العدد 3296 - الخميس 15 سبتمبر 2011م الموافق 17 شوال 1432هـ

الاستراتيجية الأميركية ونهج القوة الذكية في مكافحة الإرهاب (4)

هيلاري رودام كلينتون comments [at] alwasatnews.com

لقد جدّدنا تحالفاتنا وأقمنا شراكات جديدة لمكافحة الإرهاب. ونحن معاً، نستخدم كل الأدوات التي في ترسانتنا لملاحقة الهيكلية الداعمة للقاعدة، بما في ذلك التمويل، والإيديولوجية، والتجنيد، والملاذات الآمنة.

إن هذا ليس بالأمر السهل، بالطبع، ونحن ندرك تماماً مدى قدرتنا على الإنجاز وبأية سرعة. ولكننا لن نتوقف إلى أن نعمل كل شيء ممكن لمنع تجنيد العناصر الإرهابية والعمليات غير الشرعية. وبكل تأكيد، لن نتمكن من حل جميع المشاكل في كل دولة فاشلة، كما ليس علينا محاولة ذلك. لكن بإمكاننا جعل الأمور أكثر مشقة بالنسبة لملء صفوف «القاعدة» وصناديق تمويلها في حين نكثف الضغط من جانب شركاء جدد وأكثر فعالية.

دعونا ننظر إلى التمويل، لأننا نعلم أن الأموال النقدية غير الشرعية تموّل معسكرات التدريب، والدعاية، والعمليات الإرهابية. إذاً فإن قطع هذه الأموال أساسي. إنه يشكل خطوة باتجاه إقفال الشبكة نفسها. لهذا السبب عملت الولايات المتحدة مع عشرات البلدان لوضع تشريعات شديدة جديدة، وهي تساعد الكثير منها في تعطيل الشبكات المالية غير الشرعية. ونظراً للنجاحات التي حققناها في هذا المجال، أصبح الإرهابيون يتوجهون إلى نظام التمويل الرسمي ويعمدون بصورة متزايدة إلى تمويل عملياتهم عبر نشاطات إجرامية، وعلى الأخص اختطاف الناس للحصول على فدية. والكثير من تلك الفديات دفعتها الحكومات، الأمر الذي لا يشجع سوى على المزيد من عمليات الاختطاف ويٌقوّض جهودنا في مكافحة الإرهاب. ولذلك، فإننا نحث شركاءنا حول العالم على اعتماد سياسة عدم الخضوع والاستسلام للتهديد.

وحتى أكثر من المال، فإن الذي يحافظ على استمرارية «القاعدة» وفروعها هو التيار المتواصل من المجندين الجدد. إنهم يحلوّن محل الإرهابيين الذين نقتلهم أو نعتقلهم، ويخططون لهجمات جديدة. فخلال السنوات العشر الماضية، تعلمنا كيف تجد «القاعدة» وفروعها هؤلاء الأعضاء الجدد، وكيف تحولهم إلى متطرفين، والديناميات المجتمعية التي تقدم لهم الدعم والحماية. إن إبطاء عملية التجنيد مهمة صعبة، ولكنها تبدأ بتقويض جاذبية التطرف. وتستمر في تدخلات استهدافية بدرجة عالية ضد النقاط المهمة للتجنيد. هذه إحدى الأسباب التي جعلت هذه الحكومة تعمل منذ أيامها الأولى في الحكم، لأجل إعادة تعزيز موقعنا في العالم، ولأجل جعل سياساتنا مُتناغمة مع مبادئنا. ليس لهذا علاقة بالفوز في مسابقة الشعبية. إنه واقع بسيط بأن تحقيق أهدافنا يكون أسهل بوجود عدد أكبر من الأصدقاء وعدد أقل من الأعداء.

من أول الأشياء التي قمت بها بعد وصولي إلى وزارة الخارجية كانت تعيين ممثل خاص لدى المجتمعات المسلمة حول العالم، ورفع مستوى مشاركتنا في مجالات وسائل الإعلام الأكثر أهمية. لقد وضعنا موظفينا - وبالأخص الناطقين باللغات العربية والأوردية والدارية - في القنوات التلفزيونية الأساسية مثل «الجزيرة» وغيرها لشرح سياسات الولايات المتحدة، وعلى الأقل للرد على بعض المعلومات المضللة المنتشرة هناك على نطاق واسع.

كانت هناك فكرة تقول بأن الظهور على قنوات التلفزيون وعلى مواقع الإنترنت لدحض ما يقال والرد عليه سيكون مضيعة للوقت، ولكننا نخوض معركة، ولن أترك الناس تقول عنا أشياء غير صحيحة. وإذا كانوا يريدون أن يقولوا عنا أشياء صحيحة، فإننا سنفسر ذلك. ولكن ابتداع أشياء غير صحيحة واتهامنا بأشياء فائقة الغرابة والشناعة، فهذا أمر غير مقبول. بكل بساطة إنكم تشكلون الطريقة الوحيدة التي سندخل من خلالها إلى الحوار عندما يكون الأمر أكثر أهمية، وعلينا أن نكون حاضرين هناك. أحياناً كثيرة يطرح عليّ أعضاء الكونغرس الأسئلة التالية: لقد شاهدتِ دبلوماسياً أميركياً على هذا، أو ذلك، أو ذاك، لماذا؟ لأن الناس موجودون هناك. وهو المكان الذي يجب أن يكون فيه. ولا أقدم أي اعتذار حول ذلك.

انطلاقاً من هذه الأفكار، طوّرنا وأطلقنا المركز الجديد للاتصالات الاستراتيجية لمكافحة الإرهاب، الذي يُركز عن كثب على تقويض دعاية الإرهابيين وإقناع المجندين المحتملين بالعدول عن الانضمام إلى صفوف «القاعدة». المركز قائم في وزارة الخارجية لكنه مسعى حقيقي يضم جميع فروع الحكومة. إنه تكليف من الرئيس. وكجزء من هذا الجهد، يقوم فريق من الأخصائيين الضالعين في التكنولوجيا - الذين يجيدون اللغتين العربية والأوردية - والذين نسميهم فريق التواصل الرقمي، بالتنافس على الحيّز المتوافر على الإنترنت، وعلى مواقع الإنترنت والمنتديات التابعة لوسائل الإعلام حيث كان الإرهابيون ينشرون دعايتهم منذ زمن طويل ويجندون المنتسبين. ومن خلال نشر المعلومات في الوقت المناسب، وأحياناً كثيرة تقارير صحافية مستقلة، يعمل هذا الفريق على كشف التناقضات والإساءات التي ترتكبها «القاعدة» والإرهابيون، بما في ذلك الاعتداءات الوحشية المتواصلة على المدنيين المسلمين. لايزال هذا الجهد صغيراً، لكنه بدأ يتنامى الآن.

خذوا، على سبيل المثال، فيديو قصيراً أعدّه الفريق في مطلع هذا العام. أولاً، نسمع تسجيلاً لزعيم «القاعدة» الجديد، أيمن الظواهري، يزعم فيه أن العمل السلمي لن يأتي بالتغيير أبداً في الشرق الأوسط. ومن ثم نشاهد صوراً للاحتجاجات والاحتفالات في مصر. لقد نشر الفريق هذا الفيديو على المواقع الشعبية على الإنترنت، وأثار موجة واسعة من ردود الفعل، مثل «ليس للظواهري أي شأن في مصر، سنحل مشاكلنا بأنفسنا»، كما كتب أحد المعلقين على موقع «منتدى مصر» على الإنترنت. وقال معلق آخر على الفيسبوك، «هؤلاء أناس لم يعد يصغي إليهم أحد». والآن، لن نغيّر كل رأي من خلال هذه التكتيكات، ولكننا نعرف من المتطرفين في بلدنا أنه يجري تجنيدهم من خلال الإنترنت كما يتأثرون بها. وهكذا سنفعل كل ما في وسعنا لنشارك في هذه المعركة للوصول إلى عقولهم وقلوبهم، كما أننا نصعد هذا الضغط.

والآن، فإن كتاب هذه القصة لايزال قيد الكتابة. لكن كلما تعلمنا أكثر حول هيكلية «القاعدة» وأساليبها، كلما وجدنا عدداً من نقاط التجنيد المهمة. وليس فقط على الإنترنت، بل وأيضاً في أحياء وقرى وسجون، ومدارس معينة. فقد وجدنا أن المجندين يدخلون كجماعاتٍ، ويتأثرون بعائلاتهم وبالشبكات الاجتماعية. ومن خلال التركيز على هذه النقاط المهمة، بالتعاون مع شركائنا، سيكون بوسعنا البدء بتعطيل سلسلة التجنيد.

إنه لا توجد هناك وصفة سحرية، بكل تأكيد، لكن الولايات المتحدة، وعلى وجه التحديد «الوكالة الأميركية للتنمية الدولية»، لديها الخبرة الطويلة في المشاريع الإنمائية التي تحسن بالفعل حياة الناس، وتخلق فرصاً اقتصادية جديدة، وتزيد الثقة لدى المجتمعات الأهلية. لقد شاهدنا حول العالم، بما في ذلك في بعض المناطق في باكستان واليمن، أن هذا النوع من الأعمال قد باتت تثمر وأخذت تحدّ من إغراء الإرهاب.

إن هذه الهمة تتطلب مِشرطاً وليس مطرقة. وهكذا، نسعى وراء استراتيجيات صغيرة تشمل قادة محليين جديرين بالثقة، تدفعهم الحاجات المحلية ويأتي اطلاعهم من المعرفة المحلية. فعلى سبيل المثال، في المُثلّث الواقع بين كينيا والصومال وإثيوبيا حيث أدت المجاعة والنزاعات إلى فتح الباب أمام المتطرفين، نستكشف شراكات جديدة مع جمعية الشُبّان المسلمين في كينيا. إنهم سيقومون بتنظيم حلقات تعليمية صغيرة حول علماء دين سيساعدون في تقديم النصح للفتيان الذين أصبحوا متطرفين. إنه مشروع صغير، واحد من عدة مشاريع نقوم بها، لكنه يشكل تحدياً كبيراً، وهو بداية، وسوف نواصل التعلم والتكيّف ومواصلة إقناع الآخرين للانضمام إلينا.

على المجتمع المدني والقطاع الخاص أدوار مهمة يلعبانها. فالمجموعات مثل «أخوات ضد التطرف العنيف»، وهي مجموعة من النساء في 17 بلداً حول العالم خاطرن بحياتهن لكي يقلن للإرهابيين إنهن غير المرغوب فيهن في مجتمعاتهن الأهلية. لقد كتبنَ مقالات في الصحف في اليمن، ونظمن ورش عمل للشباب في إندونيسيا، وجمعن النساء الهنديات والباكستانيات لإظهار جبهة مُوحدّة. هؤلاء النساء يعرفن أنهن لن يتمكن من وقف التطرف في كل مكان، لكنهن يرفضن الجلوس على الهامش. وكثيراً ما تكون السلطات المحلية والمجتمع المدني في موقع أفضل منا لتقديم الخدمات إلى شعوبهم، وتعطيل المؤامرات، ومقاضاة المتطرفين، وهم الذين يتحمّلون أحياناً كثيرة عواقب الاعتداءات الإرهابية.

وخاصة عندما يصبح تهديد «القاعدة» أكثر انتشاراً، يكون من مصلحة الولايات المتحدة إقامة صلات أوثق مع الحكومات والمجتمعات الأهلية المتواجدة على الخطوط الأمامية ومساعدتهم في بناء قدراتهم على مكافحة الإرهاب. إننا بحاجة لتوسيع جهودنا لبناء شبكة دولية لمكافحة الإرهاب تكون سريعة الحركة وقادرة على التكيف على غرار أعدائنا. وهكذا، أطلقنا هجوماً دبلوماسياً لتعزيز التعاون الثنائي والمتعدد الجوانب حول مكافحة الإرهاب. لدينا أجندة واسعة وطموحة، ولأجل تنفيذ هذا العمل، إنني بصدد رفع درجة مكتبنا المُكرّس لمكافحة الإرهاب ليصبح دائرة كاملة القدرات ضمن وزارة الخارجية.

خلال العام الماضي، درّبت وزارة الخارجية قرابة 7000 موظف حكومي في مجال فرض تطبيق القانون ومكافحة الإرهاب، من أكثر من 60 بلداً. ودعمنا، بالعمل مع الأمم المتحدة ومنظمات متعددة الجوانب أخرى، بناء القدرات في اليمن وباكستان وبلدان أخرى تقع على الخطوط الأمامية. تقدم إندونيسيا مثالاً جيداً حول جدوى هذا النوع من الشراكة. فعندما قررّت جاكرتا تشكيل فرقة النخبة لمكافحة الإرهاب، قدمت وزارة الخارجية لها التدريب والمعدات. وتبادل خبراء من مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) ووزارة العدل خبراتهم مع رجال الشرطة والمدّعين العامّين.

ساهمت الجهود الإندونيسية النشطة الرامية لفرض تطبيق القانون في تعطيل المؤامرات، وتعقب، وإيقاف، وفي بعض الحالات قتل القادة الإرهابيين التابعين للقاعدة، بما في ذلك بعض المسئولين عن تفجيرات بالي. وقام المدّعون العامّون كما المحاكم الإندونيسية بمقاضاة ومحاكمة وإدانة مئات الإرهابيين بنجاح. إننا بحاجة لتوسيع تعاوننا في مختلف أنحاء العالم. فكما كتب وزير خارجية الإمارات العربية المتحدة، إننا بحاجة إلى مهمة عالمية شاملة لاستئصال الإرهاب والتطرف العنيف.

ولكنه، لغاية الآن، لا يوجد هناك محفل دولي مُكرّس لجمع صانعي سياسة مكافحة الإرهاب والعاملين من حول العالم. ولذلك سنتخذ في وقت لاحق من هذا الشهر خطوة أخرى مهمة إلى الأمام من خلال إنشاء منتدى عالمي جديد لمكافحة الإرهاب. وسنقوم بجمع الحلفاء التقليديين والقوى الناشئة والبلدان ذات الغالبية المسلمة معاً بشأن مهمة مشتركة لمكافحة الإرهاب بطريقة لم يسبق لها مثيل. وستعمل تركيا والولايات المتحدة كرئيسين مؤسسين لهذا المنتدى وستنضم إلينا قرابة 30 دولة أخرى. وسنعمل معاً على التعرف على التهديدات ونقاط الضعف، ونضع الحلول، ونحشد الموارد، ونتبادل الخبرات وأفضل الممارسات.

إذ إن من شأن ذلك أن يؤدي إلى تحسين التنسيق الدولي، بل إنه سيساعد أيضاً البلدان في التصدي للتهديدات الإرهابية داخل حدودها ومناطقها. وسنعمل من أجل القضاء على الملاذات الآمنة وتحديد أكثر الرسائل فعالية لمواجهة التطرف العنيف. وسيساعد المنتدى البلدان التي هي في طور الانتقال من الحكم الاستبدادي إلى الديمقراطية وحكم القانون. كما سيقدم المنتدى الدعم لهذه البلدان بينما تقوم بكتابة تشريعات جديدة حول مكافحة الإرهاب، وتدريب رجال الشرطة والمدّعين العامّين والقضاة على تطبيق القوانين بالترافق مع احترام الحقوق الإنسانية العالمية

إقرأ أيضا لـ "هيلاري رودام كلينتون"

العدد 3296 - الخميس 15 سبتمبر 2011م الموافق 17 شوال 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً