إسرائيلي أوسع للتوسع الاستيطاني على الأراضي الفلسطينية.
إن أساس المعارضة الإسرائيلية والأميركية لدولة فلسطينية توافق عليها الأمم المتحدة يبرز إلى حد كبير من تخفيض في أهمية الدور الأميركي، ومعه زيادة متأصلة في القدرة الفلسطينية على التفاوض نتيجة للاعتراف الدولي بالدولة.
ومهما كانت المصالح قصيرة المدى التي تدفع المعارضة الإسرائيلية الأميركية، إلا أنها ربما تتناسى حقيقة أن الاعتراف الدولي بدولة فلسطينية يمكن احتمالات أكبر بضمان حل الدولتين، وهو السبيل الوحيد لضمان دولة إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية. أما البديل فهو أن الفلسطينيين، الذين تعبوا من الفشل في تحقيق السيادة، سيتخلون عن النضال الوطني لصالح نضال من أجل الحقوق الإنسانية الأساسية. إذا ثبت أن حل الدولتين أصعب من أن يمكن تحقيقه فإن دولة واحدة هو البديل المثالي الأفضل.
فيما وراء ذلك، يقدّم السعي الفلسطيني لتحقيق العضوية في الأمم المتحدة لإسرائيل عدداً من الأفضليات الاستراتيجية والأخلاقية. أولاً، ستعمل دولة فلسطينية معترف بها دولياً على النزول إلى الساحة كندّ. لن يُنظر إلى دولة إسرائيل كجوليات الجبار، ولن يُعتبر الفلسطينيون ضحايا لا حول لهم ولا دولة، وسيصبح النزاع الحالي غير المتكافئ نزاعاً بين دولتين سيادتين، حتى لو كانت إسرائيل الدولة الأقوى. ستعتبر فلسطين كدولة مسئولة عن انتهاكاتها، مثل إطلاق الصواريخ إلى داخل إسرائيل، وهي نقطة لا يتم التأكيد عليها بشكل كافٍ. مع الدولة تأتي المسئولية، وتستطيع إسرائيل أخذ الحكومة الفلسطينية إلى المحكمة الدولية بسبب حالات العداء، أو لفت نظر الأمم المتحدة إليها.
ثانياً، ومع الهجمات الأخيرة على السفارة الإسرائيلية في القاهرة، وتدهور العلاقة الشديد والمتسارع بين تركيا وإسرائيل، وشرق أوسط غير مستقر بشكل عام، سيعمل دعم إسرائيلي للدولة الفلسطينية على كبح جماح العداء في الشارع العربي وإيجاد بنية أقل اضطراباً في منطقة يمكن أن تشتعل برمشة عين.
ثالثاً، سيقلل الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية في الوقت نفسه من عزلة إسرائيل ويحسّن علاقاتها المتوترة مع الولايات المتحدة، حيث ان المعارضة الأميركية للمبادرة الفلسطينية تترجَم إلى المزيد من الاستياء تجاه أميركا من جانب الكثيرين في العالم العربي.
وأخيراً، سيتم حل جميع القضايا الرئيسية مثل القدس واللاجئين والحدود من خلال المفاوضات وليس فقط من خلال الإجراءات الأحادية الجانب، كما تناقش الولايات المتحدة وإسرائيل، الأمر الذي يسمح لكلا الجانبين بالتفاوض للتوصل إلى تسوية.
بغض النظر عما إذا تم الحصول على عضوية كاملة في الأمم المتحدة، فإن الاستراتيجية الفلسطينية بتدويل النزاع ستكون ناجحة إلى حد بعيد. ما لم تحوّل إسرائيل توجهها، فستستمر بمواجهة عزلة أعمق على المسرح الدولي، وسيتم الضغط على إسرائيل، خارج المسار التفاوضي، لإيجاد حلول سياسية للتعامل بشكل فاعل مع النتائج الدبلوماسية والقانونية غير المقررة المحبطة بمبادرة الأمم المتحدة.
وإذا أخذنا في الاعتبار أن الربيع العربي قد غيَّر الخريطة الاجتماعية الاقتصادية والسياسية للشرق الأوسط، يتوجب على إسرائيل استغلال الفرصة على أنها نقطة مفصلية حرجة في تاريخها وأن تتصرف في مصلحتها الوطنية
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 3307 - الإثنين 26 سبتمبر 2011م الموافق 28 شوال 1432هـ