قِيل لنا: ماذا يعني اغتيال الصحافي العراقي هادي المهدي أمام موت عشرات الآلاف مِمَّن استهدَفتهم «القاعِدة» في العراق منذ سبعة أعوام؟ قِيلَ ذلك للتقليل من شأوِ هذا الرجل المغدور به في منزله بمنطقة الكرَّادة مساء يوم الخميس السابع من سبتمبر/ أيلول الجاري. قلت ردّاً على ذلك: ليس بين هذا وذاك فرق.أولئك شهداء وهذا شهيد. فالإعلامي والصحافي هادي المهدي، أخٌ لِي في الدِّين، ونظيرٌ لِي في الخَلق، وسَمِيٌّ لِي في المهنة، فهل بقِيَ شيءٌ لا يَدلُّ على رِفعَة مكانته بالنسبة لِي ولغيري؟ إذًا فالعزاءُ والمنزلة واحدة.
هذا الزميل العزيز، العامِل في راديو تموز، والمنتقِد بشراسة لأوضاع الفساد في العراق، والقائد لمظاهرات ساحة الحرية في بغداد، كتَبَ على حسابه في الفيس بوك قبل ساعات من مقتله قائلاً: «أعيش منذ ثلاثة أيام حال رعب، فهناك من يتصل ليحذرني من مداهمات واعتقالات للمتظاهرين، وهناك من يقول ستفعل الحكومة كذا وكذا، وهناك من يدخل متنكراً ليهددني، (لكنني) سأشارك في التظاهرات، وأعتقد جازماً أن العملية السياسية تجسِّد قمامة من الفشل الوطني والاقتصادي والسياسي، وهي تستحق التغيير ونستحق حكومة أفضل».
لكن خاتمة الأمر، أن المهدي وُجِدَ مقتولاً في منزله برصاصتين في الرأس، وبجانبه مائدة عليها طعام وشراب، قالت الداخلية العراقية إن الجناة أكلوا عليها وشربوا مُدللة ذلك على أن المتهمين في الجناية كثر وليس واحدًا فقط. وعلى رغم أن التدليل على العدد والعدّة لا يهم بقدر ما يهم مشهد المائدة الغريب والمستهجَن، وما إذا كان الجناة قد فعلوا فعلتهم وهم في راحة أمنية، وسِعة من الوقت حدّ استمتاعهم بالأكل ورِجلهُم على رقبة الضحية، إلاَّ أن الحال هو أن الصحافي المغدور به قد ذبِح، ورفضت السلطات تشييعًا رمزيّاً له في ساحة الحرية ببغداد!
في كلّ الأحوال؛ فإن هذه الحادثة ليست بالجديدة في بلدٍ كالعراق، إلاّ أنها أضافت تنبيهًا لِمَن نسِيَ أن في العراق أزمة حكم وسياسة واجتماع وأمن وإنسانية. صحيح أن مقتله قد رَفعَ عدد الزملاء الصحافيين الذين قتِلوا في العراق إلى 301 منذ الاحتلال الأميركي له في أبريل/ نيسان من العام 2003م، إلاَّ أنها أيضًا وضعت الإصبع من جديد على المؤشرات البيانية الخطيرة في هذا البلد المنكوب، والتي تزداد ألمًا وحزنًا يومًا بعد آخر، من دون أن يُرَى أفقًا لنهايتها المطلوبة حالاً.
قبل أيام كنت أستمع إلى برنامج حواري بشأن أحداث 11 من سبتمبر 2001 على أثير إحدى الإذاعات العالمية. أحد الضيوف، كان يعمل في إدارة جورج بوش الابن الجمهورية قال: إن ما جَرَى في العراق بعد أبريل 2003م قد جَرَّأ شعوب العالَم العربي في العام 2011م على أن تثور على حكامها الديكتاتوريين، فالعراقيون اليوم يختارون حكَّامهم بأنفسهم، بعد أن كانوا يُحكَمون لأربعين عامًا من قِبَل البعث من دون أن يكون لهم رأي في شئون الدولة!
لا أدري إن كان هذا الرجل يعِي ما يقول، أم أنه يتغابَى، أو يستمرئ الابتعاد عن كلّ ما يُكدِّر من صفو الاحتفال بالذكرى السنوية لأحداث الحادي عشر من سبتمبر.
فكلّ العناوين التي باتت تطرح في العراق هي محلّ تشكيك. نعم كلّ العناوين من دون أن أزيدَ على ذلك حرفًا. حتى موضوع اختيار ممثليهم في البرلمان كان فيه نظر، وقد تحدثت عنه بالتفصيل في مقالات مختلفة بشأن العتبة الانتخابية وحسابها للفوز غير المنصف، أو النقاط الانتخابية وما عليها لتشكيل الحكومة، أو للاستيزار فيها.حديثي كان هندسيًا ومُرقمًا لكي لا يقول الخصوم إنه افتآت مني على التجربة السياسية، أو أنه تحليل بُنِيَ على دفوع مأزومة.
اليوم، عندما أسمع عن تلك المشاكل التي كان يتحدث عنها العراقيون قبل ثمانية أعوام أصاب بالذهول. فالساسة في بغداد لا يزالون يتحدثون عن خمسين مادة في الدستور كتِبَت على عجل، ولم يتِم التوافق عليها لإنصاف الطوائف فيه. ولايزال الساسة في بغداد يتحدثون عن ميزان السلطة، وما إذا كان عَدْله للأكثرية السياسية أم للأكثرية العددية. ومازالوا يتحدثون عن 35 ألف شهادة مزوَّرة (أو غير معترف بها في العراق) والتي نالها مسئولون كبار في الدولة من إيران والخليج والمغرب العربيين ولبنان ومصر لتقلّد مناصب حساسَّة في الدولة العراقية. ولايزال الحديث مستمرًا بشأن اجتثاث البعث والمصالحة الوطنية والتي راح ضحيتها الآلاف.
قبل أيام قرأنا أن مجلس الوزراء العراقي أوقف 25700 طلب تقاعد لأفراد سابقين في حزب البعث، قال إنهم متورطين في أحداث قمع أمني ابان عهد صدام حسين. بالتأكيد أن ذلك الأمر قد لا يتفق مع مشروع المصالحة الوطنية في العراق الذي أطلقه المالكي بنفسه في خريف العام 2006م، كما أنه سيؤجل من حسم الكثير من الملفات العالقة منذ سنين.
فالمشكلة الحقيقية هي في مدى قدرة الدولة على منح هؤلاء مواطنة كاملة، لإدماجهم ودرء خطر التصفية عنهم كما جرى للكثيرين من نظرائهم، وإلاّ أصبحوا صيدًا ثمينًا للقاعدة لكي تستقطبهم إلى جانبها، ولو عبر الابتزاز المادي، بعد أن ساهمت الدولة العراقية في إفقارهم. هذه هي الحقيقة التي نتمنى أن يتعافى منها العراق، على رغم اليأس والإحباط من ساسته.
ثم عوداً على بدء؛ لا يسَع الزمالة عن بُعد سوى الاستنكار الشديد، مع وقفة تضامن على روح الزميل هادي المهدي الذي قضى مغدورًا به، من دون أن يعني ذلك غياباً للكلمة الصادقة المناهضة للفساد والاستئثار بالثروة والسلطة ولتطييف المجتمع والدولة
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 3295 - الأربعاء 14 سبتمبر 2011م الموافق 16 شوال 1432هـ
آخر أخبار العراق
ورأى أمير عشائر الدليم في الأنبار علي حاتم السليمان، أن «جريمتي النخيب والحمزة دوافعها سياسية وما يحصل ليس أستهدافاً للشيعة لأن بين المغدورين في النخيب 5 من سنة، 4 منهم من الأنبار من عشائر أل عيسى ، وواحد من تكريت».