دائماً ما يمطرني الرفيق الأكاديمي طارق زاير بالمواد التعليمية ذات النكهة الحقوقية المتميزة، إذ لا يتوانى أبداً في تزويدي بآخر المستجدات في الفضاءات المدرسية بالمملكة المغربية الشقيقة، المتميزة بتجربتها في مجال التربية على حقوق الإنسان. ذات مرَّة سألته عن أفضل الممارسات التربوية في هذا السياق، فزوَّدني بنسخة إلكترونية من مشروعه الرائع على شرائح (الباور بوينت) تحت عنوان «نادي التربية على المواطنة وحقوق الإنسان».
تأمَّلت في المادة فوجدتها جديرة بالاهتمام والدراسة والنقد، لاحتوائها على ثنائية (المواطنة وحقوق الإنسان)، لأنهما في المحصلة النهائية وجهان لعملة واحدة، فالمواطنة تشكل البُعد السياسي لحقوق الإنسان، وكلما تعززت قيم المواطنة والديمقراطية تعززت تلقائياً حقوق الإنسان في صيغتها العالمية الملازمة للأفراد والجماعات، وبأنها منظومة متكاملة وغير قابلة للتجزئة.
من أبرز إيجابيات التربية المدرسية على قيم المواطنة أنها تربية تفاعلية قائمة على المشاركة المتساوية بين جميع المنتسبين للمؤسسة التعليمية، وتستهدف بشكل أساسي ومباشر فئات المتمدرسين (الطلبة) نظاميين كانوا أو غير نظاميين، في الإطار الصفي أو اللاصفي.
هناك صيغتان لا ثالث لهما عند الحديث عن تنفيذ برنامج التربية على المواطنة، الأولى يغلب عليها الخطاب الأكاديمي أو المعرفي «التجريدي»، والصيغة الأخرى يقوم بتفعيلها المعلمون أو المربون وغيرهم من المعنيين بهذا المشروع من المجتمع المحلي المحيط (البيئة المحيطة بالمدرسة والتي تؤثر وتتأثر بها، كالأسرة ودور العبادة ووسائل الإعلام ومؤسسات المجتمع المدني وما إلى ذلك).
من هنا ينبغي أن نقدِّم للقارئ مفهوم «النادي التربوي»، الذي هو آلية لتفعيل أنشطة الحياة المدرسية، فهو مجموعة (متجانسة) من المتعلمين من مختلف المستويات، تجمعهم صفة الميل المشترك للأنشطة محور اشتغال النادي، بحيث يقبلون على الانخراط التلقائي والفعلي في إنجازها تحت إشراف تربوي مباشر، بما يتيح لهم تشكيل مجموعة من الخبرات والكفايات التربوية، في جوٍّ يسوده الشعور بالانتماء وقبول الآخر والعمل التطوعي والعمل الجماعي والتعلم التعاوني وغير ذلك.
لا نختلف مع الرأي القائل إن الحياة المدرسية هي صورة مصغرة للحياة الاجتماعية في أماكن وأوقات مناسبة، إذ تهتم بالتنشئة الشاملة لشخصية المتعلم بواسطة أنشطة تفاعلية متنوعة تشرف عليها الهيئتان التعليمية والإدارية، كما يساهم فيها مختلف الشركاء، ولو اطلعنا على دور التربية على حقوق الإنسان فإن ذلك يعني توظيف الأنشطة والآليات التي تجعل من المتعلم محوراً فعالاً وإيجابياً في عملية إصلاح التعليم من أجل التربية، لكي يتمتع بحقوقه الأساسية الكاملة كإنسان ومتعلم صاحب حق.
رسالة نادي المواطنة والتربية على حقوق الإنسان ـ كما أشار زاير في مشروعه ـ هي نشر وترسيخ ثقافة حقوق الإنسان في وعي وسلوك التلاميذ وتنشئتهم عليها، واعتمادها كمقاربة شمولية للعملية التعليمية/ التعلمية، وكذا تنشيط فضاء الحياة المدرسية، فالعمل داخل النادي يكون على أساس النهوض بحقين أساسيين، وهما: الحق في التعليم والحق في التربية، فليس القصد تعليم الطلبة وتلقينهم لمجموعة من المعارف والمهارات، بل في تمكينهم وتعليمهم وتدريبهم وتنمية قدراتهم ومعارفهم، وتأهيلهم لتحمل المسئولية مستقبلاً.
يسعى نادي التربية على حقوق الإنسان إلى تفعيل عدد من المقاربات، منها: المقاربة الحقوقية، من خلال الاستفادة من الحياة المدرسية الجيدة لتكون حقاً لكل متعلم، وتمكين أصحاب الحقوق من الاستفادة من حقوقهم، وأصحاب الواجب من تأدية واجبهم. والمقاربة التشاركية، التي تهدف إلى تفعيل أدوار الفاعلين الأساسيين على مستوى الإنجاز والتقويم. ومقاربة الإنصاف والنوع، التي تشكل امتداداً للمقاربة الحقوقية والتشاركية في الحياة المدرسية، فالإنصاف مبدأ ووسيلة لإشراك جميع الأفراد من دون تمييز، أما المقاربة النوع فتشكل وسيلة لدعم الإنصاف بين الجنسين، وذلك بإشراك كل المعنيين بالحياة المدرسية ذكوراً وإناثاً. والمقاربة التعاقدية على المسئوليات والمهمات في مختلف مجالات الحياة المدرسية، كما سبق ذكره عند استعراضنا لمبادرة همبشاير في تعليم «الحقوق والاحترام والمسئولية». (راجع: التقرير النهائي لمبادرة تعليم الحقوق والاحترام والمسئولية في محافظة همبشاير، سبتمبر/ أيلول 2008).
ربما كان مطلوباً من وزارة التربية والتعليم في حال تأسيسها هذا النادي على مستوى المدارس في مملكة البحرين أن تسعى إلى تحقيق بعض الأهداف الخاصة، والتي تتمثل في تأطير الطلبة وفق مقاربة حقوقية، بقصد التعرف على جملة من المواثيق الدولية المهمة كالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والاتفاقية الدولية لحقوق الطفل، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، إلى جانب نشر وترسيخ ثقافة حقوق الإنسان في فضاءات المدارس البحرينية، بتمكين الطلبة من اكتساب مبادئها ومفاهيمها وقيمها، وتشجيعهم على اتخاذ مواقف وسلوكيات تعبر عن وعيهم بحقوقهم واحترام حقوق غيرهم والدفاع عنها، بما ينمِّي وعيهم تجاه سلوكياتهم المدنية سواءً داخل المدرسة أو خارجها، وتعزيز الممارسات التربوية الديمقراطية التي ينبغي أن تنعكس بشكل أكثر إيجابية على استراتيجيات التدريس، والعلاقات التربوية بين مختلف مكونات الوسط المدرسي.
ما يحسب لنادي التربية على حقوق الإنسان في التجربة المغربية قدرتها على الانخراط في مشروع منظمة العفو الدولية (فرع المغرب) من خلال شبكة التربية على حقوق الإنسان: حقوق، تعلم، تحرك (REAP)، وبإمكان التجربة البحرينية الأخذ بها، للحفاظ على المكتسبات التي تحققت لدينا، بعد أن تم تصنيف البحرين ضمن الدول المتقدمة في تحقيق أهداف التعليم للجميع للعام الرابع على التوالي بحسب تقرير اليونسكو للتعليم للجميع الصادر في العام 2011.
كلنا أمل في أن تبادر وزارة التربية والتعليم إلى تعزيز قيم المواطنة وحقوق الإنسان والمهارات الحياتية في المناهج الدراسية بوجه خاص، وفي الفضاء المدرسي بشكل عام، والاستفادة من برنامج «المدارس الصديقة لحقوق الإنسان» في خلق شبكة من المدارس الصديقة والمعززة لثقافة حقوق الإنسان في إطار المحافظات الخمس بالبحرين، فهذا البرنامج تنفذه منظمة العفو الدولية في عدد من الدول ومنها المغرب، والمجال مفتوح أمام الوزارة التي أعلنت أخيرا عن خطة لتدريس مبادئ حقوق الإنسان بالتعاون مع بيوت الخبرة العالمية وبعض المنظمات العالمية مثل اليونسكو ومنظمة العفو الدولية وغيرها من المؤسسات المتخصصة
إقرأ أيضا لـ "فاضل حبيب"العدد 3305 - السبت 24 سبتمبر 2011م الموافق 26 شوال 1432هـ