السؤال آلية إيجابية وفعَّالة للحصول على المعارف والمعلومات في مجالات الحياة المتنوعة كالتعليم وعملية التواصل الإعلامي والثقافي والسياسي والإداري وما إلى ذلك.

والطالب صاحب طلب، لذا اعتُبر السؤال في أدبيات الدعاء والمناجاة بمثابة الطلب، والفرق بينهما أن السؤال يتطلب جواباً، والطلب قد يفتقر إلى جواب، والسؤال لفظ أعمُّ من الطلب، لأن (كل سؤال طلب، وليس كل طلب سؤالاً)، ومن المهمات الأساسية للمعلم الناجح المنفتح في هذا السياق الإجابة قدر الإمكان عن جميع أسئلة الطلبة وعدم الاستهزاء بها أو التقليل من أهميتها، لأن الطالب إنما يسأل للحصول على إجابة معرفية، حتى لو افترضنا أن سؤاله تافه أو لا يرتقي إلى مستوى الجدية أو مضيعة للوقت وما إلى ذلك، فإن دور المعلم يتمثل في توجيه هذا السلوك واعتباره مدخلاً لمعالجة بعض المفاهيم التربوية، وعليه فلا سقف لـ «حق السؤال»، وكما يقول المرحوم العلامة فضل الله: «لا سؤال تافه، ولا سؤال محرج، الحقيقة بنت الحوار».

يُنظر إلى (السؤال) في برنامج «التربية على حقوق الإنسان» كونه حقاً أصيلاً من حقوق الطالب، وكثرة السؤال من ملامح الذكاء عند الأطفال، لأن من وظائف السؤال تفعيل وتنشيط استراتيجية الحوار في عمليتي التعليم والتعلُّم، والحصول على المعلومات وإقناع الآخرين، وتنمية الأفكار وتكوين الآراء واستطلاع الحقائق والمناقشة وتعزيز التعاون وصياغة القرار وجذب الانتباه وكسب الوقت والتنبؤ والافتراض وغيرها.

ثمة مستويات سبعة للإجابة عن أسئلة الطلبة، المستوى الأول: رفض السؤال، كأن تكون الإجابة: لا تطرح مثل هذه الأسئلة، أو لا تكن ثرثاراً، أو لا تزعجني بأسئلتك وغيرها، وبالتالي يتم قمع الطلبة. والمستوى الثاني: إعادة صياغة السؤال (التهرُّب) وهنا لا يقدم المعلم إجابة حقيقية ومقنعة للطلبة. والمستوى الثالث: إعطاء إجابة مباشرة أو الاعتراف بالجهل، حيث يقرُّ المعلم بأنه لا يعرف الإجابة، وحينها يشترك المعلم والطالب في البحث، حتى يتوصلا إلى بدائل متعددة للإجابة عن السؤال.

يكاد يكون المستوى الرابع (تشجيع الطلبة على البحث عن الإجابة من مصادر موثوق بها) أفضل أنواع الإجابات، لأنه يسعى لاكتساب المعرفة ببذل الجهد والسعي. والمستوى الخامس: تقديم تفسيرات، كأن يقوم المعلم بالإجابة المباشرة عن موضوع السؤال. والمستوى السادس: تفسير أو إجابة السؤال وتقييم الإجابة، إذ لا يكتفي المعلم بتشجيع الطالب على التوصل لبدائل متنوعة، ولكن يناقش معه طرق تقييم صدقية كل بديل. أما المستوى السابع (الأخير): التوصل لتفسير وتقييم التفسير ومتابعة التقييم، وهنا يسعى المعلم لتشجيع الطالب على القيام بتجربة معينة، وجمع الإجابة من الكتب والمصادر، وبذلك يتم تعزيز التعلم الذاتي.

يمثِّل (السؤال) واحداً من أهم تقنيات التعليم المفيدة في مجال التربية على حقوق الإنسان، لأن السؤال ينشِّط ذهنية المتعلم ويجعله أكثر تفاعلاً، كما ويُبعد المعلِّم عن ممارسة سلطة القهر والتلقين، والمقصود من الأسئلة في الفضاء المدرسي تلك التي تُوظَّف بشكل يومي من طرف المعلمين بقصد الوقوف على قياس مستوى المعرفة لدى الطلبة، وهي في الغالب أسئلة مفتوحة تقيس أرقى مستويات المعرفة كالتحليل والتركيب والتقويم، لا مجرد معلومات يحفظها الطالب ويرددها بحيث لا تلامس عقله ووجدانه، كما أن إجاباتها لا تكون مغلفة بنعم أو لا، ومن أمثلة ذلك، الأسئلة الافتراضية: ماذا يمكنك أن تفعل فيما لو رأيت حالة غش في الامتحانات؟ والأسئلة الباعثة على التأمل: كيف يمكننا المساعدة في حل مشكلة عدم التزام بعض الطلبة بالزي المدرسي الموحد؟ وأسئلة التشجيع والدعم: إجابتك مهمة، ولكن ماذا بعد التزام الطلبة بالزي الموحد؟ وأسئلة تدقيق النظر: لماذا تعتقد بأهمية النظافة المدرسية؟ وأسئلة التلخيص الاستيضاحية: هل أكون على حق عندما أقول إنكم تؤيدون الاهتمام بالتربية الجمالية في مدرستكم؟ وأسئلة تعيين نوع الاتفاق على نقطة معينة والانتقال إلى نقطة أخرى: هل أغلبنا متفق على أن تكون مدرستنا بيئة حاضنة وصديقة لحقوق الإنسان؟ وأخيراً أسئلة تفحُّص الآراء: ما رأيك في قرار تمديد اليوم الدراسي؟ أو ما شعورك تجاه عدم التزام مدرستك بمعايير واشتراطات الصحة والسلامة؟

والنمط الأخير من هذه الأسئلة ـ أعني أسئلة تفحُّص الآراء ـ مهمة، لأنها ستنقلنا إلى «دمقرطة الحياة المدرسية»، وترجمة «حق السؤال» إلى مفاهيم وسلوكيات فعلية قابلة للقياس والمراجعة والتقييم، وفق مقياس درجة حرارة حقوق الإنسان على كل المستويات في المدرسة، وخصوصاً بعد وضع (منظمة العفو الدولية) مقاييس عدة لقياس درجة حرارة حقوق الإنسان في المؤسسات التعليمية، بحسب التصنيف الآتي: 1= لا يتوافر، 2= نادراً، 3= في بعض الأحيان، 4= بشكل متكرر، 5= نعم أو دائماً.

وللتوضيح نطرح بعض تلك الأسئلة: هل تشكِّل مدرستك مكاناً حيث الجميع سعداء؟ فإذا كان الجميع سعيداً ومنشرحاً طوال الوقت في المدرسة، يختار الرقم (5). وهل مدرستك بيئة آمنة، حيث يشعر فيها جميع التلاميذ بالاطمئنان والأمان (الإعلان العالمي لحقوق الإنسان البند 3 و5). وهل يوجد تمييز في مدرستك على أساس الدين أو اللباس أو الأصدقاء أو لون البشرة أو الفئة الاجتماعية أو ما يقوم به التلاميذ خارج إطار المدرسة؟ وهل تمنح مدرستك الفرصة للجميع للانخراط في الأنشطة المدرسية؟ وهل لديك الحرية في مدرستك للتعبير عن معتقداتك وآرائك من دون خوف من أن تتعرض للتمييز أو السخرية؟ وهل يتم تطبيق الديمقراطية في مدرستك ليشارك الجميع (الطلبة، الأساتذة، الموظفون، والآباء) في تحديد القرارات والسياسات التي تعنى بسير المؤسسة؟ وعند اتهام شخص ما بارتكاب خطأ في المدرسة، هل يعدُّ بريئاً إلى أن تثبت براءته؟ وهل تحترم مدرستك الممتلكات الشخصية والحريات الفردية والعامة؟

ربما لم يعد مقبولاً فصل الحالة الثقافية عن المشهد التعليمي في مشروع إصلاح التعليم من أجل التربية، لأن مشكلتنا في العالم العربي في (حرية السؤال)، وأروع ما قرأته للكاتب والروائي البحريني أمين صالح (من نص حرية السؤال... هندسة أقل، خرائط أقل) في توصيفه لهذه الحالة عندما يقول: تصرخ لكي تقمع الصوت الآخر، تهاجم لكي تتفادى الحوار، تكره لكي لا تحب، تتظاهر بالقوة لكي تحمي ضعفك، وأنت تعرف هذا جيداً، لذلك لا تسأل