العدد 3297 - الجمعة 16 سبتمبر 2011م الموافق 18 شوال 1432هـ

التوازن في ثقافة الوعد والوعيد

سوسن دهنيم Sawsan.Dahneem [at] alwasatnews.com

أنا إنسانة، قبل أن أكون مواطنة منتمية إلى هذا الجزء من العالم. قبل أن أكون مواطنة خليجية أو عربية أو من دول العالم الثالث، وغيرها من التصنيفات.أنا أنتمي إلى هذا العالم بجغرافيته الممتدة في قاراته.

مواطنة لا تحتاج إلى أن تلتحق بكلية للعلوم السياسية؛ لتفهم ما يدور حولها على الأرض في أبسط صوره وشواهده، ولا تحتاج إلى أن تلتحق بكلية للشريعة أو الحقوق؛ لتميِّز بين العدل والظلم، ولا تحتاج إلى أن تلتحق بكلية للاقتصاد؛ لتفهم وتنتبه لآلية الفوارق المخيفة بين الطبقات، وخصوصاً في الدول التي حباها الله بثروات يمكن لها أن تجعل من مواطنيها - على قلَّة أعدادهم - من أغنى شعوب الأرض؛ ليس في البُعد المادي فحسب؛ بل في البعد الأهم والأوْلى: البعد الإنساني والقيمة والثِّقْل الذي يستحقونه.

أحلم مثل مئات الآلاف والملايين ممن أنتمي إليهم في أوطاننا، بأن ننام ونصحو على قيمتنا التي نستحقها كبشر. أن نشعر بأهميتنا ومحورية دورنا في مجتمعاتنا، أكثر من شعور دولنا الثابت بأولوية الموارد والثروات علينا. الشعوب هي الثروات الحقيقية والدائمة لأية دولة.

لا يمكن لأية دولة في العالم تسعى إلى التميز والمنعة والتفرد؛ تجاهل الصانع الرئيس لكل ذلك (الإنسان). في دول أخرى، تضخ مليارات الدولارات لتهيئة الإنسان، وتعزيز قيمته، معرفة وخبرات وإمكانات؛ لأنه الأداة والمفتاح لكل الثروات التي لم تصل إليها يد الإنسان بعد.

ثم إن الثروات والموارد نهايتها النفاد أو الانحسار. وحده الإنسان بنفاد الموارد والثروات قادر على إيجاد البدائل، ويستطيع أن يكيِّف نفسه تحت أي ظرف يواجهه من الطبيعة أو حولها.

اليابان دولة يمكن اعتبار الموارد والثروات الطبيعية فيها ما دون الصفر، وكذلك سنغافورة، وغيرهما من الدول التي بهرت العالم وغزتْه بالمعرفة والاكتشاف والاختراع، بإتاحة البيئات والحوافز لكل ذلك، والسر يكمن في أنها لم تضع أي أولوية قبل مواطنيها، وبذلك الرهان الواعي على المواطن، عبر منظومة من الحقوق ليست معقّدة؛ بل بديهية، استطاعت أن تغزو كل قارة وبيت، من دون أن تحتاج إلى استعراض أدوات الفتك على الجبهات، والمخاطرة بالمستقبل؛ بالدخول في حروب ورهانات ومجازفات خاسرة.

في القرآن الكريم، وردت آيات الوعد 1000 مرة، متساوية مع آيات الوعيد (1000 مرة)، وفي ذلك فلسفة ومعادلة ومغزى ومعنى وتوازن بين وصفة البقاء في المجتمعات الإنسانية (الحقوق والواجبات) الوعد بالحق والوعيد بالإخلال بالواجبات. لم يطغ الوعد على الوعيد. ذلك ضمن تأسيسنا وإيماننا؛ لكنه ليس بمنأى عن المعادلات العامة والثابتة اليوم في المجتمعات المراعية لتلك المعادلة. إنه ينسحب على تلك المجتمعات عموماً ضمن المعادلات المنطقية والحقوقية والأخلاقية لتمثل: الحقوق والواجبات؛ إذ لا يمكن أن تطالِب (بكسر اللام) بحق من دون أن تؤدي واجباً، ولا يمكن أن تطالَب (بفتح اللام) بواجب من دون أن تنال حقاً لك. هذه المعادلة هي الغائبة اليوم في عالمنا. غائبة بطغيان الترويج وإشاعة الواجب بمعزل وبغض الطرف عن ثقافة الحق.

ذلك ما يدفع عالمنا العربي وبعض العوالم التي تشبهنا اليوم إلى الخروج من كارثة وصدمة وفشل، تمهيداً للدخول إلى الحلقة المفرغة ذاتها. تَيهٌ يتلو تيهاً. ذلك هو الذي يجعل الأحلام في عالمنا العربي وبعض العوالم التي تشبهنا تطاولاً على الواقع، وأحياناً خروجاً عليه وتهديداً له. ذلك ما يجعل مسألة الانتماء حمَّالة أوجه بحسب مساحات التأويل والتوجيه التي تريد دولنا أن تجرنا إليها وأن تحصرنا فيها، من دون أن تكلف نفسها عناء الالتفات إلى الخلل/ الكارثة: غياب وتغييب معادلة الحق والواجب. الوعد والوعيد.

أنا ابنة هذه الأرض كغيري، وبعد كل الذي سبق بداية هذا المقال، أحلم مثل غيري بتوازن في الوعد والوعيد، وهو توازن العلاقة بين الأطراف التي تشكل توازن وقيام وثبات المجتمعات الإنسانية اليوم. الحكَّام والمحكومون، تحت مظلَّة القانون واحترامه وهيمنته على تلك الأطراف عدلاً ومساواة. هيمنة بتوازن بين الوعد والوعيد، في كفالة الحقوق وإشاعتها وترجمتها على الأرض. وفي النهاية، يظل القفز على الحقوق وتجاوزها، أكثر كلفة وخسراناً من الالتزام بها وتأديتها. والتجارب في حركة العالم من حولنا عين الدليل ورأسه.

لماذا يشيع الوعيد في العالم الذي ننتمي إليه، وفي الوقت نفسه يبحث عن توازنه في أكثر من موقع؟

إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"

العدد 3297 - الجمعة 16 سبتمبر 2011م الموافق 18 شوال 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 3:47 ص

      الحقيقة بعينها

      الاستاذة سوسن

      اصبت كبد الحقيقة والواقع حين تحدثت بهذا الذي تشعرين به وتعيشينه. نحن جميعا نشعر بهذا يا استاذة وهذا ما يجعلنا نعيش واقعا مليئيا من الألم

      كان الله في عوننا وعون ابنائنا

      فاضل عباس علي

اقرأ ايضاً