فقدت العائلة الأدبية المصرية والعربية عموما يوم الجمعة الماضي واحدا من أبرز رموزها إن لم يكن آخر عمالقة القصة العربية في القرن العشرين. ذلك هو المرحوم الروائي خيري شلبي الذي ربما لم ينل تلك الشهرة التي حظي بها نجيب محفوظ ولكنه وبشهادة كل من قرأ له يعدّ قامة أدبية بكل المقاييس ولعل حالته مع الشهرة والانتشار خارج مصر كحال أبي فراس الحمداني في القرن الرابع للهجرة فهذا الشاعر الفذ قد يكون من سوء حظه أنه عاش في العصر نفسه مع المتنبي فلم ينل تلك الشهرة وذلك الصيت اللذين نالهما المتنبي.
قد تجوز هذه المقارنة وقد لا تجوز وفي جميع الحالات فقد ودّعنا قامة أدبية عن عمر ناهز 73 عاما إثر أزمة قلبية حادة، وذلك بعد مسيرة حافلة بالإبداع في الرواية والقصة والدراسات الأدبية، حصل خلالها على جوائز مختلفة. فخيري شلبي، المولود في 31 يناير/ كانون الثاني 1938، هو أحد أبرز كتاب جيل الستينيات من القرن الماضي وأغزرهم إنتاجا، حيث يزيد عدد الكتب التي ألفها خلال مسيرته الإبداعية على سبعين كتابا اختلفت مناحيها ما بين تحقيق لنصوص كادت تتوارى مع الزمن على أهميتها إلى دراسات أدبية نقدية دون أن ننسى القصة القصيرة والرواية التي اشتهر بها أكثر من غيرها.
أما في مجال البحث والتنقيب ثم التحقيق فقد أخرج خيري شلبي إلى النور نصوصا مسرحية فريدة، فقد اكتشف من خلال البحث الدؤوب أكثر من مئتي مسرحية مطبوعة في القرن التاسع عشر وأواسط القرن العشرين، يذكر أن الباحث اكتشف ضمن هذه المجموعة من النصوص نصا مسرحيا من تأليف الزعيم الوطني مصطفى كامل بعنوان: «فتح الأندلس». كما اكتشف أيضا مسرحية من تأليف العلاَمة الشيخ أمين الخولي بعنوان: «الراهب» كتبها أمين الخولى لجوقة عكاشة. وفي إطار اهتمامه بالمسرح فقد عمل أستاذا زائرا بمعهد الفنون المسرحية لتدريس تاريخ المسرح المصري المعاصر.
خيري شلبى هو أيضا مكتشف قرار النيابة في كتاب «الشعر الجاهلي» إذ عثر عليه في إحدى مكتبات درب الجماميز المتخصصة في الكتب القديمة، وكان المعروف إعلاميا أن طه حسين قد اُستُتيب لتنتهي القضية، وبظهور هذا القرار النيابي اتضحت القضية واتضح أن النائب العام حفظ القضية لعدم كفاية الأدلة.
كما مارس الراحل الكتابة والعمل الصحافي في الكثير من الدوريات وابتدع في الصحافة المصرية لونا من الكتابة الأدبية قدم فيه إسهاما كبيرا اشتهر به بين القراء، وهو فن البورتريه، حيث يرسم قلمه صورة دقيقة لوجه من الوجوه وقدم في فن البورتريه مئتين وخمسين شخصية من نجوم مصر في جميع المجالات الأدبية والفنية والسياسية والعلمية والرياضية، على امتداد ثلاثة أجيال، من جيل طه حسين إلى جيل الخمسينيات إلى جيل الستينيات. وقد أصدر هذه المقالات عن الشخصيات التي تناولها في كتب منها: أعيان مصر، عن الدار المصرية اللبنانية وصحبة العشاق، عن الهيئة العامة للكتاب.
أما في مجال الرواية والقصة فهو دون منازع رائد الفانتازيا التاريخية في الرواية العربية المعاصرة، وتعد روايته «رحلات الطرشجى الحلوجى» عملا فريدا في بابها.
كان من أوائل من كتبوا ما يسمى الآن بالواقعية السحرية، ففي أدبه الروائي «يصل الواقع إلى مستوى الأسطورة، وتنزل الأسطورة إلى مستوى الواقع» كما قال بعض النقاد ولكن القارئ يصدق ما يقرأ ويتفاعل معه. على سبيل المثال روايته «السنيورة» وروايته «بغلة العرش» يصل الواقع في الأولى إلى تخوم الأسطورة، وتصل الأسطورة في الثانية إلى التحقق الواقعي الصرف، أما روايته «الشطار» فقد تميزت لسبب بسيط وهو أن الرواية من أولها إلى آخرها (خمس مئة صفحة) يرويها كلب، كلب يتعرف القارئ إلى شخصيته ويتابع رحلته الدرامية بشغف.
وعموما تتوجه قائمة كتابات الأديب الراحل صوب الشخصيات والأماكن المهمّشة والمزدحمة بحراكها الإنساني الصاخب وهي تتصارع في سبيل الوصول إلى أهداف عصية عن التحقق نتيجة لِتغوّل الواقع وإفرازاته. ومن إبداعاته التي استندت إلى تجربته الشخصية في الحياة رواية «وكالة عطية» التي نال عنها جائزة نجيب محفوظ من الجامعة الأميركية بالقاهرة العام 2003 وتحولت إلى مسلسل تلفزيوني ولما سئل في برنامج «كلام مسئول» عن قبوله لهذه الجائزة من الجامعة الأميركية ردّ بأنه قبلها لأنها تحمل اسم العملاق نجيب محفوظ لا لأنها من الجامعة الأميركية.
ورحلة الكاتب الفقيد مع الإبداع والتقدير طويلة فقد انطلقت منذ العام 1980 حين نال جائزة الدولة التشجيعية في الآداب ثم حصل على وسام العلوم والفنون العام 1981، مثلما ظفر بجائزة أفضل كاتب روائي عربي عن روايته المعنونة «وكالة عطية» العام 1993، كما رُشح من قبل مؤسسة «السفراء» الكندية للحصول على جائزة نوبل للآداب... وقد علق الناقد محمد عوض من مصر على عدم حصوله على هذه الجائزة بقوله «التفسير الوحيد لعدم حصول خيري شلبي على نوبل للآداب هي أنها أصبحت جائزة سياسية من الدرجة الأولى».
ومن مجموعاته القصصية «صاحب السعادة اللص»، و «المنحنى الخطر»، و «سارق الفرح»، ومن مسرحياته: «صياد اللولي»، و «المخربشين»، وقد وجد القارئ من خلال هذه الأعمال أنه كاتب يتمتع بصراحة متناهية غير متصنعة يتكلم عن الفئة البسيطة من عامه الشعب التي نراها كل يوم تقريبا في طريقنا من بائعين جائلين أو نجارين أو صغار اللصوص أو متسولين إلخ... يجعل من هذه الفئة أبطالا لروايته. كما كتب النقد والدراسات الأدبية، ومن كتبه في هذا الصدد: «أبوحيان التوحيدي» عن دار العروبة، و «مؤرخو مصر الإسلامية» عن دار المستقبل ترجمت معظم رواياته إلى الروسية والفرنسية والانجليزية... وقد غدا بإنتاجه الغزير هذا موضوعا للبحث النقدي الأدبي حيث قدمت عنه عدة رسائل للماجستير والدكتوراه في جامعات القاهرة وطنطا والرياض وأكسفورد وإحدى الجامعات الألمانية.
ومن أقواله التي لا تنسى تعريفه للكاتب بقوله: «الكاتب الموهوب هو من ينسيك أنك تقرأ»
إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"العدد 3293 - الإثنين 12 سبتمبر 2011م الموافق 14 شوال 1432هـ
نعم صدقت
لكنه وبشهادة كل من قرأ له يعدّ قامة أدبية بكل المقاييس ولعل حالته مع الشهرة والانتشار خارج مصر كحال أبي فراس الحمداني في القرن الرابع للهجرة فهذا الشاعر الفذ قد يكون من سوء حظه أنه عاش في العصر نفسه مع المتنبي فلم ينل تلك الشهرة وذلك الصيت اللذين نالهما المتنبي.
قد تجوز هذه المقارنة وقد لا تجوز
بلى أخي مقارنة سليمة وجائزة
شكرا
خيري شلبي روائي كبير وله فضل في المحافظة على التراث والفلكلور المصري
كما أنه شخصية طريفة في محاوراته التلفزيونية
رحم الله الفقيد
صراحة لم أكن أعرفه
شكرا صاحب المقال ما قصرت
انا ما اعرف الاديب لكن ان شاء الله سوف اقرا له
أين هو ؟
الكاتب الموهوب هو من ينسيك أنك تقرأ
نرجو أن ينبعث فينا من يعوض هذا الجيل الذهبي للقصة العربية