الخلاصة نرى أن مشهداً من دقيقة في فيلم قد يحوي 70 مادة، وواقعة تحت 70 اسماً مختلفاً، هذا المشهد يجسد أحداث ووقائع قريبة من يومياتنا والسبب أننا لو عكسنا هذه المحاكاة والتي صيغت من الاساس في ما يعرف بسيناريو الفيلم سنجد أن الاحداث فى كل مشهد وظفت بناءً على الأسماء المتداولة والمرصودة في (المستودع الكبير) فلقت تلك الأعمال من المشاهدين كل قبول ولكن السؤال: هل يعبر الاسم، أي اسم عن طبيعة الشيء، أم هو مجرد إشارة إليه؟ بمعنى لو طلبنا إلى طفل أن يصف لنا سكيناً لم يرها اًو يتعرف عليها أبداً في حياته سيقول: مقبض خشبي من جانب وقطعة معدنية حادة من الجانب الآخر، أما سؤاله الثاني المرجح فهو: فيما تستخدم؟ والجواب لتقطيع الفاكهة والخضر واستعمالات أخرى، أما سؤاله الأخير عن الاسم فهو: سكين وهكذا اختزل الاسم كل تلك المعرفة في اسم صغير من 4 حروف. فهل يعني الاسم سكين كل تلك المعرفة؟ بالطبع لا، وبالمثل عندما نشاهد فيلماً جديداً ليس من بدايته سنكون متلهفين لمعرفة اسم الفيلم, والأرجح أن الأفعال صيغت امتداداًً للأسماء، مثال: يتعلم (من العلم) ويتسلح (من السلاح) ويغني (من الغناء) ويمثل من (التمثيل) ويحب من (الحب) ثم يستقر هذا الاسم كفكرة إو إيماءة للمعرفة الكاملة القابعة في المستودع الكبير (المطلق العظيم). ولذلك نلاحظ في ثقافة الشعوب تعدد الأسماء لذات الشيء فهناك أكثر من مئة اسم للسيف في اللغة العربية، فبعض الأسماء تشير إلى منشئه (كالمهند) والأخرى خصاله وأخرى مظهره أو تاريخه، واختلاف الأسماء هو اختلاف التلقي باختلاف المظهر والحال، وهكذا أصبح عندنا أكثر من سيف، وبالمثل تعدد الأسماء في اللغات باختلاف الأحوال مثل ماء، وبخار، وجليد، وأمطار، وأنهار، وبحار، كذلك درج البشر على إعطاء المناصب أسماءً حسب موقع الشخص وعمله، مثل طيار أو وزير أو رئيس، وبالمثل تعدد أسماء الممثلين بتعدد واختلااف أدوارهم في الأفلام، ولكن لو تأملنا جيداً نجد أن هذه الأسماء باقية ببقاء الأشخاص في مواقعهم وتزول بزوالها... فى حين يبقى اسم الشخص الأصلي ملازماً له بل ويدون في شهادة وفاتة.
السينما محاكاة للواقع
تُرصد من موقع حيادي
والسؤال مجدداً هل تعبر الأسماء عن طبيعة الأشياء؟ بالطبع لا... وقس هذا الأمر على الزهرة الجميلة ذات الرائحة الزكية هل تعبر كلمة زهرة عن كل هذا الزخم الجميل؟... وهكذا درجنا على إعطاء الأشياء نتاج التلقي والمشاعر أسماءً دون أن نعرف طبيعتها بالكامل والسبب أن الحسيات كالصوت والشكل والرائحة والتذوق واللمس لا يمكن أن تكون قائمة بذاتها ولابد أن يسند وجودها شيئاً ما غير مرأى للعيون أو مدرك بالحواس الخمس أو العقل، هذا الشيء يدعونه الخلفية أو (القاع التحتي اللا متغير لكل عرض متغير) فهو كالشاشة السينمائية غير المتغيرة والتي تسقط عليها كل المتغيرات، فهل بالإمكان مثلاً مشاهدة الفيلم المتغير الأحداث والألوان فوق شاشة متحركة ومتغيرة الألوان؟ بالطبع لا؛ لأن المشاهدة ستكون مشوشة بل ومرفوضة، إذاً كيف لنا أن نفسر هذه الحسيات من مرئيات ومسموعات وغيرها من باقى أعضاء الحواس؟ والجواب هو: هذه الحسيات هي المرآة أو الطيف الجميل لذلك الثابت اللا متغير الذي لا تدركه الأبصار، أما السبب فهو أن ما تدركه الحواس يخضع لحدود المكان والزمان والسببية، أما الآخر (المطلق العظيم) فهو في برزخ آخر لا تدركه حواسنا القاصرة ولا العقل... لأنه يتخطى تلك الحدود... وأبسط مثال (أين للسببية من موقع في شاهد حيادي غير متغير كالشاشة مثلاً؟)، بمعنى آخر هل للشاشة دور في أحداث الفيلم؟ أليست حيادية؟ مثال آخر كيف تُرصد سرعة السيارات المتسابقة؟ أليس من موقع ثابت حيادى؟ وعليه فالتلقي يملي علينا في كل مرة رؤية مختلفة تستدعي التوصيف المناسب لمرادف أو مشابه فيشرع العقل في إيجاد ما يماثله أو ما يقاربه في المستودع الكبير من أسماء مرصودة مسبقاً كأن نشبّه الأفعى بالحبل أو الأمر الفوري بالرصاصة أو دوي الصوت العالي بالبرق أو أي توصيف جديد (اسم) يشير إليه فيما بعد ويختزل تلك المعرفة الجديدة (نتاج التلقي) في كلمة واحدة (اسم).
السينما الأميركية
والهندية المختلف المتشابه
وهكذا نرى في الوقت الذي تسعى فيه السينما الأميركية من وقت لآخر لإحداث صدمة (تلقي جديد) وبالطبع متعة كبيرة للمشاهد وفتح الباب على مصراعيه لدخول أسماء ومفردات جديدة نتاج المشاهدة الساحرة للعقل مثل فيلم (أفيتار) و(انديانا جونز) و(جوراسيك بارك) و(إيتي) وغيرها نرى أن السينما العربية والهندية اكتفت بالثالوث الخالد البطل والبطلة وآخر، بل إننا نجد في الوقت الذي أقدمت فيه السينما العربية على النيل من الثنائي وكسر قلوب المشاهدين في بعض الأعمال كساهر الليل وبين الأطلال، نجد أن السينما الهندية سجنت المشاهد عن طيب خاطر في قالب خيالي جميل يتحدى الواقع على الأرض حين يقلص المخرج حلقة الثالوث في نهاية الفيلم إلى ثنائيته (البطل والبطلة) التي تقهر سعادتهما (الحب) كل الصعاب حتى عائق الموت... من يدري؟ ربما لأن العرف الهندي لعلو إنسانيته يرى في انتصار الثنائية على الثالوث في أفلام شامي كبور وغيرها انتصاراً بديهياً للحب المنتفي الغرض، أعني إقصاء الآخر والإبقاء على البطل والبطلة في نهاية الفيلم أو كأنها محاولة جادة لترجمة فلسفة الفيدانتا الهندية التي ترى أن الحب الحقيقي بين اثنين هو أحادي الجوهر والثنائية مظهرية فقط لا غير... إذاً فانتصار الثنائية بلوغ ذروة التوحد... الحب... الذي هو اسم آخر (للمطلق العظيم) مثل الوجود والمعرفة والسعادة، والضمير (أنا) في حلله المختلفة هو أحد تلك الأسماء... إنها أسماء مختلفة لشيء واحد عند النظر إليه من زوايا مختلفة... لقد تخطينا حاجزي المكان والزمان وتراجعت بأدب ووقار بلاغة الكلام... فقد بلغنا محراب السلام
إقرأ أيضا لـ "عدنان الموسوي"العدد 3298 - السبت 17 سبتمبر 2011م الموافق 19 شوال 1432هـ