العدد 3293 - الإثنين 12 سبتمبر 2011م الموافق 14 شوال 1432هـ

الاستراتيجية الأميركية ونهج القوة الذكية في مكافحة الإرهاب (1)

هيلاري رودام كلينتون comments [at] alwasatnews.com

أنا أعلم أن هذا الوقت يأتي في خضم محاولة التطلع إلى الوراء كما والتطلع إلى الأمام، ويتزامن مع الأخبار التي سمعناها، لكنها غير مؤكدة، بأن تنظيم «القاعدة» يسعى مرة أخرى لإلحاق الأذى بالأميركيين، وعلى وجه الخصوص، استهداف نيويورك وواشنطن. وهذا لا ينبغي أن يفاجئ أيَّ أحد منا. بل إنه تذكير مستمر بالأخطار الكامنة في كفاحنا ضد التطرف العنيف، بغض النظر عمّن يبثها، وبغض النظر من أين تأتي، وبغض النظر عما قد تكون أهدافها. إننا نأخذ هذا التهديد على محمل الجد. فالسلطات الفيدرالية وحكومات الولايات والسلطات المحلية تتخذ جميع الخطوات للتصدي له.

وبطبيعة الحال، فإن الإعلان عنه، كما فعلنا، يهدف إلى تعبئة الملايين والملايين من سكان نيويورك والأميركيين لكي يكونوا عيوناً وآذاناً لليقظة. وبطبيعة الحال، يجب على الناس الاستمرار في حياتهم والقيام بما يقومون به عادة، ولكن عليهم أن يكونوا جزءاً من هذه الشبكة العظيمة من الوحدة والدعم ضد أولئك الذين يريدون ارتكاب العنف والشر ضد الناس الأبرياء.

لم أستطع التفكير في أي مكان لمناقشة هذا الموضوع أفضل من هذا في كلية جون جاي. فطوال عقود، درّبتم الكثير من قادة نيويورك في مجال فرض تطبيق القانون والخدمات العامة، بما في ذلك الكثير من الذين يعملون الآن على مدار الساعة للمحافظة على أمن وسلامة مدننا خلال الذكرى التي تصادف عطلة نهاية هذا الأسبوع. وكما ذكّرنا الرئيس ترافيس، خسرت كلية جون جاي قبل عشر سنوات عدداً من الطلاب والخريجين، والكثير منهم كانوا من أوائل المستجيبين للحدث، يزيد على ما خسرته أي مؤسسة تعليمية أخرى في البلاد. وأصبحتم من المؤسسات القليلة التي تقدم برنامجاً لشهادة الماجستير في دراسة الإرهاب. لأنه، كما أدركت كلية جون جاي، فإن الطريقة التي نفهم بها معنى ذلك اليوم الرهيب، الذي أظهر أفضل ما في الطبيعة البشرية إلى جانب أسوأ ما فيها، سيساعد في تحديد كيفية مواجهتنا لهذا التحدي المستمر للإرهاب، والذي لايزال يشكل قضية ملحّة لا للولايات المتحدة، فحسب، ولكن في الواقع للعالم أجمع.

وهذا النصب التذكاري، المصنوع من فولاذ تمّ انتشاله من البرج الشمالي، سيخدم بمثابة تذكرة هنا في كلية جون جاي لما عانته هذه المدينة وبلدنا ليس فقط في 11 سبتمبر/ أيلول مع ما حمله ذلك اليوم من ذكريات عن الأعمدة الملتوية والدعامات المحطمة التي كانت تقبع فوق ركام الأنقاض، وليس فقط في وجوه وصور رجال الإطفاء وأفراد الشرطة وعمال الإنشاءات وملامح المتطوعين الذين استجابوا على الفور والذين بقوا لكي يحفروا في وسط الأنقاض، لكنه سيذكرنا أيضاً بصمود مدينتنا وبلدنا، وبالثبات الذي أظهرناه في محاولة إنهاض أنفسنا، والاستمرار في حياتنا، والتعامل مع المسائل الخطيرة التي نواجهها.

عندما زرتُ أرض الكارثة لأول مرة في 12 سبتمبر/ أيلول مع السناتور شومر، ورئيس البلدية جولياني، والحاكم باتاكي، كان الهواء مازال ثقيلاً، ووضع الكثير منا أقنعة على وجوههم، كان الهدف منها حمايتنا نحن الذين أتينا إلى هناك لمجرد بضع ساعات مما كان منتشراً في الهواء. ولكن عندما شاهدت رجال الإطفاء يخرجون من وراء ستار الغبار المعتم، والسخام الذي كان يكسوهم، رأيت أنهم لم يكونوا يضعون أقنعة، بل كانوا يركزون كلّ همهم في العمل الماثل أمامهم. وعندما عدتُ بعد انقضاء أسبوع، كان رجال الإنقاذ مازالوا هناك. كانت السماء تمطر في ذلك اليوم، لكنهم لم يتوقفوا. مكثوا هناك للبحث عن رفاقهم، وللبحث عن مئات الآخرين الذين لم يعرفوهم في الحياة مطلقاً، ولكنهم كانوا يحاولون استعادتهم أمواتاً.

وفي مركز لمساعدة العائلات على الرصيف البحري 94، بدأت التقي وأعمل مع أفراد الأسر الذين كانوا يضمون بين أذرعهم صوراً لأحبائهم المفقودين. إن هناك بعض الجروح التي لا تشفى تماماً والتي نعيش معها جميعاً بقية حياتنا، وهناك أولئك الذين أظهروا كم كانوا أقوياء في تحمّل آلامهم وخسائرهم ومضوا قدماً لكي يقودوا الطريق نحو الهدف الجديد المتمثل بالمساعدة في بناء مستقبل أفضل.

لم يكن هناك عدد كبير من الناجين، كما تذكرون، لكنني حاولت أن أقابلهم. أتذكر زيارة قمت بها لإحدى الناجيات في مستشفى سانت فنسنت، وكانت مصابة بجروح بالغة من جرّاء جزء من الطائرة وقع عليها. وأذكر أنني ذهبت إلى مركز لإعادة التأهيل في وستشستر إلى حيث كان قد تمّ نقل عدد من ضحايا الحروق. ولقد تشرفت جداً بالعمل مع هؤلاء الناجين، وكانت إحداهن لورين مانينغ، التي أفكر فيها كثيراً بسبب الكتاب الذي نشرته للتوّ، وفي زوجها غريغ، الموجود معنا. فعلى رغم أنها كانت مصابة بحروق بالغة، فقد كافحت بشدة من خلال قوة إرادتها الفائقة وشخصيتها القوية لاستعادة حياتها. والآن هي وغريغ لهما صبيان صغيران رائعان. تقول لورين في كتابها، إننا جميعاً، في الواقع، سنتعرض للمحن ونحن نمضي في رحلة حياتنا، ولكن في مقدورنا أن نرفض أن نبقى أسرى لها.

وهذا بالذات هو ما برز بقوة باهرة في 11 سبتمبر وفي كل الأيام التي تلت. إنه التعاطف والشجاعة والشكيمة بأقصى قوة يمكن للمرء أن يتصورها، وكانت أقوى حتى من الفولاذ الذي كان في البرجين. وعرفنا شيئاً مما يجعل هذه المدينة عظيمة وما يجعل هذا البلد استثنائياً.

عمل سكان نيويورك بمشقة للمحافظة على هذه الروح. بدأت سالي ريغنهارد عملاً للتأكد من أن ابنها كريستشين سيبقى في الذاكرة وأن مقتله سيؤدي إلى تغييرات في الطريقة التي نبني بها ناطحات السحاب. وأصبح مركز كريستشين ريجنهارد لدراسات الاستجابة لحالات الطوارئ موجوداً هنا في كلية جون جاي. وأسس جاي وينوك وديفيد باين، في ذكرى شقيق جاي، منظمة «عملي الصالح». والآن يحاول مئات الآلاف من الأميركيين والناس حول العالم تحويل ذكرياتهم إلى أعمال إيجابية نيابة عن الآخرين. الدكتور ديفيد برزانت والدكتور كيري كيلي من دائرة الإطفاء أدركا على الفور ما هو ضروري لتتبع الحالة الصحية لرجال الإطفاء لدينا وبدآ في تجميع أكبر سجل استثنائي لما حدث لأولئك الذين كانوا يذهبون إلى هناك في كل يوم، ويدفعون الثمن المتوجب لذلك، على رغم أنهم لم يندموا حتى لثانية واحدة على ما فعلوا.

وهكذا صار لنا بعض الأمثلة في أولئك الذين ساعدونا في فهم ما يتعذر فهمه تقريباً. وعمل سكان نيويورك بمشقة للمحافظة على هذه الروح مع مرور الأيام التي تحوّلت إلى شهور والشهور إلى سنوات. الشاب الذي كان سكرتيري الصحافي في ذلك الوقت، وتطوّع بعد مجيئه إلى أرض الكارثة معي للاجتماع بأفراد الأسر، تطوع في الجيش. والتحق آلاف بدوائر مكافحة الحرائق والشرطة، واتحدنا معاً لمساعدة الذين مرضوا نتيجة قضاء وقتهم في أرض الكارثة. وفي هذا الأسبوع، صدرت دراسة طبية جديدة وثيقة عن المعدلات المرتفعة للإصابة بالسرطان بين رجال الإطفاء في نيويورك الذين تعرضوا لتلك المنطقة. لذا فإن العمل لم يكتمل بعد. فلايزال هناك أبطال علينا أن نكرمهم، وأصدقاء نهتمّ بهم، وعائلات نحبّهم. وهناك أيضاً عمل آخر غير منجز بالنسبة لنا كدولة.

في ذلك اليوم، تعهد الأميركيون ببذل كل ما في وسعنا لمنع وقوع هجوم آخر ولإلحاق الهزيمة بالإرهابيين المسئولين عن الهجوم. وكعضو في مجلس الشيوخ عن نيويورك، وقفتُ مع عائلات ضحايا سبتمبر الذين طالبوا بتشكيل لجنة للتحقيق في الهجمات والتوصية بإجراء إصلاحات. ومن ثم عملنا معاً للشروع في تنفيذ الإصلاحات

إقرأ أيضا لـ "هيلاري رودام كلينتون"

العدد 3293 - الإثنين 12 سبتمبر 2011م الموافق 14 شوال 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً